خطبة بعنوان ( الوسطية) .

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:

فاتقو ا الله عباد الله (يا أيها الذين آمنوا اتقو ا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

عباد الله!
وسطية الإسلام من أبرز خصائصه وبالتالي هي من أبرز خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً )

فالإسلام يقدم المنهج الوسط في كل شأن من شؤون الحياة بل شدد في منع طرفي الانحراف الغلو أو التقصير ولذا كان من الدعاء في كل صلاة فرضاً أو نفلاً (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
ووسطية والأمة هذه هي كونها محققة للعدل ، قال حذيفة بن اليمان «اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم والله إن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً ولئن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً»

وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله- كتاباً إلى عامل من عماله، فقال -بعد أن أوصاه بلزوم طريق من سلف -:«ما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر لقد قصر دونهم أقوام فجفوا وطمع عنهم قوم آخرون فغلوا وإنهم بين ذلك لعل هدى مستقيم».

قال ابن القيم: «ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو».

عباد الله!
دين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين، قال تعالى (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)

إن مظاهر الغلو في الأكل والشرب واللباس والعبادة والتعامل كلها محرمة وعلى المسلم أن يتوسط في كل ذلك. فما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع في شيء إلا شانه وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.

عباد الله !
كيف يسوغ للمسلم أن يتشاغل بالبحث عن عيوب الناس وينسى عيبه أي جرم في تتبع زلات الآخرين وإحصاء عثراتهم والتقاضي عن حسناتهم.

هؤلاء قلوبهم قاسية لم يحسنوا التعامل مع الخلق ، إن صاحب القلب القاسي الفظ القاسي صاحب القلب الغليظ لا يقبل الناس منه صرفاً ولا عدلاً ولا دعوة ولا توجيهاً وهذا بخلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمته (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )

لينظر كل منا موقفه من الدين (إن هذا الدين يسر لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)
أيها المؤمنون أي فظاظة وغلظة ذلك التكبر والعنجهية وأذية الناس بالقول أو الفعل؟ أي ذنب أعظم من أذية المؤمنين؟ أي جرم أعظم من سفك دم حرام؟ إن الفطرة والعقل والدين تقتضي تحريم وتجريم هذه الأفعال الآثمة، اعتداء على الأمن اعتداء على الآمنين تخويف للناس ….على المجتمعات السكينة ،أي دين يدعو لذلك؟ أي عقل يؤيد ذلك ولكنها الشبه نعوذ بالله من مضلات الفتن.

ألم يعلم هؤلاء أن ا لإسلام وسط في العقيدة بين منهجين منحرفين منهج وثني منحرف تمثله تيارات الكفر بكل أشكالها وأنواعها، ومنهج إلحادي لا ديني وتمثله جميع بلاد الإلحاد التي تقيد الأديان مطلقاً ، وبين هذين المنهجين تأتي دعوة التوحيد لترفع المسلم من التراب إلى ذرى العلياء وتميزه عن غيره بسمو الفطرة ونقاء السريرة وسلامة المعتقد.

ألم يعلم هؤلاء العابثون بالأمن والمروعون للآمنين أن الإسلام وسط في العبادة بين المنهجين منهج اعتبر الدنيا كل شيء من البداية إلى النهاية قال تعالى(إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وهؤلاء غرقوا في الشهوات وركضوا رواءها بكل اتجاه.

والمنهج المقابل القائم على الرومانيات وتمجيدها ورفضت الدنيا كلها وكان للنصارى قصب السبق في ذلك قبل الثورة الصناعية .

قال الله تعالى (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية)
وجاء الإسلام وسط بين هذين المنهجين المتطرفين (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)

ولما جاء الرهط الثلاثة إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها قالوا: أين نحن من رسول الله وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر لا أفطر ، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني﴾.

فاتبعوا أيها المؤمنون سنته والزموها واحذروا من الغلو والانحراف وأذية المؤمنين وأكثروا من الصلاة عليه والاستغفار لأنفسكم فربكم غفور رحيم.

الخـطبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الثانيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

الحمد لله ولي الصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله حرم الغلو في الدين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما القائل في سنته يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا صلى الله عليه وآله وصبحه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فيقول الله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾.

ديننا وسط بين الأديان دين تسامح وعفو ومحبة وسلام ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن﴾.

لكن متى خرج الإنسان عن شرع الله وجب على المسلمين أن يقفوا في وجهه سواء كان ذلك بشبهة أو شهوة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
«كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنها يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين﴾

فلينظر كل واحد منا موقعه من هذا الدين الكبير والصغير الذكر والأنثى كيف قربه وبعده من الصراط المستقيم، أين أثرنا على الشباب والناشئة؟ هل كان أحد منا يفكر فيما يحدث الآن من هذه التفجيرات الآثمة التي تستهدف البلاد والعباد وتخيف الآمنين وتزرع الرعب في قلوب الناس، ألسنا ننعم بالأمن والأمان، ألسنا نقيم شرع الله، أليست أيدينا تمتد إلى المحتاجين والضعفاء، ألم تكن هذه البلاد سباقة في بذل الخير ومناصرة المسلمين، إذاً ما ذنبها يجني عليها أبناؤها، لماذا يسكت كثير من الناس عن تجريم هذه الأحداث علانية، لماذا يتعاطف البعض مع هؤلاء، أليست الأمور واضحة ظاهرة لنقف أيها المؤمنون صفاً واحداً مع علمائنا وولاة أمورنا في وجه كل من يفسد كل من يفسد علينا ديننا ويفسد علينا وحدتنا ويهدد مقدساتنا، أليس لنا عبرة بالجزائر والصومال وأفغانستان والعراق إن الحياة محطة التجارب فليفق الغافلون ويتنبه اللاهون ولتزيدنا الأحداث صلابة وتوحداً وتمسكاً بشرع الله ورجوعاً إلى ديننا. اللهم أصلح أحوال المسلمين…..