خطبة بعنوان (توجيهات حول الزواج) 22-7-1429هـ.
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً..](الرعد)، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل في سنته(إني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)(متفق عليه)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى هي سبيل النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وهي من أقوى عوامل سعادة البيوت والأسر [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](آل عمران).
عباد الله: لقد ذكر المولى جل جلاله في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته عن نعمة تعتبر من أعظم النعم التي يعيشها الناس، ولا يشعر بأهميتها ولا قيمتها إلا من عاش في كنفها وتلذذ بحلاوتها، كيف لا وهي آية من آيات الله تعالى في خلقه، وهي سنة الأنبياء والمرسلين، وهي سبيل المتقين إلى حفظ النفس والعرض من الدنس والوقوع في ما حرم الله تعالى، إنها نعمة الزواج التي امتن الله بها على المسلمين، قال تعالى[وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ](الروم)، وقال أيضاً[وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً..](النحل).
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها في أحاديث كثيرة من ذلك قوله (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(متفق عليه).
عباد الله: إن للزواج حكماً عظيمة وفوائد كثيرة، من ذلك حفظ النوع الإنساني من الزوال، وبه يسلم المجتمع من الإنحلال الأخلاقي وانتشار الفواحش والمنكرات، وبه يتعاون الزوجان على حياة كريمة، ويعملان على تكوين الأسرة، وتربية الأولاد، والقيام بالتكاليف الشرعية تجاه بناء بيت سليم ينتفع به المجتمع في إخراج نشء صالح وذرية طيبة. وبهذا يتبين لنا أهمية الزواج،وضرورته للنفس الإنسانية، وأثره في حياة الناس والمجتمعات.
فمن ترك الزواج فقد هجر سنَّة عظيمة من السنن الربانية، وأوقع نفسه في طريق خطر، فالمجتمعات الغربية التي قلَّ فيها الزواج وكثر فيها الاختلاط والإباحية عاد ذلك عليهم بالوبال والخسران، فقد خرجت أجيال تزهد في بناء الأسر وتسعى وراء الشهوات والملذات التي أوصلتهم إلى حافة الهاوية والدمار.
ومما يؤسف له أن بعضاً من المسلمين قد فرَّط في هذه النعمة وانصرف عنها لأسباب ربما تكون مقنعة أو غير مقنعة، وربما يكون الشخص محقاً فيها أو غير محق، ولكن على المسلم والمسلمة أن يفكرا بجدية وعقل في سلبيات هجر الزواج، وسلوك طريق الرهبانية.
عباد الله: ينبغي لنا أن نحث أبناءنا وبناتنا على الزواج، ونسعى سعياً حثيثاً من أجل مساعدتهم وإعفافهم، فكم نسمع من القصص المبكيات بسبب كثرة العوانس في البيوت، وعزوف الكثير من الشباب عنه بسبب غلاء المهور، وكثرة الطلبات من أولياء النساء. فهل يعي المجتمع هذا الأمر ويساهم الجميع في التعجيل بزواج من يحتاج إليه ويدركوا التوجيهات القرآنية والنبوية في الحث على الزواج وهي كثيرة جداً، ومن ذلك قول الله تعالى [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] (النور)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(رواه الترمذي، وحسنه الألباني في جامع الترمذي)
وهذه التوجيهات تحتاج إلى قلوب مؤمنة وعقول واعية، كما أنها تحتاج إلى التكاتف والتعاون والنظر في مصلحة أبناءنا وبناتنا وخاصة مع كثرة الفتن والشهوات التي تصدهم وتصرفهم عن الزواج الشرعي الصحيح.
فلنتعاون جميعاً من أجل تيسير أمور الزواج، والعمل على بناء بيوت كريمة مبنية على الصلاح والتقوى، وحسن الأخلاق.
ومن الأسباب المعينة على تيسير أمور الزواج ما يلي:
أولاً: إخلاص النية لله تعالى من جهة الشاب والفتاة، وذلك بطلب إعفاف النفس بالزواج ابتغاء وجه الله تعالى واحتساباً للأجر المترتب عليه.
ثانياً: العمل على تقليل المهور وتيسيرها، وعدم المبالغة في طلبها، بل ينظر في حال الشاب إن كان مستطيعاً أم لا، ويكون النظر الأهم في ذلك إلى حسن دينه وأخلاقه.
ثالثاً: وضع قروض خاصة للمقبلين على الزواج، وجعلها ميسرة السداد بشرط جدية الشاب وحرصه.
رابعاً: وضع صالات خاصة خيرية لمناسبات الزواج، ويمكن أن تؤجر بمبالغ رمزية تغطي خدماتها، وتشجيع الزواج الجماعي ولو من الأسرة الواحدة.
خامساً: العمل على سرعة توظيف الشباب وحثهم على طلب الرزق ولو بالعمل في التجارة، أو أي مشروع يناسبه، وبلادنا ــ ولله الحمد والمنة ــ تساهم في فتح أبواب العمل لكثير من الشباب ولكن البعض منهم ـ هداهم الله ـ لا يريدون سوى وظيفة معينة ربما لا يستطيعون تحصيلها والوصول إليها.
سادساً: حث أصحاب الأموال والموسرين على الصرف من الزكاة للراغبين في الزواج من المحتاجين الذين لا يستطيعون كلفته.
سابعاً: إيجاد أوقاف خيرية ثابتة يصرف ريعها على مساعدة المتزوجين.
ثامناً: قيام لجان شرعية يقوم عليها نخبة من أهل العلم والشورى وذوي الخبرة والموسرين من أجل التقريب بين الراغبين في الزواج، وفتح باب التعاون معهم في تلبية رغباتهم.
تاسعاً: عدم المبالغة في نوع السكن، والأثاث، وسائر المستلزمات الأخرى، فلأن يبدأ الإنسان المسلم حياته في بساطة وتواضع خير له من أن يبدأ حياته وقد أثقلت كاهله الديون والأقساط فينفره ذلك من الزواج أو الاستمرار فيه.
عاشراً: العمل في تنشئة الأجيال على تحمل المسؤولية من أجل بناء بيت الزوجية وتحمل مسؤوليات البيت والأسرة.
الحادي عشر: العمل على تفعيل دور مشاريع الإسكان الخيري ولو كان دون تملك، فيمكن للشاب أن يستأجر سكناً في هذه المشاريع بمبلغ بسيط خاصة في وقت قد غلت فيه أسعار الإيجارات إلى مبالغ عالية جداً ويكون ذلك دافعاً له في المسارعة بالزواج.
عباد الله: هذه بعض وسائل تيسير الزواج، أسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يعم الخير في المجتمع والأمة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن سعادة المجتمع وحفظ أخلاقه وأمنه بالمبادرة إلى تزويج الأبناء والبنات.
عباد الله: وإذا تيسر أمر الزواج لمن أراده فينبغي أن ينتبه لما يحصل من مخالفات شرعية خلال فترة العقد وأثناء حفلات الزفاف، ومن ذلك:
أولاً: أن يقوم الشاب إذا عزم على الزواج برؤية الفتاة ليبدأ هذا الزواج بالقبول ويكون عن رضا وقناعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأة (فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)(رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي).
ثانياً:عدم الإسراف في إقامة ولائم العرس، لقول الله تعالى[وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] (الأعراف).
ثالثاً: تكلف الكثير من النساء بشراء فساتين لهذه المناسبات بالمبالغ الطائلة والتي لا عائد منها سوى حضور ساعات قليلة للمشاركة في هذه المناسبة، فلماذا لا يقتصر النساء على ما هو موجود وجديد، وربما لم يستعمل إلا مرة واحدة فقط.
رابعاً: التساهل في دخول بعض الرجال على النساء وهم في كامل زينتهن، وهذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة لا يعلم بضررها إلا الله تعالى، وينبغي على أولياء الزوج والزوجة التعاون في عدم وجود الاختلاط، وسد هذا الباب بالتنبيه على الجميع وخاصة من جهة أقارب الزوج وأصدقائه. وهل يعقل أن يسمح رجل في أول ليلة من حياته الزوجية أن يطلع الرجال الأجانب على زوجته، ويرون ما هي عليه من الزينة والحسن.
خامساً: بعض الأولاد في سن التمييز أو فوقه يدخلون على النساء، وهذا منكر واضح وصريح ينبغي الانتباه له، وخاصة مع وجود كاميرات التصوير التي يحملها بعضهم.
سادساً: منع كاميرات التصوير التي سببت فساداً كثيراً، وكيف لا، وقد تطورت وسائل الاتصالات الحديثة في إمكانية إرسال الصورة في لحظة واحدة إلى أي جهة في العالم، فهل يرضى المؤمنون بتلك التصرفات، وهل ينتبه العاقلون لتلك المفاسد والشرور لاسيما وقد ترتب على ذلك هدم بيوت وتفرق أسر.
سابعاً: ومما يحصل في بعض المناسبات استعمال بعض آلات العزف المحرمة وهذا لا يجوز، بل هو محرم، وكيف يليق بالمسلمين أن يقعوا فيما حرم الله في تلك الليلة التي ينتظر منها أن تكون بداية بيت مسلم.
ثامناً: استئجار بعض من يضربن بالدف بأجور كثيرة ومبالغ فيها، والدف ليس بمنكر، إنما المنكر هو الغناء الهابط المثير للشهوة، الموجب للفتنة، وهذا ينبغي الانتباه له، وخاصة إذا كانت أصوات النساء عالية، مع وجود آلات العزف المحرمة.
تاسعاً: طول فترة السهر في تلك الليلة لغالب الحاضرين وخاصة من النساء، وهذا مكروه من جهة الشرع، حيث يؤثر ذلك على تفريط الكثير من الحاضرين في حضور صلاة الفجر وضياعها، وهذا منكر عظيم يجب الانتباه له والحذر منه، فبدلاً من أن نشكر نعمة الله علينا بتيسر هذا الزواج يكون هذا الزواج سبباً في معصية الله تعالى والتفريط في حقه علينا.
عباد الله: إن سعادة البيت لا يمكن أن تقوم على تلك التصرفات الخاطئة التي يفعلها البعض، إنما تكون السعادة بأن تكون أمورنا وأحوالنا ومناسباتنا موجهة فيما يرضي الله تعالى، وهذا مما يزيد الزوجين ترابطاً ومحبة ومودة، ويؤدي إلى إيجاد السكينة والرحمة بينهما. أسأل الله تعالى أن يمن على شبابنا وبناتنا بالعفاف والستر، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب)
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 22-7-1429هـ