خطبة بعنوان (الْقنوات الفضائية وأثرها على المسلمين ـ 2)بتاريخ 12-4-1429هـ

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ](لقمان).
عباد الله: تكلمنا في جمعة ماضية عن القنوات الفضائية، وذكرنا بعضاً من سلبياتها، وأشرنا لبعض أخطارها على الأمة الإسلامية، وفي هذه الخطبة سوف نتكلم عن آثار هذه القنوات على الأفراد، والمجتمعات، والأمم، من ناحية العقيدة، والأخلاق، والسلوك، والعلاقات الأسرية، وإن مما يحتاجه المسلمون هو فهم آثار ذلك التيار الجارف وأخطاره ليتسنى لهم الوقوف في وجهه وصد عدوانه، وهذا يحتاج إلى تكاتف الجميع، والعودة إلى صراط الله المستقيم.
عباد الله: إن من آثار القنوات الفضائية ما يأتي:
أولاً: الأثر العقدي: الناظر إلى القنوات الفضائية وما يعرض فيها من خلال نشر الأمور المخالفة للعقيدة الصحيحة، كبث الشبهات، ومحاربة دين الله عز وجل، ونبي الرحمة والهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وإظهار صورة الغرب الحية، وما فيها من حياة مادية بحتة، تعرض من خلالها صوراً حية من حياتهم، وكيفية أكلهم وشربهم ولباسهم، ومعيشتهم، وسكنهم، ونومهم، واستيقاظهم، لتتعلق القلوب بمحبتهم ومحبة ما هم عليه، فيضعف عامل الولاء والبراء في نفوس المسلمين، وتعرض أيضاً الشذوذ، والعري، والجنس، والاغتصاب، والسرقة، والعنف، فتقوم بغرس تلك المشاهد في قلوب المسلمين وخاصة الشباب والفتيات، فيعود ذلك عليهم بشر عظيم يُرى أثره في واقع الناس
وتَعرِضُ تلك القنواتُ أيضاً أنواع البدع الشركية من السحر والكهانة، وتُعلِّمُ الناسَ كيفية إتيان الكهنة والعرافين، والدجالين، والمشعوذين وسؤالهم، وما يقومون به باستضافة ما يسمي بالمنجمين، بل زاد الأمر بإحضار بعض السحرة المعروفين علي نطاق العالم العربي، مع تيسير اتصال المشاهدين بهم، والتحدث معهم وسؤالهم واستماع إجاباتهم والتعلق بهم من دون الله، وللأسف أن البعض من الناس تنطلي عليه هذه الخرافات لاسيما الذين لم يتعلموا العلم الشرعي ولم يحصنوا أنفسهم بعقيدة صحيحة سليمة ، فيقعون في تصديق هؤلاء السحرة الذين يفسدون العقول ويخربون المعتقدات .
ثانياً: الأثر الأخلاقي: وذلك بإلباس الحق بالباطل: فيجعلون الباطل في أعين الناس حقاً وأمراً مشروعاً، ومن ذلك جعل الفن رسالة وعملاً مشروعاً كعرضهم الرقص والخلاعة والتمثيل والغناء ومشاهد الحب والغرام، وأن الفنان والفنانة، أو الراقصة يستحقون أن نجعلهم من وجهاء المجتمع، وكاستبدالهم اسم الخمر بالمشروبات الروحية، والربا بالعائد الاستثماري، والعري بالموضة والفن، وأصبحت قلة الأدب والانحلال تسمى حرية شخصية، ونشوز المرأة عن طاعة زوجها أيضاً حرية شخصية. وتعمل هذه القنوات أيضاً على غرس الحرام في النفوس، وجعل الناس يحبون فعله، وقد نسوا أو تناسوا قول الله تبارك وتعالى [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ](النور)، وسعوا إلى تقبيح اسم الحلال : فيستبدلون اسم الحشمة والعفاف بالتزمت والتخلف، والغيرة بالعقد النفسية، والحجاب بالكفن، حتى يضعفوا تمسك الناس بها ويظهروا أن المتمسك بها هو الإنسان المنبوذ الذي خالف المجتمع الذي يعيش فيه، وأيضاً يشجعون الناس على النظر إلى الحرام وتسهيل الوقوع فيه واستحلاله، وإضعاف الغيرة في قلوب الرجال.
ثالثاً: تأثيرها على العلاقات الأسرية : لما أصبحت هذه القنوات في بعض البيوت في كل غرفة من غرفه كانت هذه البيوت أشبه ما تكون بالفنادق أو المطاعم المليئة بالشاشات والأكل فقط، فلم يعد هناك وقت للتواصل الأسري بين الأب وأولاده، وأصبح كل فرد في الأسرة في زاوية خاصة به يتابع ويشاهد ما يريد، والكل مشغول بما يعرض عليهم من البرامج التي في غالبها الخبث والمكر ، فلم يعد هناك لقاء أسري ولا توجيه من الأب أو الأم، وأصبح الشاب والفتاة يقلدون ما يرون، ويطبقون ما يسمعون، حتى لو خالف ذلك أمر دينهم وفطرتهم، وعندما يقع المحظور يريد الأب أن يبادر إلى إصلاح ما أفسد ولكن بعد فوات الأوان.
رابعاً: تأثيرها على الشباب في المجتمع المسلم : إن الشباب في عصرنا في كثير من بلاد المسلمين مُهْمَلون مُضَيَّعون مَغْشُوشون مُضَلَّلون، تتخطفهم العقائد الباطلة، وتتجاذبهم التيارات الفاسدة، لا موجّه يوجههم نحو هدف شريف، ولا قائد لهم يقودهم صوب غاية حميدة، ولا راع يعطيهم جهده واهتمامه، وعطفه وحنانه ، وقد أثرت هذه القنوات في بثها لسمومها ليل نهار على تحصيلهم العلمي والدراسي، بسبب السهر أمامها، ومشاهدة كل ما هو معروض فيها من الحرام من أفلام خليعة، وأغانيَ ماجنةٍ، ومناظرَ مقذذةٍ، وتسبب ذلك أيضاً في قتل الغيرة عند الشباب، فتجده يجلس أمام هذه القنوات وبجواره أمه، وأخته، وغيرهما، ويشاهد بعينه المناظر المحرمة ولا ينكر، ولا يتأثر، ولا يتمعر وجهه.
وتلك القنوات أيضاً تُعوِّدُ الشباب على ارتكاب الجرائم الخطيرة، كالخطف، والاغتصاب، والسرقة، والقتل، وتناول المخدرات، والقيام بالمعاكسات، وغير ذلك من الجرائم الأخلاقية الخطيرة، وذلك بعرض أساليب متعددة للسرقة و تعاطي المخدرات والإخلال بالأمن فهذه الفضائيات دأبت على استساغة الجريمة واعتيادها من خلال عرض أفلام الجريمة، المسماة بالأفلام البوليسية، وتكرار هذه المناظر للجريمة على أنظار الناس بمختلف طبقاتهم وأعمارهم وهذا يجعل الجريمة في أنفسهم أمرا اعتياديا، حتى يصبح المجتمع ويمسي وروح الجريمة تدب فيه وتكون بمثابة الأحداث اليومية من حياة الناس.
ومن آثار تلك القنوات أيضاً: الدعوة للتمرد على المجتمع: فتجد الناس يتمردون على الدين والأخلاق، والعادات والتقاليد الحسنة الموروثة عن الآباء والصالحين، مثل الترابط الأسري والاجتماعي وبر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار، والشفقة بالضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، والكرم والشجاعة والأمانة وغير ذلك من الأخلاق الطيبة والسجايا الحسنة، و تدعو هذه الفضائيات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى الأخلاق السيئة كالكذب، والظلم، والكبر، والعجب، والضرب، والخيانة، وتضييع الأمانة وغير ذلك من الأخلاق السيئة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [.. وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](سبأ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، أمــــــا بــعــــد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعداء الملة يريدون لنا الهلاك والدمار، وأن نسير على خطاهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه.
لذا فما ذكرناه عن بعض آثار تلك القنوات يحتاج منا الوقوف أمامها كي نحفظ ديننا وعقيدتنا وأخلاقنا ومجتمعنا وأمتنا، فلا سبيل لنا في الوقوف أمام هذا التيار الجارف إلا بالاستعانة بالله تعالى ثم بالأخذ بالأسباب التي تكون عوناً لنا في صد هذا التيار الجارف المخيف.
عباد الله: وإن من الحلول العملية الهامة لحفظ المجتمع بعون الله ما يلي:
أولاً: عمل لجنة إعلامية ممن لهم ثقل إعلامي في المجتمع، بحيث ينتقون ويكونون دعامة لإرساء قواعد إعلام إسلامي، والقيام على رقابة كل ما يخدش الدين والأخلاق، وحسن اختيار الكوادر الإعلامية مع وضع شروط ضرورية كالتحدث بالعربية الفصحى وانتقاء الضيوف والاتجاهات الفكرية والثقافية التي لا تخالف شريعة الإسلام.
ثانياً: وضع خطة إعلامية عربية إسلامية لمواجهة طوفان المادة الإعلامية الأجنبية، ومحاولة منع ظاهرة البرامج الواقعية التي لا ترتبط بقيم المجتمع وثقافته، مع أهمية تحصين الشباب سياسياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً، وتعميق وعيه بمضامين هذا الغزو وسلبياته.
ثالثاً: ضرورة اللجوء إلى التراث الإسلامي باعتباره مصدراً ثرياً لمواجهة تحديات العصر، وعاملاً مساعداً في توجيه شباب الأمة، وتشجيع القنوات الإسلامية الهادفة، ومحاولة فتح قنوات إسلامية جديدة، مع ضرورة تحميلها بالمواد التي تنهض بالدين الإسلامي وتقوم بنشره بين أفراد الأمة.
رابعاً: إرساء وتثبيت العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس المسلمين، وخاصة الشباب والفتيات والأطفال، والتنبيه على الأخطاء العقدية التي تصدر من تلك القنوات، والعمل على إيقاظ ركن الولاء والبراء في النفوس، وأن للمسلمين سلوكيات، وأخلاقيات وعادات يجب التمسك بها.
خامساً: ترشيد استهلاك القنوات الهادفة كعامل مهم في حفظ كيان الأسرة والمجتمع، وخاصة من فئة الأطفال والشباب، بحيث يتم تحديد وقت معين يستفيدون منه من وسائل الإعلام الهادفة.
سادساً: إيجاد البديل المناسب من القنوات الإسلامية والعربية الهادفة.
سابعاً: إيجاد مشاريع تربوية تتبناها المؤسسات التعليمية التي تهتم بالنشء خارج إطار المدرسة أو مناشط لها علاقة بالمدرسة غير منهجية مما يقلل من فترة البقاء أمام الشاشة وخصوصا في الإجازات.
وأخيراً: يجب علينا التعاون جميعاً من أجل نشر الخير، والوقوف أمام الشر وأهله، والعمل على إعزاز ديننا ورفع شأنه بين المسلمين وغيرهم.
أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا، وأن يجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن. هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال جل في علاه [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب). اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.