خطبة بعنوان: (نعمة الأمن) بتاريخ 12-2-1428هـ.

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء:1).

عباد الله:
لقد أنعم الله علينا بنعمة الأمن، وجعلها من أعظم النعم التي امتن بها علينا، [فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي جعله الله أسوة حسنة نقتدي به ونعمل بسنته صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار،

أما بعد:

عباد الله:
إن نعمة الأمن نعمة لا تعادلها نعمة بعد نعمة الإسلام، فلا أمان لأحد إلا بالإسلام، ولا راحة لأحد إلا بطاعة الرحمن، ولا ذهاب للخوف والحزن إلا بالتمسك بطاعة الكريم المنان.
ولذلك فقد امتن الله على قريش بهذه النعمة العظيمة عندما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إليهم برسالة الإسلام، وأمرهم بإتباعه والعمل بأوامره، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) قال: نهاهم عن الرحلة، وأمرهم أن يعبدوا ربّ هذا البيت، وكفاهم المؤنة، وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف، فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف، فأطعمهم بعد ذلك من جوع، وآمنهم من خوف، وألفوا الرحلة، فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا، وإذا شاءوا أقاموا، فكان ذلك من نعمة الله عليهم.

عباد الله:
إن الإنسان في هذه الدنيا لا يأنس ولا يرتاح، ولا يطمئن قلبه إلا بالأمن والأمان، والسلامة من الشرور والأحزان، وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أن الدنيا تجتمع للعبد في ثلاثة أشياء ومنها نعمة الأمن، فإن حاز هذه الثلاث فقد حاز الدنيا بما فيها، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)(حسنه الألباني في صحيح الجامع رقم6042).

ولقد أثنى الله على عباده المؤمنين الذين لا يشركون به شيئاً، ويتجهون بقلوبهم وجوارحهم إليه، ويلتزمون أمره ونهيه، ويتمسكون بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويمتثلون ذلك ظاهراً وباطناً، ويعملون بكل وسيلة للوصول إلى رضاه والفوز بجنته، فقال عنهم:[أولئك لهم الأمن وهم مهتدون](الأنعام).

فهذه النصوص وأمثالها كثير تشير إلى أمر هام جداً لا يشعر به كثير من الناس إلا إذا فقدوه، ولا يعلمون قدره إلا إذا حُرموه، فالخائف لا يستطيع أن يقوم بما أوجب الله عليه من الطاعة والعبادة، ولا يستطيع القيام بعمله، ولا الإطمئنان على أهله وأولاده، ولا الحرص على ماله وأملاكه، وغير ذلك كثير بسبب فقده نعمة الأمن.

عباد الله:
علموا أننا في نعم عظيمة وأننا محسودون عليها، وأن أعداءنا يتربصون بنا الدوائر، وأول ما يستهدفون دينكم وأمنكم واستقراركم ومقدساتكم، واحذروا وحذِّروا من شباب يقدمون على سفك الدم الحرام، فمن أعان على قتل نفس بريئة حتى ولو كان غير مسلم حُرِمَ من دخول الجنة، إن الإخلال بالأمن وقتل الأبرياء والاعتداء على الآمنين جريمة عظيمة لا تصدر إلا من صاحب عقل طائش لا يقدر عواقب الأمور، أو من عدو حاقد على البلاد والعباد، أو من متربص بالمؤمنين الدوائر.

إن بعض الناس قد استحلوا قتل الأبرياء، وانتهكوا حرمة الدم المعصوم، والمسلم، والذمي، والمستأمن كلهم حرم الشرع دمائهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفاً)(رواه البخاري).

عباد الله:
هناك من حوّل القضية، فقال عن قتل الفرنسيين: هل هم مسلمون أم لا؟ وهذا لا أثر له في مثل هذا الأمر، فدمهم معصوم سواء كانوا مسلمين أو مستأمنين، ولا ينبغي أن نفرق في هذا، فكما أن دم المسلم معصوم ويحرم قتله أو الاعتداء عليه فكذلك المستأمن، ولذا جاءت النصوص بذلك (من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما)(رواه النسائي)، ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه قال: (من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة مائة عام).

عباد الله:
إن الإقدام على مثل هذه الأعمال عمل إجرامي بكل المقاييس، فلا الدين ولا العقل، ولا الفطرة، ولا الأعراف، ولا التقاليد تبيح مثل ذلك، لكنها العقول المنتكسة التي أشربت حب الجريمة، ولعل من أهم أسباب ذلك بعدهم عن العلم وأهله، وتشرب الأفكار الوافدة الضالة، والحقد على كل شيء.

وهنا يرد سؤال: من المسؤول عن هؤلاء؟ أهو البيت؟ أم المدرسة؟ أم المجتمع؟ وأقول بل كل هذه الجهات مسؤولة وينبغي أن تتعاون جميعاً لإصلاحهم وتوجيههم إلى الطريق القويم.

عباد الله:
إن نعمة الأمن والاستقرار نعمة عظيمة يحسدنا عليها أعداء الإسلام، وهم يريدون لهذه البلاد شراً، فهم يخططون لها بكل وسائلهم التي يملكونها، وقد سمعنا خلال هذا الأسبوع ما أذيع حول قتل بعض المستأمنين من الرعايا الفرنسيين وهذا نتيجة لأن المجتمع المسلم مصاب بعلل كثيرة من أهمها وأخطرها ما يحمله بعض الشباب من أفكار غريبة وافدة على هذه البلاد ويتلقونه عن أشخاص مشبوهين لهم أهداف سيئة من أهمها خلخلة مجتمعنا المتماسك الذي يعيش بأمن وطمأنينة ورغد عيش لا مثيل لها في الدنيا كلها، وذلك بفضل من الله، ثم بفضل تطبيق الشرع المطهر.

وحيث أن هذه الجماعات والحزبيات نبتت في بلاد غير بلادنا ولها مواقف بنتها حسب ظروف بلادها، لكن الخطورة أن تتسرب هذه الأفكار وتلك المواقف وتنقل إلى هذه البلاد التي تحتضن الحرمين الشريفين، وتحكم شرع الله، ويجد فيها الوافد والمقيم والمواطن الأمن والطمأنينة، ثم تتطور هذه الأفكار وتحوَّل إلى مواقف خطيرة تتهم العلماء والحكام وترميهم بالعظائم، وتمتد الأيدي لتعبث بأرواح الناس مسلمهم ومعاهدهم ومستأمنهم، وهل هناك في الدنيا كلها أصدق من علمائنا، وأسلم معتقداً، وأكثر دعوة، وأكثر حرصاً على الخير، وهل هناك أصلح من حكامنا وحبهم للخير وأهله، ورفعهم شعار الإسلام صباح مساء، وإعلانهم حماية العقيدة الإسلامية، والانطلاق منها في شؤون الحياة.

عباد الله:
إن ما نعيشه ولله الحمد من مظاهر إسلامية وتطبيقات شرعية أقلقت الأعداء فراحوا يخططون لهذا البلد لتدميره وتفكيك تماسكه، وسلاحهم في ذلك استخدام شباب مغرر بهم يتلقون أفكارهم ويتشربون مبادئهم.

إننا بحاجة إلى مراجعة الحسابات، ومقاطعة الحزبيات والولاءات والانتماءات التي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح، وهمها وشغلها الشاغل هو القيل والقال، وتذاكر العيوب، والبحث عن النقائص، ودفن الفضائل، وترديد الكلام الذي يؤذي علماءنا، ويسيء لحكامنا، وليس فيه مصلحة إطلاقاً إلا إيغار الصدور وبذر الخلاف والفرقة، وتشتيت الصف والتعاون على الإثم والعدوان.

إن هذا الجرم الخطير على البلاد والعباد يشير إلى أن المسلمين إذا لم يتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويرجعوا إليهما إذا اختلفوا ولم يسمعوا لأهل العلم الربانيين الذين يبصرون الناس بالطريق الصحيح الموصل إلى مرضات الله فسوف نجني جميعاً الحسرة والندامة على ما يحدث، فعلينا بالتمسك بكتاب ربنا ففيه طوق النجاة والثبات في الدنيا والآخرة.

إن بلاد الحرمين ولله الحمد والمنة هي البلد الوحيد في الدنيا التي تحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحارب الشرك وأهله، والبدع والمذاهب الهدامة، والنحل الضالة، وتساعد المسلمين في كل بقاع العالم، وتنشر فيهم العقيدة الصحيحة، والمبادىء الإسلامية الخالدة، وهذا ما أقض مضاجع الأعداء وجعلهم يتآمرون على هذه البلاد وأهلها.
ولكن هل نكون يداً واحدة، هل نكون صفاً واحداً متماسكاً؟ هل نكون قلباً وقالباً مع علمائنا وولاة أمرنا؟ هذا هو الواجب علينا، وبه بعد الله نحمي أنفسنا من شرور الأعداء وكيد الحاقدين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم](النساء:34،35).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم نفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أنعم على عباده بالنعم العظيمة وأجلها نعمة الإيمان والأمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم،

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن من المفارقات العجيبة ما يحدث من بعض الشباب من قتل المستأمنين بغير حق، وهذا العمل المشين الذي حدث في بلدنا الحبيب، وهو قتل الرعايا الفرنسيين قرب المدينة المنورة مصيبة عظمى في بلاد الحرمين، فما زال هؤلاء المفسدون يستحلون ما حرم الله بدافع الغيرة على الدين، وبئس ما فعلوا وبئس ما يزعمون، فلو أنهم كانوا يحبون الله تعالى، ويقتدون برسوله صلى الله عليه وسلم ما حدث ذلك منهم، ألم يسمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم شدد في قتل النفس بغير حق إذا كانت معصومة وأن من فعل ذلك فهو من أهل النار، وجاء في حديث آخر أنه مخلد في النار، هذه الأحداث جناية لم يكن لها وجود في بلادنا بهذه الصفة إلا من قريب، فهي ظاهرة نشاز في المجتمع، وعمل شنيع محرم في شريعة الإسلام، بل تستنكره جميع أعراف الدنيا وهو عمل يخدم الأعداء من الكفار والمنافقين لا كثرهم الله -.

عباد الله:
ويتحدث بعض الناس أن من أسباب هذا الإجرام وجود فجوة بين الشباب والعلماء، وهذا غير مسلم، فالشباب الراغب في الحق يأتون العلماء فيجدونهم، ويسألونهم فيجيبونهم، ولكن الشباب الحيارى البعيدين عن العلماء هم أساس هذه الفتنة ولو أنهم رجعوا لصوابهم وسألوا علمائهم وتمسكوا بتوجيههم ما حدث ذلك أبداً

وهذه الأحداث حدث أمثالها في خارج بلادنا وهي تعد شراً على الإسلام والمسلمين وإلصاق التهم بمن عُرف عنهم التمسك بالدين والمحافظة على أداء العبادات، والظهور بمظهر تطبيق السنة الظاهرة بالتجني عليهم.

وأقول للجميع : علينا بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، ومراقبته في كل حال، لأن الله لا تخفى عليه خافية، وعلى الآباء والأمهات أن يهتموا بتربية الناشئة وتعويدهم صدق القول والعمل، وأن يبعدوهم عن كل ما يشوش فكرهم ويؤثر على دينهم.

وعلى الجميع التعاون في الإبلاغ عن كل من عُلم عنه أنه يخطط لارتكاب جرائم، أو العبث بأمن البلاد، أوالعدوان على فرد من الأفراد من مسلم أو غير مسلم في بلادنا، فهذا من عوامل حفظ أمن هذه البلاد ومواطنيها
.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يحفظ ديننا وبلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا وشبابنا من كل سوء ومكروه.

وأسأله تعالى أن يوفق ولاة أمر هذه البلاد وعلماءها ومعلمي الناشئة وناشري العلم ووسائل الإعلام والقائمين عليها إلى كل عمل يرضي رب العالمين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب).

الجمعة: 12-2-1428هـ