خطبة بعنوان: (الوطن الغالي وخوارج العصر) بتاريخ 17-4-1428هـ.
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحَكَمُ العدلُ المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً لمن أطاعه واقتدى بسنته، ونذيراً لمن عصاه وخالف أمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102)، [يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها..](النساء:1)، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً](الأحزاب:70، 71)، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد العجب العجاب من الشتات والفرقة، والتنازع والتخاصم، والركون إلى الهوى والدنيا، وأصبح البعض من المسلمين دمية يتلاعب بها شياطين الإنس والجن حتى غدا يخدم أعداء الله تعالى وهو لا يدري، وربما يدري ويظن أنه على خير، وصدق الله العظيم إذ يقول:[ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أولئك الذين كفروا بآيات الله ولقاءه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا](الكهف:103 ــ 105).
عباد الله:
لقد امتنَّ الله تعالى علينا بالخير العميم، والعطاء الجزيل، والرزق الواسع الوفير، والأمن والأمان، والسعة والراحة، وأعطانا من النعم التي لا تعد ولا تحصى، وكل ذلك بفضله تعالى أولاً ثم بامتنانه على هذه البلاد بولاة أمر طريقهم ومنهجهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فبلادنا ولله الحمد تتميز على بلاد الدنيا كلها بميزات ظاهرة للعيان، فهي البلد الوحيد الذي يحكم بشرع الله، وهي البلد الوحيد الذي يرعى المقدسات ويبذل الأموال الطائلة من أجل حفظها ورعايتها وخدمتها لتكون مقاماً مناسباً لمن جاء متعبداً فيها، وهي البلد الوحيد الذي تقام فيه شعائر الدين الظاهرة بدون خوف من أذى أحد من البشر، بل بيوت الله تنال الرعاية العظمى، وأيضاً المشاريع الخيرية في بلادنا من جمعيات البر وتحفيظ القرآن وغيرها من الجهات الخيرية تجد العون والتشجيع من ولاة الأمر، وأيضاً يطبق فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها ينشر العلم الشرعي عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وفيها يحفظ كتاب الله تعالى وتقام له المسابقات المحلية والدولية، وأيضاً تحفظ فيها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويصرف على ذلك الأموال الطائلة لتشجيع الشباب والفتيات على التمسك بالكتاب والسنة، وهذا البلد أيضاً يقوم بمد يد العون لمن لجأ إليها، وبإعانة المحتاجين والمتضررين في كل مكان، حتى غدا هذا البلد خفاقاً عالياً يذكر اسمه في كل مكان، فلماذا يخرج علينا بعضُ من لا خلاق لهم بإيهام العوام من الناس بأن هذا البلد يوالي أعداء الله، ويتبِّعُ سبيل غير المؤمنين، ويلقون التهم جزافاً لأولياء أمورنا، وعلمائنا، حتى أصبحوا يكيلون الاتهامات الباطلة لمن أطاع ولي الأمر ويرمونه بالمداهنة والنفاق، وهذا كله من سمات الخوارج وأساليب المرجفين الذين يريدون زعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد الآمن، وهؤلاء الفئة القليلة الضالة في مجتمعنا يسعون لإحداث الفتن بين الراعي والرعية فقاموا بنشر الأكاذيب والإشاعات لدغدغة عواطف الناس والتحريش بينهم وبين ولاة أمورهم ليوقعوا بينهم العداوة والبغضاء، ويزرعوا الشتات بين المسلمين، وكل هذا يجر هذه البلاد إلى أمور لا تحمد عقباها، لكن الله تعالى أبطل كيدهم، وفضح أمرهم، فجاء الحق بازغاً للعيان، حيث تجلت حقيقة هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام، والإسلام منهم براء، فعلم الناس حقيقتهم، وتبين للقاصي والداني ما هم فيه من الغوى والضلال، فأين هؤلاء من نصوص الكتاب والسنة التي تحض المسلمين على التماسك والتعاون على الخير، والبعد عن الفرقة والتعاون على الشر والفساد؟ أين هؤلاء من قول الله تعالى:[مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ](الروم:32).
عباد الله:
إن الذين يخرجون عن إجماع الأمة، وينتهجون النهج الخبيث، نهج الخوارج القدامى ويستحلون قتل المسلمين وترويعهم يتضح للجميع خطورة ما هم عليه من الباطل، ونحمد الله تعالى أنه قد بين لنا صفاتهم قبل ألف وأربعمائة عام على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حتى لا يفتتن بهم من ليس عنده شيء من العلم حيث قال صلى الله عليه وسلم : (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة)(رواه البخاري ومسلم)، فهؤلاء وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم عند الله لمخالفتهم لأمر الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ألم ينظر هؤلاء لما حدث في بعض البلاد الإسلامية المجاورة عندما أراد صنف من هؤلاء الخروج على الحكام، وقاموا بتكفير المجتمع، وقتلٍ للمسئولين وغيرهم، ماذا جرَّ ذلك على أمة الإسلام وماذا جر على الدعوة إلى الله، لقد حدثت أضرار ومصائب كبيرة وكان هؤلاء هم السبب في ذلك، لقد زادت حدة الفوضى بين الناس، وزاد أهل الباطل من باطلهم، وازداد الظلم للجميع، وأصبح كل من تسمى بالإسلام وأهله يشار إليه بالإرهاب والتطرف، وهذا كله بسبب سوء أفعال هذه الفئة الضالة التي سوَّل لها الشيطان الباطل في صورة حق، فهلكوا وأهلكوا، وقتلوا وسعوا في الأرض الفساد، وتكالب الأعداء من كل حدب وصوب ضد كل ما هو إسلامي.
هذا مثال واحد في بلد واحد، أما في بلادنا فنحمد الله أن تكون قيادتنا إسلامية، ترفع شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، منهجها القرآن والسنة، وطريقها إرضاء الله تعالى، لقد أعلن ولي أمر هذه البلاد في مناسبات عديدة للقاصي والداني بأن منهجه ودستوره هما القرآن والسنة فماذا يريد هؤلاء بعد ذلك؟
أين هم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل، وعَدَل، كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه)(رواه البخاري ومسلم)
فهل بذْر الفتن بين المسلمين يعيد الأمة إلى مجدها، وهل ذلك يعلي من شأنها، أم أن الفتن توقد نار الشرور بين الناس، وتقطِّعهم أحزاباً وفرقا، فلا جَرَم أنَّ منْ سلك سبيل غير المؤمنين فقد باء بغضب رب العالمين، ألم يسمع هؤلاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)(رواه مسلم)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم[إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ](الأنعام:159).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين،
أما بعد:
فلقد أثلج صدورنا ما تم إعلانه في يوم الجمعة الماضية من إنجاز أمني كبير حيث تم القبض على مائة واثنين وسبعين مطلوباً من خلايا الإرهاب والإفساد والإجرام، وإننا إذ نشد على أيدي رجال الأمن وندعو لهم بالتوفيق والسداد نعلن أننا معهم قلباً وقالباً لحماية الدين والمقدسات والدفاع عن مكتسبات هذا الوطن الغالي، وقد صدر بيان من سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية جاء فيه: (هذا وإن البيان الصادر أول أمس من وزارة الداخلية حول تمكن قوات الأمن من القبض على خلايا إفسادية ارتكبت أموراً عظيمة هي من كبائر الذنوب ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية، وأيضاً أعدوا العدة وعزموا على أمور أخرى، هي من كبائر الذنوب ـ عياذا بالله من الضلال بعد الهدى ـ وإني إبراء للذمة وخروجاً من العهدة وبيانا للحق، ونصيحة لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم لأوضح هنا عدة أمور:
الأمر الأول: أن ما قام به هؤلاء من مبايعة زعيم لهم على السمع والطاعة وإعداد العدة والاستعداد البدني والمالي والتسليح هذا كله خروج على ولي الأمر، وهو مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين نبغوا في عهد الصحابة رضي الله عنهم فقاتلهم الصحابة رضي الله عنهم، وأمروا بقتالهم امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنه يتضح خطورة هذا المذهب، وتحريم الانتساب إليه، بل وجوب قتال أهله لما يترتب عليه من مفاسد دينية ودنيوية واختلال للأمن، وضياع لبلاد المسلمين، وإدخال الوهن على المسلمين، وتسليط الأعداء عليهم، ومنه يعلم أن من خرج على إمام المسلمين، واستحل قتل المسلمين، فإنه خارجي وإن صلى وصام وادعى ما ادعى.
ثانياً: من المعلوم في دين الإسلام أن اتخاذ الإمام واجب على أهل الإسلام، يقول الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ](النساء:59)، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة منها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه)، وعلى هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من سائر المسلمين.
ثالثاً: أن إمامة المسلمين تنعقد بأمور منها: أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام، فإذا بايعوه صحت إمامته، ووجبت على سائر المسلمين طاعته ولزمتهم بيعته، يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطتنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)(أخرجه الشيخان)، وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله:كأنها موعظة مودع، فأوصنا، فقال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)(أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح)، وفي حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم حبشي، كأن رأسه زبيبة)(أخرجه البخاري ومسلم). يقول ابن رجب رحمه الله: وأما السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، كما قال علي رضي الله عنه: (إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجراً عبد المؤمن فيه ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجله)، وقال الحسن في الأمراء: (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن والله إن طاعتهم لغيظ، وإن فرقتهم لكفر) انتهى كلام ابن رجب رحمه الله.
هذا وإنا بحمد الله تعالى نعيش في هذه البلاد السعودية المباركة في ظل ولاية عادلة، قد انعقدت لها البيعة، وصحت إمامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على هذه البلاد وأهلها، ولزم الجميع السمع والطاعة بالمعروف، والبيعة ثابتة في عنق أهل البلاد السعودية كافة، لإجماع أهل الحل والعقد على إمامته.
وقال سماحته إن من الكبائر العظيمة، والآثام الجسيمة نقض البيعة ومبايعة آخر، مع وجود الإمام وانعقاد البيعة له، وهذا خروج عن جماعة المسلمين، وهو محرم ومن كبائر الذنوب، يقول أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)(أخرجه مسلم)، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)(أخرجه الشيخان)، وفي حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية، فإن خلعها من بعد عقدها في عنقه لقي الله تبارك وتعالى وليست له حجة)(أخرجه الإمام أحمد)، ولمسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عقنه بيعة مات ميتة جاهلية)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه كائناً من كان)(أخرجه مسلم) وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى كثيرة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسويد بن غفلة: (لعلك أن تخلف بعدي، فأطع الإمام وإن كان عبداً حبشياً، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل: سمع وطاعة، دمي دون ديني)(أخرجه مسلم)، وعلى هذا سار السلف رضي الله عنهم كلهم يوجب السمع والطاعة لإمام المسلمين، ويحرم الخروج عن جماعة المسلمين.
ومما ظهر في البيان استعداد هؤلاء بالسلاح، وتخطيطهم للخروج على المسلمين بذلك السلاح، ومعلوم أن حمل السلاح على أهل الإسلام من كبائر الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا)(أخرجه الشيخان)، والخروج على المسلمين وقتالهم وسفك دمائهم داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ون خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)(أخرجه مسلم).
ومما ظهر في البيان تخطيطهم لقتل شخصيات عامة في البلاد، وهذا من قتل المسلمين بغير حق، والله تعالى يقول:[وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً](النساء:93)، ومما ظهر أيضاً تخطيطهم لإحداث فوضى في البلاد، وتدمير الممتلكات وهذا من الإفساد في الأرض الذي قال الله عنه:[إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ](المائدة:33)، ومما ظهر أيضاً في البيان أن هذه الفئة تكفر المسلمين وتستحل دمائهم، وهذه من أخطر جرائمهم وأشدها وطئاً ذلك أن تكفير المسلم ورد فيه وعيد شديد، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه)(أخرجه الشيخان)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله).
التواطؤ مع الجهات الخارجية ضد بلاد الإسلام وهذه مقلبة عظمى، ومنقصة كبرى إذ فيها إدخال الوهن على بلاد الإسلام، وأهل الإسلام، وهذا كصنيع المنافقين مع اليهود ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة، وكذلك تواطؤهم مع المشركين ضد أهل الإسلام، ومن كان في قلبه إيمان صحيح فلا يمكن أن يتعاون على أهل الإسلام
وبعد هذا التقرير والبيان أوجه النصيحة إلى من تأثر بهذا الفكر الدخيل الخبيث فأقول لهم اتقوا الله في أنفسكم، وفي أمتكم، وفي بلاد المسلمين، اتقوا الله فلا تقحموا أنفسكم في أنواع من كبائر الذنوب واتقوا الله فلا تفتحوا على بلاد الإسلام وأهل الإسلام أبواباً من الشر تسلط الأعداء المتربصين علينا وتمكنهم من بلادنا، وأنصح الجميع بالحرص على أمن البلاد، والجد في هذا الأمر، والتعاون مع الجهات المختصة في الإبلاغ عن كل ما من شأنه زعزعة الأمن، فإن هذا من أوجب الواجبات، يقول الله تعالى:[ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ](المائدة:2). حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سبحانه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)انتهى بيانه حفظه الله وسدده ونفعنا بعلمه. هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:٥٦).
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الجمعة: 17-4-1428هـ