خطبة بعنوان: (موقف خادم الحرمين من أحداث غزة) 11-2-1430هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى سبيل العباد للنجاة من عذاب النار [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران).

عباد الله:
لقد وصف الله المؤمنين بصفات جليلة وأخلاق حميدة، وأسبغ عليهم نعمه بعونه وفضله فسخرهم لخدمته وخدمة دينه، وأنار لهم طريق الحق فبصرهم به ووفقهم للسعي إلى توصيله، ويسر لهم سبيل الهدى فبادروا إلى سلوكه والعض عليه انقياداً وتسليماً، وإن من الصفات التي أكرمهم الله بها أنهم يؤمنون بالغيب، ويعلمون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم راجعون إليه فبادروا إلى التزود من صالح الأعمال رجاء رحمته ورضوانه، واتصفوا بالإخلاص والصدق والتواضع لخلقه، وبادروا إلى كل خلق كريم يقربهم إلى مولاهم وخالقهم، فكانوا نعم العباد في نفع خلقه.

وصدق الله تعالى إذ يقول [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](التوبة).

وقال صلى الله عليه وسلم (ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)(متفق عليه)، وقال (أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه ديناً أو تطعمه خبزاً)(رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم1096).
عباد الله: في الأزمات والمحن يظهر معدن المؤمن الصادق مع ربه، المحب لدينه، الباذل لجميع خلقه، فتراه حريصاً على كل خير، يبذل النفع لمن حوله، وهكذا في أصعب المواقف تظهر معادن الرجال.

وإن من المواقف التي تذكر فتشكر موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ووفقه لكل خير ــ من أحداث غزة والتي أضحت ظاهرة العيان لكل من ساير تلك الأزمة، هذا الموقف العظيم الذي وقفه خادم الحرمين الشريفين مع إخوانه المسلمين في فلسطين، فبادر إلى بذل شتى الوسائل من أجل التخفيف عنهم، وفتح أبواب الأمل لهم في وقت لم يجدوا فيه النصرة من أحد إلا القلة القليلة من المسلمين، فبادر إلى استقبال المرضى الفلسطينيين لعلاجهم في مستشفيات المملكة، وأرسل لهم المعونات بشتى أنواعها، وكان حريصاً على مد يد العون خلال هذا المصاب فأمر بجمع التبرعات التي تساهم في التخفيف من آلامهم وأحزانهم، وتكون عوناً لهم في الوقوف أمام هذا العدو اللدود الذي أراد إبادتهم من على وجه الأرض.

وقد حث ـ حفظه الله ـ على الإسراع في إيصال تلك التبرعات، وأمر بتكثيف التوجيه الإعلامي للمواطنين والمقيمين في شتى وسائل الإعلام للبذل والإنفاق والوقوف بجوار إخوانهم في هذا المصاب العظيم، وحث جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض على الوقوف بجوار أهليهم وإخوانهم في فلسطين الجريحة.

وهذا الموقف استجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى](رواه مسلم).

أسأل الله جل وعلا أن يصدق فيه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (خير الناس أنفعهم للناس)(رواه الدار قطني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ج2 رقم2623).
وهذا الموقف من أحداث غزة هو حلقة في سلسلة المواقف العظيمة والكبيرة لهذه البلاد قيادة وشعباً.

وهذا هو القلب الرحيم الذي يستحق صاحبه أن ينال رحمة ربه، وكيف لا وقد دعى الرسول صلى الله عليه وسلم لمن رفق بأمته أن يرفق الله به فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)(رواه مسلم).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ}(الحجرات).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين،أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن الرجال تعرف بمواقفها في سائر الأحوال.

عباد الله:
لقد دعى خادم الحرمين الشريفين وفقه الله الإخوة الفلسطينيين سابقاً ولاحقاً إلى الترابط والتلاحم ونبذ الخلافات، والوقوف صفاً واحداً في وجه المحتل اليهودي.

ولقد أثلج ــ حفظه الله ـ صدر كلِّ من سمع حديثه في قمة الكويت في وقت كان المسلمون في حاجة ماسة إلى نبذ الصراع والشقاق، فانقلبت الأحداث العربية من صورتها القاتمة إلى صورة مختلفة تماماً أعطت أملاً كبيراً في إصلاح حال الأمة الإسلامية ــ بإذن الله ــ فلقد كان موقفه ــ حفظه الله ــ موقفاً شجاعاً ونبيلاً سيكتبه التاريخ بمداد من ذهب.
فالأمة الإسلامية على كثرة عددها لا يمكنها المدافعة عن نفسها وعن قضاياها في ظل وجود الخلافات السائدة في صفوف المسلمين لأنها تضعف جانبهم وتوهنهم وتجعلهم فريسة سهلة لأعدائهم، ولم يكن البطش اليهودي لأبناء غزة ممكناً لو كان الفلسطينيون متوحدين خلف قيادة واحدة صامدة.

ولقد رأى خادم الحرمين الشريفين أن من واجبه الديني أن يذكر إخوته في فلسطين بحق بعضهم على بعض، وأن عليهم نبذ خلافاتهم جانباً لتقوية صفوفهم ضد أعدائهم في الداخل والخارج، وعلى رأسهم العدو الصهيوني.

فقال ــ حفظه الله ــ (أرجوهم رجاء مسلم إلى إخوانه المسلمين أن ينبذوا الشيطان ويتعوذوا منه ويلتفوا حول بعضهم، وهو الأمر الذي سيرفعهم ويرفعنا ويرفع العرب جميعاً).

عباد الله:
وفي جلسته في مجلس الشورى ومن خلال الأسئلة التي ألقيت عليه في خطابه المرتجل قال ــ حفظه الله ــ (أنا لولا شعبي لا شيء، أنا فرد!). وهذا يدل على شدة تواضعه.

وقال أيضاً (إن ثقته بشعبه هي التي أعانته وتعينه على أخذ القرارات والمواقف المناسبة) وهذا دليل كبير على حرصه على مشورة أبناء وطنه والأخذ برأيهم فيما ينفع بلاده.

وقال (أنا لم أقل شيئاً إلا من واجبي الديني وواجبي الوطني والنخوة العربية، وأنا صاحب إيمان وثقة بشعبي وبكل إنسان يحس بمسؤوليته العربية والإسلامية والأخلاقية).
فعلينا يا عباد الله أن نكون عونا له على كل خير، وأن ندعو له بالتوفيق والسداد، وأن نكون معه سداً منيعاً أمام الأعداء من الداخل والخارج الذين يتربصون بنا الدوائر.

أسأل الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا، وأن يوفقه للخير، وأن يسدد خطاه على طريق الحق، وأن يأخذ بناصيته للبر والتقوى، وأن ييسر له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتذكره به إذا نسي.

اللهم إنا نسألك باسمك العظيم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت أن تعين خادم الحرمين الشريفين على كل خير، وأن تسدد قوله وعمله، وأن تربط على قلبه بحب الخير وأهله، وأن تصرف عنه بطانة السوء الذين يريدون الشر بالبلاد والعباد.

عباد الله:
وفي يوم غدٍ يتوجه الأبناء والبنات إلى قاعات الاختبارات، وهنا نوصيهم بالإخلاص والجد والاجتهاد، ونوصي أولياء أمورهم بالمتابعة والحرص عليهم، وعدم تركهم فريسة لقرناء السوء.

كما نوصي المعلمين والمعلمات بالحرص على التعامل معهم، والعدل في التصحيح، وعليهم أن يجعلوا الميزان في ذلك يتصوروا أن هؤلاء أبناءهم وبناتهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب)

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 11-2-1430هـ