خطبة بعنوان (أسباب الخلافات الزوجية) بتاريخ 26-2-1428هـ

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء:1).

عباد الله: لقد أنعم الله علينا بنعمة الزواج، وجعلها آية من آياته العظيمة، [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ](الروم:21)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكرم الرجال وخير الأزواج صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:

عباد الله: الزواج نعمة عظيمة، ومنّة من الله جليلة،ففيه السكن والراحة، والمودة والرحمة، وفيه السعادة والهناء، والراحة والصفاء، وفيه قرة العين بالزوجة والأولاد، وفيه أجرٌ عظيم وثواب جزيل لمن أصلح نيته وأطاع ربه في أهله وذريته، وقد علم الله ضعفنا وحاجتنا فشرعه لنا فله الحمد أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.

عباد الله: إن العلاقة الزوجية إذا بنيت على أساس الإيمان والتقوى والمحبة والرحمة والمودة فلا خوف عليها إطلاقاً ولا خطر، وإن وقع بين الزوجين خلاف فإنه يُفضُّ بالتفاهم بلا تفاقم، وذلك لأن القلب المحب يتحمل الإساءة، ويصبر على صاحبها، ومعلوم أن الحياة الزوجية لا تخلو من خلاف ونكد، ولولا صبر الزوجين وتحملهما بعد توفيق الله تعالى لما عاش زوجان حياتهما معاً.

إن البيت السعيد هو الذي يجد فيه الرجل راحته، وينال فيه سعادته، ويشعر بالأمن والطمأنينة، والسعادة والسكينة، ففيه الزوجة الحنون، التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (في المرأة الصالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)(ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ج9 رقم 4421)، وفيه الذرية الصالحة التي تقرّ لها عينه، وتكون عوناً له على الطاعة، وطريقاً إلى القرار في دار السعادة، وهي الذخر له في الحياة وبعد الممات عندما يقف بين يدي ربه، فيرى حسنات لم يعملها، فيقول: ربِّ من أين لي هذه، فيقال له: باستغفار ولدك لك.

فما أعظم هذه النعمة التي امتن الله بها علينا، ولكن للأسف الشديد ظهر في مجتمعنا مشاكل كثيرة بين الأزواج والزوجات، وساءت المعاشرة بينهم بسبب جهلهم بالدين وأحكامه، وتخليهم عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، فكثرت الخلافات الزوجية، وفقد الأزواج نعمة الله عليهم بالمودة والرحمة، وحلت مكانها العداوة والبغضاء، وعشعشت في البيوت كثير من الأدواء حتى صار البعض من الأزواج والزوجات يتمنى ألا يرى الآخر لكي ينال الراحة والهناء، وما كان ذلك إلا بسبب غياب الوازع الإيماني الذي يضفي السعادة على حياتهما.

عباد الله: الأسرة محضن الأولاد ومنبتهم، فيه السعادة والراحة لهم، وفيه التربية والتوجيه، وفيه الألفة والمحبة، فإذا كان الزوجان على دين وخلق رفرفت السكينة على البيت، وعمت الطمأنينة أركانه، فحسن التعامل بين الوالدين يعود على البيت بكل خير، وهذا لا يتحقق إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص لوجه الله، وحسن التعامل بينهما.

عباد الله: لقد رغب الإسلام في الإبقاء على الحياة الزوجية، ونهى عن كل ما يكدر صفوها أو يعكر عليها، قال تعالى[وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً](النساء:19)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)(رواه مسلم)، وأوضح الرسول صلى الله عليه وسلم ما جبلت عليه النساء من النقص والضعف كي يقوم المسلم الذي يخاف الله تعالى بأداء حق زوجته عليه وعدم بخسها إياه، فقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء)(متفق عليه)، وقد أوصى بهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آخر حياته بقوله: (الصلاة، وما ملكت أيمانكم)(رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع2/901 رقم2698).

عباد الله: كم سمعنا عن المشاكل التي تحدث بين الزوج وزوجته بسبب سوء خلقه، ومعاملته القاسية، وقد يجرحها، وقد يضربها، وقد يؤذيها في أهلها، وهنا يفرح الشيطان فيتدخل للإفساد بينهما، ويتسبب في الطلاق الذي يبغضه الله تعالى، فلماذا تحدث هذه الخلافات؟ ولماذا يحدث الطلاق؟ تعالوا بنا ننظر في أحوالنا التي نعيشها فعسى أن نقف على بعض السلبيات في بيوتنا فنعالجها ونصل إلى حلٍ لها:

فمن أخطاء الزوج مع زوجته:
(1) قلة الحرص منه على التوفيق بين الزوجة والوالدين.
(2) شكه في زوجته وإساءة الظن بها، بل ربما اتهمها في عرضها، أو اتهمها أنها تسرق من ماله.
(3) الاستهانة بزوجته، فلا يعتد بكلامها، ولا يستشيرها في أي أمر من الأمور، بل ويحتقرها بين أبنائها، وقد يقوم بذم أهلها والإساءة إليهم لأدنى خلاف معها.
(4) أكل مال زوجته بالباطل، فربما تكون زوجته معلمة، أو تكون قد ورثت مالاً فيهددها بالطلاق إن لم تعطه.
(5) عدم الحرص على تعليم زوجته أمر دينها، بل ربما يأتي لها من الملهيات بما يشغلها عن طاعة ربها ويحسب أنه يحسن صنعاً.
(6) التقتير على زوجته والتقصير في الإنفاق عليها مع شدة حاجتها وقدرة الزوج ويساره.
(7) كثرة اللوم والانتقاد لها فلا تكاد تخلو جلسة بينهما من ذلك.
(8) كثرة الخصومة مع زوجته، فعلى أتفه الأسباب تجده يخاصمها ويقاطعها أياماً.
(9) إذا هجر زوجته لسبب شرعي طالت المقاطعة عن الحد المشروع فيزداد الشقاق بينهما
(10) كثرة الجلوس مع أصدقائه، وبعض الرجال يطول وقته في عمله فيرجع لبيته تعباً مهدود القوى فيتسبب ذلك في إهمال زوجته وأولاده.
(11) إساءة العشرة مع زوجته فلا يراعي مشاعرها، ولا يبالي في إيذائها.
(12) ضرب الزوجة وكأنه يضرب حيواناً، فيسومها سوء العذاب عند أتفه الأسباب.
(13) الحيف في معاملته لزوجاته إذا كان متزوجاً بأكثر من امرأة، فلا يلزم العدل، ولا يقوم بما أمره الله به
(14) الاستعجال في شأن الطلاق، فيلقي كلمات الطلاق جزافاً كأنها كلمات سهلة ميسورة.
هذا بعض ما يقع من الزوج لزوجته.
وأما أخطاء الزوجة مع زوجها فمنها:
(1) عدم مراعاتها لوالديّ زوجها، فمن إكرام الزوج إكرام والديه.
(2) تبذلها، وقلة تجملها لزوجها، فلا تراعي حقه في التمتع بمظهرها ولباسها.
(3) كثيرة التسخط، قليلة الحمد والشكر، فاقدة لخلق القناعة،غير راضية بما آتاها الله من خير.
(4) تمنّ على زوجها في خدمته والقيام على رعايته،وأيضاً المنَّ عليه بمالها إن أعطته منه شيئاً كثيراً كان أو قليلاً
(5) عدم مراعاة مكانة الزوج ووضعه الاجتماعي، مثل كون الزوج مهتماً بشؤون الناس، قاضياً لحوائجهم، أو كان ممن يطلب العلم، ويحب القراءة والكتابة فتتضجر لذلك.
(6) المسارعة بإخبار الآخرين بمشاكل البيت حتى ولو كانت صغيرة.
(7) إرهاق زوجها بكثرة الطلبات دون مراعاة لأوضاعه المادية.
(8) تتمرد على الزوج إذا علمت أنه يحبها، فلا تلبي له طلباً إلا إذا نفذ مطالبها.
(9) تمتنع عن فراش زوجها إذا دعاها للفراش بحجة أنها مرهقة، أو مشغولة بشيء آخر.
(10) تقصر في حقوق زوجها، فلا تقوم بخدمته، ولا قضاء حاجاته، ولا رعاية بيته.
(11) تخرج من البيت بدون إذن زوجها، بل ربما أرادت ذلك لتشعره بقوة شخصيتها.
(12) تغارُ على زوجها غيرة شديدة، فتكثر به الظنون والشكوك فتحيل حياتهما إلى نكد وشقاء.
(13) تسيء التصرف إذا علمت أن زوجها تزوج عليها، فتتصرف بحمق وسفه، فتوقع نفسها في المشاكل مع زوجها بدون وجه حق.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً](النساء:34،35).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي امتن علينا بالزواج, ويسر لنا الذرية والأولاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن البيت هو منبع السعادة والراحة والهناء، فلماذا هذه المشاكل التي تحدث بسبب الزوجين، وهل لها أسباب؟ نعم، لو نظرنا لأحوالنا مع ربنا لوجدنا أنفسنا مفرطين في حقه، مقبلين على معصيته، مقصرين في حق أزواجنا وبناتنا، وصدق الله العظيم:[وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] (الشورى:30)،فلماذا لا نراجع أوضاعنا ونصحهها، ونلزم الطريق المستقيم الذي دلنا على كل خير،ونهانا عن كل شر

عباد الله: لو علم كل من الزوجين حق الآخر عليه، وعمل ما في وسعه لإرضائه ابتغاء وجه الله لنالا سعادة الدنيا والآخرة، ومن هذه الحقوق التي يجب معرفتها:
حق الزوج على زوجته، فقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة)، والمرأة الصالحة هي التي تراعي حق الله تعالى في المقام الأول ثم حق زوجها، ومن صفاتها أن تلازم بيتها، ولا تكثر الخروج من دون حاجة ضرورية كصلة الأرحام، وعيادة المريض، وأن يكون همها صلاح شأنها، وتدبير بيتها، وتربية أولادها، وهناءة أسرتها، قانعة بما قسمه الله تعالى لها من الرزق، وعليها أن تقدم حق زوجها على حق نفسها وأقاربها، وأن تكون مستعدة له في كل وقت للتمتع بها متى شاء، إلا في أيام حيضها ونفاسها، ولا يجوز لها أن تمنعه من تمتعه بها، وأن تكون عوناً له على طاعة الله، وأن تلتزم بأوامر ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك الخير كله.

عباد الله: وأما حق الزوجة على زوجها: فبإحسان المعاملة لها، وأن يحتمل الأذى منها، ويحلم عليها، ويرفق بها، وأن يلاعبها ويداعبها ويمازحها، وأن يكون غيوراً عليها، وأن ينفق عليها بالمعروف، وأن يعدل بينها وبين زوجاته، وأن يؤدبها إذا نشزت وأفسدت لحملها على الطاعة والاستقامة ولكن بتدرج كما أمر الشارع الحكيم، وأن يحرص على إحصانها وإعفافها، وأن لا يهينها بسبٍ أو تحقيرٍ أو تقبيحٍ، وأن يبالغ في إكرامها، وأن يعلمها أمر دينها، فما صلحت امرأة إلا بصلاح قلبها، وما صلح قلبها إلا بامتلائه بالإيمان الصادق.

عباد الله: وإذا حصلت المشاكل بين الزوجين فلابد من التسامح، وأن يغفر كل واحد منهما إساءة الآخر له، وأن يتذكر حسناته ومميزاته، ويجب أن تكون المناقشة بينهما دون الأولاد حتى لا يتأثروا بذلك، وينبغي عليهما ألا يسمحا بتدخل أحد بينهما مهماً كانت المبررات، لأن هذا بداية تزلزل الأسرة وانهيارها، فإذا تمسك كل واحد منهما برأيه فلابد من عرض الأمر على غيرهم ممن يتوسم فيهم الخير والصلاح من باب النصح والمشورة لا من باب الشكوى، وليحرص كل منهما على المعاشرة بالمعروف، وليعلما أن الدنيا دار ممر لا قرار فيها، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.

فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على بيوتكم من مسببات المشاكل، وعالجوا أموركم بحكمة، وعمِّروا بيوتكم بطاعة الله، وكثرة ذكره وشكره، وربُّوا أولادكم على الخير والبرِّ، وكونوا عوناً لهم على طاعة الله تعالى، أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في زوجاتنا وذرياتنا، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب) الجمعة: 26-2-1428هـ