خطبة بعنوان: (الصندوق العقاري).
الخطبة الأولى:
الحمد لله صاحب الفضل والأنعام وأشهد أن لا إله إلا الله أغدق على عباده النعم الجسام وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى والقدوة الإمام صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أمـــا بـــــعــــــد:
فاتقوا الله عباد الله واجعلوا معاملاتكم دائرة في الحلال وحذار من الحرام فوالله إنه حسرة وندامة يوم العرض على الله وهو شر كله لا بركة فيه. ومما تأملته مما يقع الناس فيه ما يتعلق بالصندوق العقاري الذي أسسته الدولة وفق الله المسؤلين فيها لكل خير.
أسسـته لمصلحة البلاد والعباد لكنني لاحظت ــ مع الأسف الشديد ــ أن بعض الناس استغل ذلك استغلالا ًسيئا يتضمن الكذب والخداع وأكل المال بالباطل ومخالفة مقتضى العقد بين المقترض والصندوق وقد سلك الناس مسالك ملتوية في التحايل على الصندوق وما علم هؤلاء أن الله يطلع على سرائرهم وأنهم مهما أخفوا نواياهم خلف صور مزيفة من التعامل فإن الله محاسبهم عن ذلك وأن ذراريهم سيستفيدون من هذه الثروة وتكون حلالاً لهم وهي وزر على صاحبها فاحذروا أيها المؤمنون مثل هذه المعاملات وتجنبوها لعل الله أن يطيب كسبنا ومطمعنا فيستجيب دعاءنا.
ومن الصور التي ننبه إلى حكمها ما يــــلي:
1ـ بيع المرهون ذلك أن شخص إذا اقترض من الصندوق العقاري وبناء منزل له ثم بناه وأكمله ذهب يبيعه علماً أن البنك العقاري قد رهن هذا البيت ومنع صاحبه من التصرف فيه إلا بعد تسديد المبالغ المستحقة عليه.
ونظراً لأن الأنظمة تمنع البيع يلجأ هؤلاء المتحايلون إلى حيل شتى منها توكيل المشتري لدفع الأقساط الشهرية ومنها تأجير البيت على المشتري مدة تعادل وقت السداد وهذا من التحايل المحرم وعلى المسلم إذا أراد بيع البيت المرهون أن يشترط تسديد المبلغ كاملاً ثم يفك رهن البيت وعندها يتصرف به بيعاً وشراءً وتنازلاً.
2ـ بعض الناس يأخذ قرضاً باسم غيره علماً أنا لا شراكة بينهما مالياً وهذا أمر محرم لأنه ينهي الأوراق على أن القرض لفلان من الناس والصحيح أنه له. وهذا التحايل يؤدي إلى مفاسد كبيرة من أخطرها أنه لو قام أحد ورثة الشخص الذي باسمه القرض وطالب المستفيد من القرض لحصلت إشكالات لا نهاية لها ومنها أنه إذا مات أحدهما وقعت الإشكالات بين الورثة.
ومنها أن الشخص المقترض هو المطالب بالتسديد فلو مات وامتنع الآخر عن التسديد للزوم ورثة الأول التسديد عنه ولبقى الدين في ذمته حتى سداده وغير ذلك من المفاسد الكثيرة وذلك لأن هذه المعاملة مبنية على المخاطرة والغرر.
3ـ بعض الناس يستعير أرضاً من غيره ويتنازل هذا الغير له عنها لا حقيقة وإنما لمجرد التقديم على الصندوق ثم بعد فترة إذا ملك هذا الشخص أرضا حول القرض لها وأعاد الأرض التي استعارها لصاحبها وهذا تحايل لا يجوز شرعاً ويترتب عليه من المحاذير ما ذكرناه سابقا فلو مات أحدهما لحصلت إشكالات كثيرة علاوة على ما فيه من الكذب والتحايل المحرم.
4ـ بعض الناس يخرج اسمه في الصندوق العقاري ويكون غير مستعدٍ للبناء إما لأنه باع أرضه التي قدم عليها أو لأنه مشغول بالامتحانات أو لظروف خاصة كسفر لبلد آخر أو غير ذلك وهنا يلجأ هذا الشخص إلى التبادل مع شخص آخر بقي على اسمه مدة فيعطي أحدهما اسمه للآخر على أن يأخذ الآخر اسمه إذا خرج بعد فترة وهذا محرم لأنه تحايل وكذب ولما يترتب عليه من المفاسد الكبيرة فلو مات الذي خرج القرض باسمه قبل خروج القرض الثاني لحصلت منازعات بين الورثة ولو تعنت الذي أخذ القرض ورفض إعطاء الشخص الآخر القرض بعد خروجه لما استطاعه الأول إجباره شرعاً لأن المعاملة أساسها فاسد شرعاً.
5ـ وهنا مسألة يكثر وقوعها وخصوصاً في بلدنا هذا وهي أن الإخوة إذا كانوا جميعاً في بيت واحد ثم أخذ أحدهم من الصندوق وعمروا مسكناً وسكنوه وبعد فترة قدم كل واحد منهم على الصندوق ثم عمروا بيوتهم وبقي الشخص الأول وعنده والداه أو أحدهما فهنا المقتضى الشرعي أن تقوم العقارات عند افتراقهم ويدفع الفرق للشخص الأول الذي سبق في البناء أما أن يخرج الإخوة ويقتسموا المال ويتركوا هذا المسكين الذي ضحى لهم بكل شيء فهذا من الظلم البيَّن إلا إذا رضي وتنازل عن حقه فله ذلك وهكذا لو عمر الأول مسكنا شعبياً ثم تفرق الإخوة وعمَّر كل واحد منهم فلة فالحكم واحد.
والحاصل أن الإخوة المشتركين مالياً سواء كانوا كباراً أو صغاراً يجب أن يصدق بعضهم مع بعض ويقتسموا كل شيء في حوزتهم حسب شرطهم فإن لم يكن بينهم شرط فالعرف هو الذي يحتكم إليه وعرف بلدنا هذا هو الاشتراك في كل شيء يجوز الاشتراك فيه من العقار والمزارع والسيارات وغيرها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمتعم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أباح لعباده الطيبات من الرزق وأشهد أن لا إله إلا الله حرم على عباده الكسب المحرم وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل مبشراً ومرغبا (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً
أمـا بــــعــــد:
6ـ إذا كان الولد تحت والده وخرجت أرض للوالد ثم أخذ الولد قرضاً على هذه الأرض وبنى عليها مسكنا وجلس فيه مع والده ثم عمَّر الولد أرضاً أخرى باسم والده وأجرها وبعد فترة رغب الولد بأن يسكن منفرداً فهل للوالد أن يأخذ المسكنين معاً أم أن أحدهما للولد؟ المقتضى الشرعي أن الأرض التي عمرت باسم الولد له. وعليه أن يِّقوم الأرض وتكون ديناً عليه أو يسدد قيمتها لوالده من أجل العدل بين الأولاد ومثل هذه المسألة تكثر في بلدنا فلينتبه لها. المسكن يكون لصاحب القرض والطرف الآخر يأخذ نصيبه مقدراً أو يدخل الشخصان على أنهما شريكان حسب ما يتفقان عليه.
وهنا أوصي الآباء خصوصاً بالرفق بأولادهم وعدم الغلظة عليهم وخصوصاً الذي يبقى معهم في البيت من أجل رعايتهم وخدمتهم وعلى الآباء أن يعدلوا بين أولادهم فلا يحابوا أحداً على حساب أحد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى هذه المحاباة جوراً.
وعلى الأبناء أن يحرصوا على بر والديهم وحسن رعايتهم وخصوصاً حال كبرهم وليعلم الأبناء والبنات ما يفعلونه مع والديهم دين سيرده لهم أولادهم فإن أحسنوا وجدوا خيراً والعكس بالعكس.
7ـ وهنا مسألة يكثر السؤال عنها وهي أن بعض الناس يشتري أراضي بعيدة من الجهة الشرقيةــ فوق الطلعة ــ وقصده المتاجرة فيها لكن يجمدها سنة أو سنتين أو أكثر وأحيانا يقدم عليها في الصندوق وهو عازم على بيعها ولا نية له بعمارتها فمثل هذه الأراضي التي المقصود منها التجارة فيها الزكاة تقوم رأس كل حول وتزكى بأن يدفع ربع عشر القيمة ــ في كل مائة ريال ــ ريالان ونصف. وفـي الألف 25 ريالاً وفــي العشرة آلاف (250) وفــي المائة ألف ــ ألـفـان ونصف ــ وهكذا لكن إن لم يكن عازماً على بيعها وإنما قدم عليها في الصندوق وإذا ملك غيرها نقل القرض ثم قد يطرأ له ويبيعها فهذه لا زكاة فيها.
والخلاصة أيها الأحباب أن التحايل على الصندوق العقاري يؤدي إلى مفـاسد كبيرة ومنها:
1ـ عدم الوفاء بالعقد المبرم مع الصندوق وعدم الوفاء بالعقود معصية لله سبحانه وتعالى الذي أمر بالوفاء بالعقود [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] وقال [وأفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا] والعهد من معاني العقد.
2ـ الكذب الصراح وذلك أن الذي يكتب بين المتعاقدين غير المتفق عليه فما يظهر إنه خلاف ما يبطنانه والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
3ـ خداع المسؤولين والسخرية بهم من كتاب العدل والضبط وغيرهم ممن يتولى هذه العقود.
4ـ ما قد يترتب على هذه العقود الصورية من مفاسد كبيرة بين الورثة لو مات أحد المتعاقدين. وقد وقفت على قضية واقعية رفض الأبناء تسديد ما التزمه أبوهم بعد وفاته لأن العقد غير شرعي فطلب القاضي نقض العقد من أصله.
أيها المؤمنون ولا يغتر البعض بكثرة عمل الناس ووقوعهم في ذلك فالعبرة بما كان حلالاً موافقا للكتاب والسنة نسأل الله أن يبصرنا بأمر ديننا وأن يأخذ بأيدينا لما فيه رضاه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صلي وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.