خطبة بعنوان: (حول أحداث الكويت).
الخطبة الأولى :
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الأمن والرخاء والاستقرار مرهونا بطاعته وصدق الإقبال عليه فقال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اختار له مولاه وصف العبودية أزكى الأوصاف وأسماها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أمــــا بــــعــــــد: إخوة الإيمــان
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضياً على المدينة المنورة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد طلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء فقال أبو بكر أَمِنْ مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر قال لا يا خليفة رسول الله ولكن ليس بي حاجة عند قوم مؤمنين عرف كل منهم ما لهُ من حق فلم يطلب أكثر منه وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه إذا غاب أحدهم تفقدوه وإذا افتقر أعانوه وإذا احتاج ساعدوه وإذا أصيب واسوه.
دينهم النصيحة وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففيم يختصمون؟
نعم أيها الأحباب: الانتماء للأمة الإسلامية وحب الوطن والاعتزاز به من القضايا التي تعنى بها أمتنا في هذا العصر لإنقاذ أبنائها من الأيادي الدخيلة التي تهدم الفضيلة وتروج للرذيلة.
وصدق الشاعر
فلن يبلغ البنيانُ يوماً تمامه إذا كُنت تـبـنيه وغيرك يهدم
إخوة الإيمان هذا هو المجتمع المسلم بكل فئاته تعاون صادق ومحبة خالصة وعمل جماعي وتضحية وفداء نقول هذا وقد مضى على الأحداث شهران ونصف ونحن لا نرى تغيـيراً في واقع حياتنا على مستوى الفرد والجماعة فهل لم تحرك هذه الأحداث لنا ساكنا هل أصبحت القلوب كالحجارة لا بد أيها الأحباب من وقفات مع الأحداث نستجلي بها عظم الحدث والمخرج من الأزمة فنقول.
الوقفة الأولى: إن احتلال الكويت يعتبر بحق جريمة العصر.
جريمة العصر بمفهومها السياسي والثقافي والجنائي ووفق كل المقاييس والمفاهيم إن احتلال فلسطين جريمة ولا شك لكنها جاءت من شذاذ الآفاق من اليهود أعداء العروبة والإسلام قتلة الأنبياء وما حصل منهم يُتوقع أن يحصل منهم أكثر منه وإن احتلال أفغانستان لا شك جريمة لكن جاء من شيوعيين والملحدين هم من ألد أعداء الإسلام والمسلمين. وكل هذا حرام في كل المقاييس الشرعية والنظامية والأعراف الدولية لكن احتلال الكويــت هو جريمة العصر لأنه احتلال دون مقدمات واستباحة دون خجل وإرهاب دون وازع ولصوصية ونهب دون مراعاة لحقوق المسلمين.
إنها جريمة لأنها أنست العالم الإسلامي الانتفاضة واحتلال أفغانستان جريمة لأنها أحدثت الشروخ في صف الأمة العربية والإسلامية جريمة لأنها أسقطت مثلاً وفيما يفخر بها المسلمون في كل موقع جريمة لأنها كشفت العدو من الصديق وسقطت فيها أقنعة كثيرة.
الوقفة الثانية: اختلطت موازين الناس ومقاييسهم للأحداث فمنهم من صدر عن عاطفة ومنهم من صدر رأي كاتب في مجلة ومنهم من صدر خبر في إذاعة ومنهم يمم صوب الشرق وآخرون اتجهوا للغرب والحق في ذلك والله أعلم أنه لا بد من ربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج والقاعدة الشرعية تقول الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
إذاً لا بد أن نفتش عن أنفسنا ونعرف أخطاءنا ونحاسب أنفسنا فما حصل بسبب ما كسبته أيدينا ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ))
الوقفة الثالثة: استقـبلت قاعات الدراسة أحبابنا من طلاب وطالبات من أشقائنا الكويتيين وهيأ لهم رجال التعليم كل أسباب الراحة وخصصوا لهم مقاعد إسوة بالطلاب والطالبات السعـودييـن وهذا من أوجب حقوقهم علينا امتثالاً لأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم \” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر\”
لكن لنا عليهم حقوقاً وهي أن يلتزموا بما يلتزم به زملأوهم من الطلاب والطالبات فيحرص الجميع على الأدب والجد والاجتهاد واحترام الأساتذة والتعاون المثمر لتحقق العملية التعلـيـمية أهدافها ونخص أخوتنا الطالبات أن عليهن أن يلتزمن بالحشمة والعفاف والحجاب الكامل داخل المدرسة وخارجها وعند أبواب المدارس وداخل الأتوبيس لأن هذا واجب شرعي ثم هو واجب يملـيه حق المضيف.
الوقفة الرابعة: أحوال الناس بعد الأحداث هي أحوالهم قبلها بل أن البعض وللأسف الشديد ركن إلى بعض الترتيبات الموجودة وتعلق قلبه بغير الله.
ونظرة عَجلى إلى المجتمعات الإسلامية تبين أن وضع الأسرة لم يتغير فكثير من الآباء أهمل أبناءه وبناته وترك الحبل على الغارب فخالطوا أهل الفسق والعصيان وجروا على أسرهم من المصائب ما لا يعلمه إلا الله.
والكثير من الناس مازال يتعامل بالربا ولم يدعو أو يفيق بل أعلن الحرب على الله وعلى رسوله وكان الأولى بأولئك أن يفـيـقـوا من سكراتهم ويثوبوا إلى رشدهم ويجمعون المال من الطريق الحلال ففي الحلال ما يغني عن الحرام.
والكثير من الناس ترك النساء تخرج للأسواق دون وازع أو حياء فيتعرضن للمضايقات وعَّرض غيرهن للفـتـنة وصرن من أعوان الشياطين وولي الأمر يلاحق تجارته أو زراعته أو جلساته مع الأصدقاء والخلان. وما دامت حال المسلمين كذلك فا الله أخبرنا في محكم كتابه بقوله [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ]
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله ولي الصالحين وناصر المؤمنين وأشهد أن لا إله إلا الله جعل العاقبة للمتقين والبوار والخذلان للمنافقين والكافرين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمـــا بـــــعـــــــد: عـــباد اللــه:
الوقفة الخامسة: كثير من الناس يتسائل عن المخرج من الأزمة والمخرج في نظري يتمثل في الآتــــي:
1ـ النية الصادقة في العودة إلى الله وترك المنكرات. والتوبة الصادقة من جميع المنكرات بشروطها المعروفة.
2ـ التعبئة الروحية لشباب الأمة في حب الشهادة ويبدأ ذلك بالصلاة والصدقة والصيام وصدق الإقبال على الله بأداء الفرائض واجتناب المحرمات ثم تربية الشباب على حب الجهاد وربطهم بسلف الأمة الذين رفعوا راية الإسلام في كل مكان.
3ـ الالتزام بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل حسب استطاعته تحقـيقـا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
4ـ الابتعاد عن الربا بكل صنوفه وأشكاله والحرص على الكسب الحلال الذي يبني الأجسام المؤمنة لأن اللقمة الحرام تحجب الدعوة الصالحة ويتسلط بسببها الأعداء على المسلمين.
5ـ ضرورة كشف أعداء الإسلام وتعريتهم من الشيوعيين والماسونيين والبعثيين والحداثيين لتكون الأمة في مأمن من شرهم ويردَّ عليهم بنفس أسلوبهم والأمة الإسلامية ولله الحمد قادرة على ذلك.
6ـ يحاسب كل منا نفسه ويحرص على تربية من استرعاه الله عليهم ويبدأ بتخطيط إسلامي صادق لأداء هذه الأمانة الكبرى في تربية الأسرة وتنشئة الأولاد والإخوة على حب الإسلام وتمثيل عقيدته وشريعة قواعده الأخلاقية في الواقع وتعظيم قيم الأمة والإخلاص لها والمحافظة على تراثها والدفاع عن مقدساتها وأرضها ومقارعة جميع أعدائها وجهادهم بالمال والأنفس وجعلهم عوامل بناء في المجتمع لا عوامل هدم. ورسل خير وسلام لا أدوات شر وخصام لأن الأمة تتكون من مجموعة الأسر فإذا صلحت الأسرة صلحت الأمة فهل نعي دورنا في الحياة ونقوم به أرجو ذلك وأتمناه.
عباد الله صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك في محكم كتابه فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صلي وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.