خطبة بعنوان (توجيهات هامة مع بداية الدراسة) بتاريخ 10-10-1429
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى سبيل النجاة، وهي خير زاد ليوم المعاد، قال تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}(البقرة).
عباد الله: لقد انقضت إجازة تُعدّ من أطول الإجازات للطلاب والطالبات، طُويت فيها صحائف، ورحل فيها عن الدنيا من رحل، وولد فيها من ولد، وأطلّ على الدنيا خلالها جيل جديد، سعد فيها من سعد، وتعس فيها من تعس، {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(فاطر:11).
فسبحان الله العظيم؛ أيام وشهور، وأعوام وسنون، وليل ونهار، يتعاقبون فينا ليقودونا إلى الآجال، وإلى النهاية المحتمة التي لا تُخطيء أحداً، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}(الأعراف). كم مات في هذه الإجازة ممن نعرف ومما لا نعرف؟ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }[الزمر:42].
فهنيئاً لمن مات على التوحيد وكانت خاتمته حسنة، فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة)(أخرجه أحمد)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبد خيرا عَسَلَه، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا قبل موته، ثم يقبضه عليه)(أخرجه أحمد, وصححه الألباني]. وهذه الخاتمة الحسنة ـ نسأل الله لنا ولكم حُسن الختام ـ نتيجة الطاعة والاستمرار عليها، والله سبحانه أمرنا أن نستمر على الطاعة؛ حتى نموت عليها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102) قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه) انتهى كلامه رحمه الله.
والمشكلة ـ يا إخواني ـ ليست في الموت، لأنّ الموت نهاية كل حي، ولكن المشكلة فيما بعد الموت، من الحساب والعذاب: يحاسب الإنسان ويُسأل عن كل شيء، يُسأل عن صلاته: ضيعها أم حفظها، يُسأل عن ماله: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، يُسأل عن الأمانات التي عنده؛ الأولاد والبنات: كيف ربّيتهم؟ هل بذلت الأسباب لصلاحهم؟ أم هيأت لهم أسباب الانحراف؟! من الفضائيات وما فيها من المصائب والبليات التي تُقسّي القلب، والإنترنت وما فيه من المواقع المحرّمة والصور الفاضحة، والمجلات السخيفة التي تحمل صور نساء كاسيات عاريات، ومن هنا ينحرف الأولاد والبنات؛ فيأتون يوم القيامة ويتعلقون بك، يقولون: أنت السبب في فسادنا وانحرافنا!! وعندها تفرّ منهم وتهرب، ولكن: أين المفر؟! فيا إخواني، حاسبوا أنفسكم، واعتبروا بما مضى من الليالي والأيام، واسألوا أنفسكم: ماذا قدّمنا لغدٍ؟
عباد الله: كم نسمع من يقول: مضت الإجازة بسرعة! بالأمس بدأت، والآن انتهت! نعم، وهكذا ما بقي من عمرك ـ أيها الإنسان ـ سيمضي سريعاً كالذي مضى قبله، فماذا أعددت لآخرتك؟ وبماذا ستلقى ربك؟ هل أنت مستعد للقاء الله، تخيل نفسك لو أنك أنت ذلك الميت؛ ماذا ستقول لربك إذا وقفت بين يديه وسألك: عبدي ألم أخلقك لعبادتي، وأسبغ عليك نعمتي، فأين حقُّ هذه النعم من الشكر.
وليسأل هؤلاء الشباب أنفسهم الذين قضوا وقتهم في تلك الإجازة ماذا استفدتم منها، هل زدتم فيها طاعة، هل حفظتم من القرآن ما تيسر، هل تعلمتم شيئاً جديداً في حياتكم تنفعون به أنفسكم وأمتكم، هل بذلتم الأسباب من أجل تحسين مستواكم الديني والدنيوي، هل حرصتم على أداء الصلوات في وقتها أم قصرتم، هل اقتديتم بسلفكم الصالح في قيام الليل وصيام النهار، هل وصلتم أرحامكم وأحسنتم إلى جيرانكم؟!! فعلينا جميعاً في بداية هذا العام الدراسي أن نعتبر بمضي الأعوام والمواسم، ففي سرعة الزمن عبرة للمعتبر؛ إذ هو منبه لقصر الأعمار، وقرب الآجال.
عباد الله: مع بداية العام الدراسي الجديد والذي سيبدأ إن شاء الله غداً أوجه سؤالاً لأبناءنا .. هل نيل الشهادة هي هدفكم من الدراسة؟ هل هدفكم من التعليم أن تتخرّجوا وتعملوا فقط؟ بعض الناس يربي أبناءه على ذلك، أليس الأب يقول لولده: ذاكر يا ولدي حتى تكبر وتصير كذا وكذا، ويتخير له من الوظائف ما يتمنى.
هل أحد منا يقول لولده: ذاكر يا ولدي واجتهد حتى تخدم دينك وبلدك وأمتك، وحتى تصير مسلماً قوياً تعتز بك أمتك؟.
لابد يا عباد الله أن يكون مع التعليم تربية، نعم؛ نعلم أبناءنا سائر العلوم الدنيوية، ولكن لا ننسى أن يكون مع التعليم تربية على الأخلاق الفاضلة، نربيهم على حب هذا الدين والبذل له، ابنك عندما يرى حاجة الأمة إلى طبيب مسلم يحرص على خدمة المرضى، وحفظ الأعراض يتوجه قلبه وجوارحه إلى الاجتهاد وبذل الأسباب التي تمكنه من الوصول إلى ما يتمنى.
اجعله يشعر بشعور المسلمين، ويحزن لحزنهم، ويفرح لسرورهم، ويحاول أن يعمل شيئاً لمساعدتهم، حتى يشبّ ويكبر ومعه هذا الهمّ.
وهذا الكلام ليس موجهاً للآباء فقط بل حتى للمعلمين.
فالهدف من التعليم: أن نربي جيلاً يفخر بدينه وبلاده ومقدساته، وينافح ويدافع عنها، وينشر ما تعلم في العالمين، إن كان طبيباً في عيادته، أو مهندساً في مصنعه، أو معلما في مدرسته..لا أن نربي جيلاً مهزوز العقيدة، لا قيم لديه، ولا هدف!
وهذا البذل للدين والعيش من أجله ليس مطلوباً من أبنائنا فقط؛ بل حتى منا، ينبغي أن نكون لهم قدوة في ذلك. فيحاول كل واحد منا أن يخدم الإسلام بما يستطيع، كل على حسب جهده وطاقته وفي مجال تخصصه.
فدين الإسلام فرض على الأمة التي تعتنقه أن تكون أمة علم وعمل، فبالعلم النافع والعمل الصالح تبني الأمم أمجادها، وتبلغ غاياتها، وتشيد حضاراتها، وترهب أعداءها، وقد أخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: أن الله إذا أراد بالعبد خيراً وفقه للفقه في الدين، وقد أخرج البخاري و مسلم عن معاوية رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خير يفقهه في الدين} ودل والحديث يدل بمفهومه على أن من أعرض عن العلوم النافعة فإن الله لم يرد به خيراًً؛ لحرمانه الأسباب التي تنال بها الخيرات وتكتسب بها السعادة.
فالإسلام يريد الطبيب المسلم العفيف الذي يكون أميناً على أرواح الناس وأعراضهم، ويريد التاجر المخلص الذي يثق به الناس وببضاعته، كما أنه يحتاج للعالم في الشرع البصير بدين الناس ودنياهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(الأنفال).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن سعادتكم بأداء ما يرضيه والبعد عما يسخطه ففي ذلك الخير والرشاد.
عباد الله: هناك بعض التوجيهات الهامة لأبنائنا الطلاب والطالبات ولإخواننا وأخواتنا المعلمين والمعلمات بمناسبة بداية الدراسة، وهي كما يلي:
أولاً: نأمل من الجميع معلمين ومعلمات وإداريين وإداريات الحرص على خدمة دينهم ووطنهم بإخلاص النية والعمل لله، وليس من أجل ثناء الناس، أو من أجل الراتب، ومع الإخلاص والصدق يتحقق الثناء ويحصل الراتب.
ثانياً: نأمل من المعلمين والمعلمات الرفق بالطلاب والطالبات، وحسن التعاون معهم فيما يعود عليهم بالنفع والخير، قال صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)(رواه مسلم).
ثالثاً: نأمل من المعلمين والمعلمات الاجتهاد في تحضير المادة العلمية لإيصالها إلى الطلاب بيسر وسهولة، مع تكرار الشرح لمن لم يفهم، وعدم التوسع في شرح المادة إلا إذا كانت المصلحة في ذلك.
رابعاً: نأمل أن يحرص الإخوة من المعلمين والمعلمات على الالتزام بالسمت الطيب والخلق الحسن، فالقدوة لها أثرها في نفوس الطلاب والطالبات.
خامساً: لابد من التعاون بين إدارة المدرسة والمعلمين والمعلمات وأولياء الأمور للوصول لأعلى درجات الاستفادة ونفع الطلاب.
سادساً: أوصي أحبابي الطلاب والطالبات بحسن التعامل والتأدب مع المعلمين والمعلمات، واحترامهم، وطاعتهم في الخير، مع حسن الاستماع وعدم التشويش عليهم، فبعض الطلاب ــ هداهم الله ــ يؤثِّرون سلباً على زملائهم بكثرة التشويش على المعلمين، وكثرة الضحك والسخرية، ورفع الصوت، والقيام بحركات غير لائقة بمكانة المعلم.
سابعاً: على الطلاب والطالبات التنافس الحميد في التفوق والتقدم، ففي ذلك الخير للجميع، فما دام أن المسلم يتعلم من أجل خدمة دينه وبلده وأمته فليبشر بالخير، ولا يستصعب بعض الطلاب بعض المناهج الجديدة عليه، بل عليه أن يبذل وسعه وطاقته من أجل فهمها والتمكن منها، فبعض الطلاب ــ هداهم الله ــ يشيعون في نفوس زملائهم صعوبة بعض المواد ويبغضونهم فيها، مما يؤثر سلباً على مستواهم التعليمي والتحصيلي.
ثامناً: آمل من أولياء الأمور التعاون مع المدرسة من أجل مصلحة أبناءنا وبناتنا، وبقدر حرصنا على ذلك يحصل الخير للجميع.
وعليهم أيضاً الانتباه لمواعيد الدخول والخروج، وعدم التأخر على أولادهم لئلا يحدث ما لا يحمد عقباه.
وعليهم الاهتمام الدائم بمتابعة أولادهم أثناء العملية الدراسية، والثناء على المجتهد، وحث المقصر على الاجتهاد والتفوق.
وعليهم أيضاً ألا يتركوا أولادهم عرضة للسلوكيات الشاذة وغير الطيبة، والحرص على القرين الصالح، والحذر من قرناء السوء.
أسأل الله تعالى للمعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات وسائر العاملين في العملية التعليمية والتربوية التوفيق والسداد، وأن يحفظ الجميع من كيد الكائدين وعبث العابثين، وأن يقر أعيننا جميعاً بصلاح ذرياتنا، وأن يوفق الجميع لكل خير.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 10-10-1429هـ