خطبة بعنوان (استغلال الإجازة الصيفية) .

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله قيوم الأرض والسماوات، أمر عباده بحفظ الأوقات واغتنامها بالصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله المطلع على النيات والعليم بالخفيات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله السابق بالخيرات صلى الله عليه وآله وصحبه.. أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله الذي جعل الدنيا ميداناً للعمل، وحذر فيها من الاغترار بطول الأمل، وجعل الخسارة فيها لأهل الإعراض والكسل، فكونوا من أهل سورة العصر الذين يربحون ولا يخسرون، قال الله جل وعلا:[وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ].

فأهل الربح أربعة؛ أهل الإيمان، وأهل العمل الصالح، وأهل التواصي بالحق، وأهل التواصي بالصبر، ومن عدا هؤلاء فهو خاسر، وهذا ما أقسم الله عليه في هذه السورة.

عباد الله: ونحن على أعتاب الإجازة الصيفية نوصي أحبابنا الشباب طلاب وطالبات وكذا أولياء أمورهم ببعض الوصايا فنقول:

أولاً: احرصوا على قراءة القرآن وحفظه قدر الاستطاعة، فالعمر يمضي، والأيام لا تقف، وعلى قدر استغلال الأيام بالطاعة بقدر ما تكون النتيجة، وكل بني آدم مسئولون عن أعمارهم، وعن شبابهم، وعن أوقاتهم، فلنعد للسؤال جوابا، وليكن الجواب صوابا.
وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).

ثانياً: احرصوا على قراءة الكتب، والتنقل بين فوائدها، وصيد شواردها، ففيها زاد عظيم ينفع في استغلال المجالس واللقاءات لينعم من يجالسك بالفوائد والشوارد ودقائق المسائل، ومعلوم لديكم أن خير جليس في الزمان كتاب.

ثالثاً: سماع الأشرطة النافعة، ولاسيما وأنت تنتقل في سيارتك مسافراً أو في البلد لكي تستغل وقتك بما ينفع، وكم من فائدة في شريط قد لا تحصل عليها لو جلست تقرأ وقتاً طويلاً، ثم إنك بالسماع تريح البصر وتخفف عنه، وهنا تجمع فوائد كثيرة.

رابعاً: ليكن من مشاريعك في الإجازة حفظ الأذكار فهي لا تحتاج منك إلى جهد كبير ووقت طويل، لكن بشيء من التركيز والمتابعة فهناك أذكار المساء والصباح، وأذكار أدبار الصلوات، وأذكار النوم والاستيقاظ منه، كلها تتكرر معك يومياً، فاحرص بارك الله فيك على حفظها لتكون معك إلى أن تموت.

خامساً: احرص على التواصل مع جيرانك ولو مرة أو مرتين في الإجازة، فالكثير من الناس قد ينشغل أثناء العام في عمل رتيب ولا يجلس مع جيرانه جلسة مناسبة، ولعل في الإجازة فسحة من الوقت فيكون معهم لقاء في البيت، أو في رحلة، أو عمرة، أو غيرها لمناقشة أحوال الأولاد وأهل الحي.

سادساً: يحسن في الإجازة أن يسافر الشخص بأهله ليجدد النشاط، ويكسر الرتابة المعتادة خلال العام، وإذا كان السفر إلى مكة والمدينة ومصايف المملكة فهذا أفضل وأكمل ليجمع بين النزهة والعبادة والسلامة من المحاذير الشرعية.

سابعاً: حضور المحاضرات والدروس العلمية والحرص على الدورات الشرعية، والاستفادة من المشاريع التي تقام في الصيف إذ قد يتحقق له بمتابعتها التدرج في العلم ويتمكن خلال زمن يسير.

ثامناً: زيارة المرضى في المستشفيات والبيوت وتكرار ذلك، وفي ذلك من الفوائد الكثير في ترقيق القلب، والخوف من الله، ومعرفة قدر نعمة الصحة والعافية، وشكر المنعم سبحانه، والدعاء لإخوانه ومواساتهم، وحثهم على الصبر وكسب الأجر.

تاسعاً: التعاون مع الجهات الخيرية التي تعمل لصالح البلاد والعباد، فلو خصص المسلم شيئاً من وقته للمساهمة في تعليم الجاليات، وإيصال المساعدات للمحتاجين، وكذا المساعدة في برامج الدعوة وغيرها.

عاشراً: الفراغ نعمة ولابد من ملئه بما ينفع، وإلا عاد نقمة على صاحبه، قال “:=نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ+، وقد أمر الله باستغلاله بما ينفع:[فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب]، وقال تعالى:[واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار]، وقال تعالى: [واعبد ربك حتى يأتيك اليقين]. فأكثروا يا عباد الله من الذكر والاستغفار والعمل الصالح لعل الله أن يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أمر عباده باستغلال الأوقات وحذرهم من ضياعها فيما لا فائدة منه، وأشهد أن لا إله إلا الله فضل بعض البشر على بعض حسب تفاضل أعمالهم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي عبد الله وعمَّر وقته بالطاعة، وعبد ربه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتعاونوا في حفظ أوقاتكم وعمارتها فيما ينفع لتفوزوا يوم العرض على الله.

أيها المؤمنون: ولكي يتحقق لنا استغلال الإجازة بما يعود علينا بالنفع والخير في العاجل والآجل أقف معكم بعض الوقفات فأقول:

الوقفة الأولى: مع أولياء الأمور من الآباء والأمهات فأقول لهم اتقوا الله فيمن ولاكم أمرهم، واحرصوا على تربيتهم والعناية بهم ودلالتهم على الخير، ورسم الخطط المناسبة لهم في الإجازة لئلا تضيع عليهم دون فائدة، فأنتم مسئولون عنهم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، فكل أب أهمل أولاده وانشغل عنهم كيف يرجى منهم الاستقامة والصلاح، وكذا كل أم خرَّاجةٌ ولاَّجةٌ كيف يرجى من بناتها أن يكن مقيدات البيوت قارَّات فيها.
إن كل أب ترك الحبل على الغارب، وكل أم أهملت بناتها فستكون الثمرة حسب هذا الإهمال، فالله الله يا أولياء الأمور، احفظوا أولادكم من كل ما يؤثر على عقولهم وأخلاقهم من فضائيات وقرناء سوء، وأشغلوهم بما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم.
انظروا رحمكم الله كيف يستثقل كثير من الناس الوقت الذي يملأ بالفائدة ويستخفون الوقت الذي يضيع دون فائدة.

الوقفة الثانية: مع أهل العلم والدعوة أقول لهؤلاء ضاعفوا العمل، وأكثروا من التطواف لعل الله أن ينفع بكم، فالعمر قصير، والأجل قريب، اطرقوا كل باب للخير، وساهموا في إيصال النفع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، علموا الجاهل، وأرشدوا التائه، ودلوا الحائر، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، انشروا الكلمة الطيبة، ووجهوا الناس برفق ولين، واحرصوا على الإقتداء بسنة رسولكم “.

الوقفة الثالثة: أقول لأئمة المساجد ضاعفوا من جهودكم واستغلوا الإجازة بما ينفع جماعة مسجدكم، وقوموا بالتنسيق مع مكاتب الدعوة لإلقاء الكلمات، واستضافة أهل العلم، فالنفوس مهيئة، والأذهان حاضرة، والاستجابة أقرب في مثل هذه الأيام.

الوقفة الرابعة: أقول لكل مسلم تذكر آخر الإجازة حينما يرجع الناس لأعمالهم ومدارسهم مدى الربح والخسارة التي ستحصل لكل شخص حسب ما قدم فيها، فاجتهد ما دمت في أول الطريق، ونافس وسابق، فالهمة موجودة، والعزيمة متوثبة، والسلاح دعاء وصبر، والسعيد من وفق للصالحات.