(نحتاج لمن يأخذ بأيدي طلاب العلم إلى محاسن الأخلاق ليترفعوا عن الصغائر وسفاسف الأمور) حوار مع جريدة الجزيرة بتاريخ 5-11-1438هـ
القصيم – خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفتي منطقة القصيم أن ظاهرة التطرف في المجتمعات الإسلامية أصبحت مقلقة، لأنها لم تعد ظاهرة سلوكية فردية، وإنما تجاوزت ذلك إلى سلوكيات العنف الذي يهدد استقرار المجتمع ويسيء لسمعته ويشغله عن قضاياه الرئيسية.
وقال د. عبدالله الطيار في الجزء الثالث والأخير في حواره مع «الجزيرة» إن التشدد في الدين والتنطع والخروج عن منهج الاعتدال في الدين من أبرز سمات الخوارج، وأغلب الذين ينزعون إلى الغلو والعنف اليوم تجد فيهما هاتين الخصلتين. وحذر د. الطيار الناشئة من الحماس غير المنضبط، وأن يكون الحكم على الأشياء بعيداً عن العواطف ومجانباً للتشنجات، وأخذ الحقوق ورفع الظلم إنما يكون بالطرق المشروعة.. وفيما يلي نص الحوار:
* كيف يمكن الحد من ظاهرة التصنيفات لآثارها الخطيرة على الإسلام والمسلمين؟
– للقضاء على هذه الظاهرة السلبية أو الحد منها لا بد من الآتي:
1 – إدراك وجود المشكلة والاعتراف بأهميتها والسعي الدؤوب إلى حلها وذلك لأن الإدراك لوجود هذه المشكلة يكاد يكون غائباً عند قطاع لا يستهان به، وهؤلاء هم جزء من المشكلة لأنهم فرسان هذا الانقسام، وبعضهم يعيش منعزلاً عن متابعة واقع الدعوة على المستوى العام فلا يعرف حقيقة الحال، وبعضهم يقر بوجود المشكلة لكنه لا يدرك حجمها ولا أبعادها ولا مآلاتها، وبعضهم يدرك كل ذلك لكنه لا يضع حلاً لهذه المشكلة أو تلك على سلم الأولويات والاهتمامات.
فالواجب أن يسعى كل فرد من أفراد الدعوة إلى نشر الوعي وبيان خطورة هذا الانقسام، فيسعى كل في محيطه بما آتاه الله من قدرة، لإيصال هذه الرسالة وحث المشايخ وطلبة العلم على التصدي لها بالدراسة والتحليل ووضع الحلول وسبل العلاج، ونشر التوصيات والمقترحات والفتاوى بهذا الخصوص.
2 – الإخلاص وتقوى الله، فمن نظر إلى أسباب الانقسام سالفة الذكر يلمس أن جزءاً كبيراً من حل هذه المعضلة يكمن في تقوى الله سبحانه وتعالى، فلو أن كل فرد اتقى الله عز وجل وخشيه حق خشيته، لغلب الصالح العام لعموم الأمة المسلمة على صالحه الخاص أو على صالح جماعته الضيقة، ولعرف لإخوانه حقوقهم فحفظها ولم يضيعها، ولعرف لأهل العلم حقوقهم ومنازلهم التي أنزلهم الله إياها، فلم يتعرض لهم بسوء أو تجريح أو اتهام بالباطل.
3 – العمل بالعلم والتأسي بالسلف الصالح فالسلفيون من أحرص الناس على متابعة السلف الصالح والتأسي بهم والدعوة إلى ذلك، فمجالسهم ودروسهم مليئة بالكلام عن عقيدة السلف وعلمهم، وعبادتهم وأخلاقهم، لكن الواقع اليوم يظهر أن هناك انفصالاً في كثير من الأحيان بين الواقع وبين ما ندعو إليه، فهل كان السلف رضوان الله عليهم يقعون في أعراض بعض؟ أو كان بعضهم يخرج الآخرين من دائرة أهل الحق ويرميه بالبدع وعظائم الأمور مهما عظم الخلاف بينهم؟
4 – البعد عن التعصب المقيت فإذا كان الجمع بين الأقوال في اختلاف التضاد متعذراً، فلا يلزم من ذلك أن ينقسم الصف المسلم وأن تتباغض القلوب، وغياب مثل هذه الروح وتفشي روح التعصب للرأي هي التي تشعل الخلافات والعداوات، ورحم الله أئمتنا حيث قالوا: رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فبمثل هذا الفهم تجتمع القلوب وتستقيم الصفوف، وليس معنى ما سبق أن نردد العبارة المشهورة: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، لأنها لا تصح بهذا الإطلاق، ولكن نقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتناصح فيما اختلفنا فيه، فيعذر بعضنا بعضا فيما كان الخلاف فيه سائغاً، وينكر بعضنا على بعض فيما سوى ذلك.
5 – إيجاد المرجعية الجامعة الذي يقلل كثيراً من احتمالات الانقسام، ومن ثم لا يكون الخلاف وتعدد الآراء وتشعيبها بلا ضابط من حيث العدد والاتساع، بل يكون مثل هذا الاختلاف منحصراً في أضيق الحدود.
6 – تحصيل العلم الشرعي المؤصل والدراسة المستفيضة للواقع فقلة العلم واحدة من أسباب الانقسام الذي نراه اليوم. والعلم المطلوب هو العلم المنهجي المؤصل الذي تناقله علماؤنا الأفذاذ جيلاً بعد جيل، مع التعرف على تفاصيل الواقع المعاصر الذي يزداد تشعباً وتعقيداً يوماً بعد يوم، وهذه المهمة ينبغي أن توليها المجامع والهيئات العلمية مزيداً من الاهتمام، مع الاستعانة بالخبراء المتخصصين في شتى المجالات الضرورية، لتتضح الرؤية للجميع ومن ثم يكون الحكم على صورة مطابقة للواقع أو أقرب ما تكون إليه.
7 – الاهتمام بتربية الطلاب على التثبت من الأخبار: فما أحوجنا اليوم إلى من يأخذ بأيدي طلاب العلم إلى محاسن الأخلاق ليترفعوا عن الصغائر وسفاسف الأمور التي تضر ولا تنفع، وليترفعوا عن نقل الأخبار بين الأقران حسماً لمادة الفتنة وقطعاً لدابرها. وهذه مهمة أهل العلم والمشايخ الذين يتصدون للتدريس، فلا ينبغي الاكتفاء بتدريس العلوم الشرعية المجردة، بل لابد من تعاهد الطلاب بالتوجيه والإرشاد، فإن العلم ينبغي أن يورث صاحبه العمل، أما إن لم ينعكس هذا العلم المتلقى على أخلاق وسلوكيات الطلاب، فليس هذا هو العلم النافع الذي ترجى به الدار الآخرة ومنهج أهل السنة والجماعة أتباع الأثر والأخبار، فإن لهم عناية بالرواية أكثر من غيرهم، فحري بأتباعهم السلفيين أن يسيروا على منوالهم ويقتفوا آثارهم.
* وما السبل الكفيلة للحد من ظواهر الغلو والتطرف والانحرافات الفكرية؟
– حينما ظهرت هذه الظاهرة المقيتة أي ظاهرة الغلو والتطرف والانحرافات الفكرية، انبرى لها علماء وطلاب علم لوأدها والتخلص من شرها وأعظم دليل على ذلك فتاويهم وأقوالهم وكتاباتهم التي ملئت بها الكتب والصحف والمجلات وعبر الأجهزة المسموعة والمرئية، فظاهرة التطرف في المجتمعات الإسلامية أصبحت مقلقة، لأنها لم تعد ظاهرة سلوكية فردية، وإنما تجاوزت ذلك إلى سلوكيات العنف الذي يهدد استقرار المجتمع ويسيء لسمعته ويشغله عن قضاياه الرئيسية.
والتطرف لا يُزال إلا بدراسة الأسباب المؤدية إليه، ولا بد من تربية إسلامية صحيحة لتكوين قيم الفضيلة في الشخصية المسلمة، ومقاومة مظاهر الانحراف.
* لكن ما هي أسباب وجود الغلو عند الشباب بصفة خاصة؟
– أسباب وجود الغلو في الشباب كثيرة. ومن هذه الأسباب:
1 – تفرق الأمة الإسلامية، وبعدها عن تعاليم دينها. وهو ما سهل عمل «المتطرفين والتكفيريين»، فقوة الأمة المسلمة كانت ولا تزال في وحدتها كما إن التفرق من شأنه إتاحة الفرصة للأعداء الكثيرين الذين يتربصون بالمسلمين والإسلام لتفريق كلمتهم مما يسهل على الأعداء النيل منهم، بل وفي عقر دارهم من خلال بعض أبنائهم.
2 – قلة الفقه في الدين (أي ضعف العلم الشرعي)، أو أخذ العلم على غير نهج سليم، أو تلقيه عن غير أهلية ولا جدارة.
3 – ظهور نزعات الأهواء والعصبيات والتحزبات.
4 – الابتعاد عن العلماء وجفوتهم وترك التلقي عنهم والاقتداء بهم، والتلقي عن دعاة السوء والفتنة والالتفاف حولهم.
5 – التعالم والغرور، والتعالي على العلماء وعلى الناس، واحتقار الآخرين وآرائهم، في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بداهيات العلم الشرعي والأحكام وقواعد الدين.
6 – التشدد في الدين والتنطع والخروج عن منهج الاعتدال في الدين، وهما من أبرز سمات الخوارج، وأغلب الذين ينزعون إلى الغلو والعنف اليوم تجد فيهم هاتين الخصلتين أعني التشدد في الدين وقلة الفقه.
7 – تحدي الخصوم (في الداخل والخارج) واستفزازهم للغيورين، وللشباب وللدعاة (المكر الكبَّار)، وكيدهم للدين وأهله، وطعنهم في السلف الصالح.
8 – ضعف الحكمة في الدعوة لدى كثير من الغيورين ولا سيما الشباب المتدين. وقوة العاطفة لدى فئات من الشباب بلا علم ولا فقه ولا حكمة.
9 – الخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة: فأغلبها تعتمد في مناهجها على الشحن العاطفي، وتربي أتباعها على مجرد أمور عاطفية وغايات دنيوية: سياسية واقتصادية ونحوها، وتحشو أذهانهم بالأفكار والمفاهيم التي لم تؤصَّل شرعا، والتي تؤدي إلى التصادم مع المخالفين بلا حكمة.
10 – تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام وأشباههم للدعوة بلا علم ولا فقه، فاتخذ بعض الشباب منهم رؤساء جهالا، فأفتوا بغير علم، وحكموا في الأمور بلا فقه، وواجهوا الأحداث الجسام بلا تجربة ولا رأي ولا رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي.
11 – التعصب الأعمى للآراء ولو كان الحق مع المخالف، بل وطرح الأدلة القطعية وعدم الاعتداد بها-وهي أدلة الكتاب والسنة – أو صرف الهمة إلى الفروع وبناء الولاء والبراء عليها فيؤدي إلى ظهور مظاهر غير محمودة.
12 – الاستقلالية في استنباط الأحكام الشرعية دون ضابط محدد ومنهج حق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومستند السلف الصالح.
13 – نقص أو انعدام التربية الحقيقية الإيمانية القائمة على مرتكزات ودعائم قوية من نصوص الوحي، واستبصار المصلحة العامة ودرء المفاسد الطارئة، وقلة إدراك عبر التاريخ ودروس الزمان وسنن الحياة في واقع الناس.
* وكيف نحافظ على أبنائنا من تأثير هذا الفكر؟
– إن المحافظة على شباب الأمة من الانحرافات العقدية أمرٌ ذو بال خاصة في هذه الأيام أيام الفتن والمحن، والتي اختلط فيها الحابل بالنابل، وفسدت فيها بعض المفاهيم، وامتلأت عقولٌ بلوثات فكرية أضرت بالعقيدة والسلوك، وشَطَتْ أفهامٌ بأصحابها عن سواء السبيل فأخلت بالأمن وشقت عصا الطاعة وفرقت الجماعة وحملت على أهلها وبلدها السلاح.
وإن من المؤسف حقاً أن يتولى كبر هذه الأفعال أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يسوغون هذه الأعمال بأفكار مضللةٍ خارجةٍ عن الجماعة ليقع في أتون فتنتهم الشباب الأغرار. وهذا يستدعي دوراً ًكبيراً من المجتمع بشتى طبقاته وفئاته لعلاج هذه الظاهرة ومن أعظم ما يكون حماية للشباب من هذه الانحرافات بعد حماية الله تعالى لهم ما يأتي:
1 – تربية الشباب على المنهج الحق وهو منهج الوسطية والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} (143) سورة البقرة. وقال صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» متفق عليه.
لابد من توجيه الناشئة على اعتناق هذه العقيدة الوسطية والبعد عن الغلو والتطرف.
2 – تحذيرهم من الخروج عن جادة الشرع والتحلل من أحكامه وقيمه.
3 – التحصن بالعلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة وفهم علماء الأمة وانتهاج منهج السلف الصالح في التعامل مع القضايا والمستجدات لأن العلم عاصمٌ من الضلالة وحامٍ من الغواية.
4 – توجيه الشباب للأخذ عن العلماء المعتبرين المعروفين بسلامة المنهج والرأي السليم، والصدور عنهم وتحذيرهم من المتعالمين والمتسرعين في الأمور أو المتجاسرين على الفتيا خاصةً فيما يتعلق بالأمور العامة ومصير الأمة.
5 – تعريفهم أن التلقي والحكم على الأشخاص وتشخيص الأحداث لا يتلقى من المجاهيل أو من الإنترنت مثلاً فهي ليست مصدراً موثوقاً به للتلقي.
6 – تحذير الناشئة من الحماس غير المنضبط، وأن يكون الحكم على الأشياء بعيداً عن العواطف ومجانباً للتشنجات، وأخذ الحقوق ورفع الظلم إنما يكون بالطرق المشروعة.
7 – تقوية جانب التوجيه والتثقيف بالحوار مع الشباب وعلى العلماء والدعاة والآباء كفلٌ كبيرٌ من ذلك فلابد من النزول إلى الساحة بقوة عن طريق المحاضرات والدروس واللقاءات ولا بد أن تتسع صدور العلماء والآباء للحوار الهادف وقبول النقد البناء واستيعاب الآراء واحترامها.
8 – وهو من الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها من قبل الآباء تجاه الأبناء انتقاء الصحبة فالصحبة لها أثر كبير في تكوين فكر النشء والمرء على دين خليله.