(المسجد وأثره في تنمية المواطنة الصالحة)

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م
ن محبة الوطن، والانتماء له أمر فطري غريزي، وطبيعة جبل الله النفوس عليها. قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ..}(الروم: الآية 30).
فحينما يولد الإنسان في بلده، وينشأ ويترعرع بين أحضانه، ويأكل من طعامه، ويشرب من مائه، ويحيا بين أهله وإخوانه، فإن فطرته ترتبط به، فيحبه ويواليه، ويجتهد في الذب عنه، ورفع شأنه، وتحسين صورته.
فإذا كان هذا الوطن قائماً على شرع الله، مستناً بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، قائماً بحدوده، فهذا هو أغلى الأوطان، وأحبها إلى نفوس المؤمنين، وهذا هو الوطن الذي تبذل له النفوس والأموال رخيصة.
فارتباط الإنسان بوطنه كامن في كل نفس بشرية، ويستشعر ذلك كل من ترك بلده مهاجراً إلى بلد آخر، فيشعر بالحنين والشوق له، وتتحرك عواطفه الكامنة الدالة على محبته له.
وأيضاً حينما يصاب بلده باعتداء أو ظلم، فإنه يبادر إلى الدفاع عنه، والذب عن حياضه، ويحزن إذا كان بعيداً عنه لعدم قدرته في الدفاع عنه.
إن الحديث عن حب الوطن والانتماء إليه، حديث ذو شجون وكيف لا ونبينا محمدصلى الله عليه وسلم حينما أخرجه قومه من بلده التي نشأ بها، وترعرع بين جنباتها حزن حزناً شديداً، فقال بلسان حاله وهو يغادرها (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)(رواه الترمذي، 5/723).
فحب الوطن ـ كما ذكرت سابقاً ـ حبٌ غريزيٌ ولكنه يختلف من شخص إلى آخر، فكم من الناس من يتشدقون بحبهم لوطنهم وهم عالة عليه، وآلة هدم في بنائه، وهذا هو الحب الزائف.
أما الحب الصادق للوطن فإنما يظهر فيما يقوم به المواطن من بذل وعطاء، وجهد وبناء في سبيل إعلاء مكانة وطنه بين الأمم، فهو يحبه ويتعلق به، ويكون ذلك باحترام الأنظمة الموضوعة لحفظ أمنه، ونشر العدل بين ربوعه، وبذل قصارى جهده في سبيل إعزازه ونصرته ورفع شأنه وحفظ مقدراته، ونشر إيجابياته، وستر عيوبه، والعمل على حفظ أمنه من كل من يريد به الشر والأذى.
فهذا الوطن الذي يتعلق به المسلم يحتاج إلى وجود المواطن الصالح الذي يقدر قيمة وطنه، ويعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات متبادلة بينه وبين مجتمعه.
وقد كان للمسجد دور كبير في تنمية عامل المواطنة وتوعية المجتمع، فالأئمة والخطباء هم من يوجهون الناس لحب الدين، والوطن، ويعلمونهم كيفية الانتماء إليه والذب عنه ومناصرته.
والمسجد دائماً وما زال له السبق في تعزيز قيم التنمية الوطنية، وتربية الناس عليها، وتصحيح المفاهيم حولها، وحث الناس على التمسك بها.
والمسجد في حياة المسلمين له دور عظيم في تحقيق التوازن للمجتمع المسلم، فهو المكان الذي يؤمونه في اليوم خمس مرات يؤدون فيه الصلاة، ويتلقون فيه النصح والتوجيه والإرشاد، ويتعلمون فيه كثيراً من السلوكيات والأخلاق الإسلامية.
ومن أدوار المسجد في تنمية قيم الوطنية في حياة المسلمين :
1- حثهم بأن يكونوا مواطنين صالحين متمسكين بعقيدتهم الإسلامية، وحبهم وولائهم لوطنهم، ولأولياء أمورهم، وعلمائهم.
2- توجيههم إلى مقومات المواطنة الصالحة، والعادات الصحيحة للمواطن المخلص لوطنه،
وبيان ذلك بالأمثلة والشواهد .
3- غرس حب الوطن في نفوسهم ليزدادوا اعتزازا به، والعمل من أجل تقدمه وإعلاء شأنه والذود عن حياضه .
4- تعزيز ثقافة الحوار والمشاركة والتسامح مع الاختلاف.
5- تقدير المصلحة العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة، والتضحية من أجل الصالح العام.
6- التحذير من معاداة أولياء الأمور والعلماء، والخروج عن جماعة المسلمين.
7ـ الاجتهاد في خدمة الوطن، والحرص عليه من كل ما يؤثر عليه سلباً.
8ـ نشر الخير بين الناس، والعمل على اجتماع الكلمة، ومفهوم الأمة، والبعد عن كل ما يهدم الصف، والتصدي للشائعات المغرضة.
9- العمل على احترام النظام، وعدم خيانة الوطن.
10- المحافظة على المرافق العامة، والمساهمة في تنمية الوطن.
11- البعد عن بث الأفكار المنحرفة والشاذة التي تجلب الشر للوطن والمواطنين.
أسأل الله جل وعلا أن يحفظ هذه البلاد وقادتها وعلمائها وشعبها والمقيمين عليها من كل سوء ومكروه، وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم، وأن يجزي القائمين على فرع وزارة الشؤون الإسلامية في منطقة الرياض خيراً على تنظيم مثل هذه اللقاءات المفيدة التي تسهم بالتوعية وتوجيه الناس لما فيه الخير في العاجل والآجل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.