خطبة بعنوان:(فلذات أكبادنا والمسؤولية العظيمة) بتاريخ 26-4-1428هـ.
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء:1).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
الناظر في أحوال كثير من الناس اليوم يجد التفريط الكبير في رعاية النشء والاهتمام بالأولاد، وهذا ما نراه ونعيشه، بل وسمعنا عن كثير من المشكلات التي ترتبت على التقصير في رعايتهم ومتابعتهم، وأنتم تعلمون ما يحصل الآن من المفاسد العظيمة نتيجة لعدم الاهتمام بهم وتأديبهم التأديب الحسن، وهذا بسبب الغفلة، والانكباب على الدنيا وملذاتها، وترك الأولاد لأمهاتهم تتحمل مسؤولياتهم فلا تستطيع، والفتى ينشأ على ما كان عوده أبوه.
عباد الله:
إن الأولاد نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، ومنّة من الله جليلة، فهم قرة العيون، وجلاء الأحزان والهموم، وهم القوة عند الضعف، والعون عند الحاجة، وهم الذخر بعد الموت، وهم الذين يستغفرون لآبائهم وأمهاتهم في حياتهم وبعد مماتهم، وهم الذين يرفعون قدر والديهم بأخذهم كتاب الله تعالى، وهم الثمرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وصدق الله تعالى إذ يقول:[الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا](الكهف:46). فمن أحسن تربيتهم جنى ثمرة ذلك، والعكس بالعكس..!!
تعالوا بنا ننظر في أحوالنا معهم وهنا نجد القصور الشديد في الأخذ بأيديهم للخير، بل ربما أعناهم على الوقوع في الشر لأننا تركناهم تتخطفهم الأيدي الآثمة الملوثة بحب الدنيا وملذاتها، المنكبين على الحرام، وما نعيشه الآن من مشكلات في البيت، أو في المدرسة، أو في المسجد، أو في أي مكان يثبت لنا هذا القصور في تربية أولادنا.
هل يرضينا ما نراه من تفريط كثير من الشباب في ترك الصلاة في المسجد وخاصة صلاة الفجر؟
هل يرضينا ما يحصل منهم عند سماعهم الأذان باستمرارهم في لهوهم ولعبهم دون وازع يوقفهم، وأيضاً عدم اهتمامهم بالذهاب إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة مع المسلمين؟
هل يرضينا ما نراه بعد انتهائهم من لعبهم بدلاً من أن يتوجهوا إلى بيوت الله لأداء الصلاة تجد أغلبهم يتوجهون إلى بيوتهم أو لأماكن بعيدة عن أعين الناس من أجل عدم الصلاة؟
هل يرضينا ما نراه من أولادنا من عدم احترامهم لنصائح الناصحين لهم وعدم الاستجابة لتوجيهاتهم؟
هل يرضينا عندما ندخل في الصلاة في بيوت الله ما نسمعه من أصوات الأولاد وهم يلعبون حول المسجد، ثم بعد ذلك يأتون في آخر الصلاة يهرولون وهم يضحكون ويمزحون وكأن ما يأتون إليه ليست عبادة جليلة عظيمة، إنما هي شيءٌ يريدون الفكاك منه سريعاً؟
هل يرضينا ما نراه عند دخولهم في الصلاة من كثرة الحركة والتشويش على المصلين، ولا يتأنون في إتيانهم بالصلاة على الوجه الصحيح بل ينقرونها نقراً سريعاً كنقر الغراب؟
هل يرضينا ما نسمعه من السبِّ واللعن والشتم بين الأولاد بعضهم مع بعض في أثناء لعبهم، أو في أنشطتهم، أو في مدارسهم، أو في شوارعهم؟
هل يرضينا ما يفعله بعض الشباب ـ هداهم الله ـ من قطع الإشارات والتفحيط في بعض الطرق، والإتيان بحركات للسيارات تسبب الخوف والإيذاء للناس؟
هل يرضينا ما نراه من الحركات والأشكال الغريبة في اللباس والقصات المخالفة لعقيدتنا ومجتمعنا حتى وصل الأمر إلى قيام البعض بتغيير شكل بعض السيارات ببعض الدهانات والمناظر وكأنها أتت من كوكب آخر؟ فما الذي أوصل أولادنا لهذا المستوى من الانحدار في الأخلاق والتصرفات، والاستهانة بنصائح الكبار، بل وصل الأمر إلى السخرية بكل من يقوم بنصحهم وإرشادهم.
عباد الله:
إننا نريد أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا ومع أولادنا إلى متى التفريط في هذا الجانب الهام؟
إلى متى يكون جلَّ اهتمامنا بأكلهم وشربهم ولباسهم وأغراضهم دون الاهتمام بأخلاقهم وسلوكياتهم.. لقد رأيت بعض الشباب في سن صغيرة وهم يدخنون، ورأيت منهم من يحمل جوالاً يسمع منه الموسيقى الغربية والشرقية، وينظر إلى الصور الفاتنة، والمقاطع الخبيثة الماجنة، ورأيت منهم من يقلد بعض الشخصيات التافهة، ورأيت منهم من يسير على نهج أصدقائه حتى ولو كانوا غير صالحين.. إلى هذا الحد وصل الضياع بأولادنا..!!
عباد الله:
إن الله تعالى وجَّهنا إلى الاهتمام برعاية الأهل والأولاد، والأخذ بأيديهم لما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة، فقال جل وعلا [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](التحريم)، فهل وعى أولياء الأمور هذا التوجيه العظيم من رب العالمين.
وهل وعى أولياء الأمور توجيه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته..)(متفق عليه). هل وعى أولياء الأمور أن الأولاد من الأمانة التي أمروا بالمحافظة عليها، فقد امتن الله عليهم بها، ثم تراهم يضيعونها بترك توجيههم وتعليمهم وتنشئتهم التنشئة الطيبة؟
إن الخطب جلل، والأمر عظيم، ويحتاج إلى وقفة حاسمة لإصلاح أمورنا مع أولادنا فلذات أكبادنا وهم ليسوا رخيصين عندنا، بل أغلى شيء في حياتنا، فإذا أصابهم شيء في أجسادهم سارعنا في علاجهم، فكيف نراهم وقد مرضت قلوبهم الطاهرة ثم لا نقوم بإصلاح ما فسد منها، بل ربما نكون سبباً في ضياعهم، وهلاكهم، وحرمانهم من حياة سعيدة كريمة تحفها طاعة الله تعالى، والاقتداءًً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
لو اهتم كل أب وأم بأولادهم لما رأينا ما يحصل الآن من ضياع بعض أولادنا، لقد تغيرت سلوكيات كثير من الشباب والفتيات بسبب التفريط في تربيتهم، فهل وعينا هذا الأمر.
عباد الله:
لقد امتنَّ الله تعالى علينا بكثرة الأبناء والبنات، وبوافر الخيرات، فلا يطلبون طلباً إلا تيسر لهم، ولا يتمنون شيئاً إلا وجدوه أمامهم، فنحن نحرص كل الحرص على تلبية ما يحتاجون إليه من الأكل واللباس والتعليم والمسكن والمركوب، ولا نرى والداً يبخل على أولاده في شيء من أمور الدنيا، بل ينفق بسخاء وكرم دون ملل أو تضجر، بل قد يبادر زوجته وأولاده بالسؤال عن كل ما يحتاجون إليه، وهو مأجور مشكور إن شاء الله إن حسنت نيته، لأن ذلك من قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، ومن تمام المسئولية إكمال حاجيات البيت ومراعاة صحة أهله وأولاده.
ولكن هل قام ذلك الوالد بجميع المسؤوليات التي كلفه الله بها تجاه أولاده؟
لابد أن يعتني الوالدان بالأمرين معاً، فلا يهملوا جانب التربية لأنه أهم من جانب الأكل والشرب والصحة، فكما يعتنيان بالجسد وما يتعلق به يجب أن يعتنيا بالعقل والروح جنباً إلى جنب، وهنا يتحقق الخير للأولاد والبنات بمشيئة الله تعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ](الأنفال).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المسئولية الملقاة على عاتقنا كبيرة وعظيمة تجاه أولادنا، وتحتاج منا أن نحذر من التفريط في تربيتهم، لذا سأذكر لكم بعضاً من أسباب القصور في تربية أولادنا لنحذرها ونقوم بما يجب علينا من العمل على تصحيحها، ومن ذلك:
أولاً: غياب القدوة في البيت: لأن البيت هو المدرسة الأولى التي يتخرج منها الشاب والفتاة، فغياب القدوة الصالحة عنهما يجعلهما يسلكان مسلكاً غير صحيح، فيجب على الوالدين أن يتقيا الله في أولادهما، فلا يتلفظا أمامهم بفحش من القول، كاللعن والسب، ولا ينطقان أمامهما بسوء من غيبة وقول زور، فإنهما يسجلان كل صغيرة وكبيرة، وأن يكونا من المحافظين على الصلاة، فالرجل يأخذ أبنائه للمسجد، والمرأة تأخذ بأيدي بناتها للصلاة في البيت، ويتعاون الوالدان في ذلك فيعينهما الله تعالى ويبارك لهما في ذريتهما.
ثانياً: عدم ملاحظة الأولاد ومتابعتهم: وهذا أثره عظيم حيث لا يجد الأولاد من يلاحظهم، بل ويترك لهم الحبل على الغارب، فالرجل يسعى وراء مشاريعه وتجارته، والمرأة ليس لها هم سوى الطعام والشراب واللباس والجلوس مع صديقاتها، وهكذا يضيع الأولاد بسبب هذا التفريط، ولو عمل الوالدان على متابعة أولادهما، وتوجيه الإرشادات والنصائح لهم لعاد ذلك بالخير على البيت والأولاد ولعاشت الأسرة حياة سعيدة لا يعكر صفوها شيء من المكدرات.
ثالثاً: عدم وجود التربية الصادقة: فالأولاد يتأثرون بما يرونه ويشاهدونه من خلال الأجهزة المرئية والمسموعة، ومصاحبة أصدقاء السوء، فالولد يتأثر بصديقه كما قال صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)(رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمصاحبة المؤمنين، ومجانبة الفاسقين، فقال: (لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)(رواه أبو داود، وحسنه الألباني). فلابد من متابعة الولد، ومعرفة مدخله ومخرجه، وأين يذهب؟ ومع من يسير ويجلس؟ وفي أي مكان يقضي وقت فراغه؟ ويجب على ولي الأمر أن ينظر إلى هذا الجانب الهام حتى لا يأتي في يوم من الأيام فيتحسر على ضياع الأمانة، ويتحمل وزرها يوم الحسرة والندامة.
رابعاً: قلة الإرشاد والتوجيه في البيت وخارجه: فتجد الولد يتأخر عن حضور الصلاة، ويفعل المنكر ويصاحب أهل السوء ويسب ويلعن ولا يناصح، والبنت تفرط في حجابها وتصاحب قرينات السوء وتسمع وتشاهد المحرم ولا تؤدب، فكيف تكون النتيجة؟
فعلى أولياء الأمور أن يخصصوا لهم جلسات مع أولادهم حتى ولو يوماً في الأسبوع ليستقوا من معين الكتاب والسنة، ويتعلموا من قدوتهم صلى الله عليه وسلم الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، ويؤدبوهم الأدب الحسن، ويعرفونهم سيرة السلف الصالح، ولعل من المناسبات الطيبة ما يقوم به مركز الدعوة والإرشاد في المحافظة من برامج علمية ودورات شرعية هذه الأيام، فشجعوا الأولاد على حضورها والاستفادة منها ففي ذلك الخير لهم ولكم، وهذا مما يحميهم من الأفكار الضالة وصحبة الأشرار. وهؤلاء الدعاة يرفعون أمامهم من قدر العلماء والدعاة والشباب الصالحين ليتعودوا على احترامهم وتقديرهم، ويحذرونهم من أهل الباطل وأصحاب الأهواء، ويضعوا نصب أعينهم العمل من أجل الحصول على رضا الله تعالى والجنة.
أسأل الله تعالى أن يصلح ذرياتنا وذريات المسلمين، وأن يجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب)
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 26-4-1428هـ