خطبة بعنوان: (الحياء-1).

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

أمــا بــعـــد:

أمة الإسلام الحياء خلق شرعي يبعث على ترك الأمور القبيحة فيحول بين الإنسان وارتكاب المعاصي ويمنعه من التقصير في حق ذي الحق ويدل على هذا المعنى قول النبي  \” إن مما أدراك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فا صنع ما شئت \”

أيها العبد الحيي اعلم أن هذه التوجيهات طيبة لأنها تتمخض عن معان سامية شريفة ولكن أقربها إلى الحق أنه أمر بمعنى الخبر فمن لا يستحي يصنع ما يشتهي.

واعلم أخي المسلم أن من لزم الحياء كانت أسباب الخير منه موجودة كما أن الواقح إذا لزم البذاء كان وجود الخير منه معدوماً وأصبح حصول الشر منه موجوداً لأن الحياء هو الحائل بين العبد وتلك المنهيات فبقوة الحياء يضعف ارتكابه المعاصي وبضعف الحياء يقوي غشيانه لها.

ولله در القائل:

ورب قبيحةٍ ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياءُ

فكان هو الدواء لها ولكن *** إذا ذهب الحياء فلا دواءُ

وما أحسن ما قيـــل:

إذا رزق الفتى وجها وقاحاً *** تــقلَّـب في الأمور كما يشاءُ

ولذلك من لزم الحياء صان عرضه ودفن مساويه ونشر محاسنه ومن ذهب حياؤه هان على الله وعلى الناس وعلى نفسه.

وصـــدق القــائل:

إذا لم تصن عرضاً ولم تخشى خالقاً *** وتستحي مخلوقاً فما شئت فاصنعِ

إذا كنت تأتي المرء تعـظـمُ حـقـه *** ويجهل منك الحق فالصرم أوسعِ

الحياء يميز الآدمي عن البهيمة ولذا كان خاصية بشرية يدل لذلك أن آدم وزوجة حواء لما أكلا من الشجرة المحظورة وبـدت لهما سوآتهما راحا يجمعان من ورق الجنة ويشبكانه بعضه في بعض ويضعانه على سوآتهما وهذا يدل على أن الإنسان بفطرته يحب التستر ولا يتكشف إلا إذا فسدت فطرته أو ساءت أخلاقه وهذا من طاعة إبليس وأعوانه.

لقد كان الحياء خلقا محموداً حتى عند العرب قبل الإسلام فها هو عنترة يقول:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها

ولكن أقواماً ممن فسدت فطرتهم وساءت أخلاقهم وانتكست مفاهيمهم وأصبحوا أبواقاً للشيطان تعيش في ديار المسلمين وتتسمى بأسمائهم هؤلاء إذا رأوا المسلمة في زينتها التي أنعم الله عليها جلباباً وخماراً وحياءً وعفة غصت حلوقهم وسلقوا المتسترات بألسنة حداد ووصموا هذه المرأة بالرجعية والتقليد وهكذا تصنع شياطين الإنس يستميتون في مسخ الفطرة والذوق والتصور والقيم. تباً لهؤلاء ماذا فعلت بيوت الأزياء ومصمموها وماذا جرت ودكاكين التجميل وأساتذتها بنساء اليوم لقد سلبت كرامة المرأة وقتلت عفتها وجعلتها سلعة رخيصة تباع وتشتري بثمن بخسٍ.

وصدق القائل:

وزاده كلفاً في الحب أن مُنعت *** أحب شيء إلى الإنسان ما منعا

وما أصدق ما قيل:
اختاه يا بنت الخليج تحشمـي *** لا ترفعي عنك الخمار فتندمـي

إخوة الإسلام:
الحياء من الله تعالى طريق إلى إقامة كل طاعة واجتناب كل معصية وقد ثبت عن المعصوم  \” الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان \” رواه البخاري ومسلم.

والحياء من الناس مطلوب وهو داخل في جملة أبواب الحياء ومنه حياء المرء من نفسه فلا يرضى أن يتفوق عليه الآخرون في مجالات الخير والبر والإحسان وعلى العكس إذا رأيت العبد يفقد حياءه فاعلم أنه يتدرج من سيء إلى أسوأ ويهبط من رذيلة إلى أرذل ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدركات السفلى \”.

ثبت عن عمر قوله \” من استحيا اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي \”

ومن أعظم ما يستحي منه العليم الخبير المطلع على الصغير والكبير وينبغي أن يكون الحياء على قدر النعم التي أسداها والخيرات التي أعطاها.

ومن الحياء أن يطهر المسلم لسانه الفحش وبذئ الكلام.

ومن الحياء القصد في الحديث في المجالس فمن أطلق للسانه العنان كثر سقطه وعظم غلطه وزادت أخطاؤه على الناس.

ومن الحياء البعد عن مواطن الريب ومواقع الشبه
.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ))

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله المحمود على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل الضلال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله جبله ربه على جميل الفعال وكريم الخصال صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.

أمـــا بــــعــــد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المسلم عفيف حيي يفعل الجميل ويجتـنـب القبيـح ولا ينبغي أن يكون الحياء حائلاً عن طلب العلم أو مانعاً من قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيها المؤمنون:

إن من الصور المؤلمة التي نعايشها في واقعنا قد نزع الحياء من أصحابها:

1ـ الذين يقترضون من الناس ويماطلون في السداد.
2ـ الذين يتبرع أقوام بكفالتهم.
3ـ الشفاعة لأقوام.
4ـ سوء معاملة من أحسن إلى المسلم كأهل الزوجة.
5ـ النقل عن العلماء وطلاب العلم.
وأن من الصور التي ينبغي أن نحياها في أنفسنا ومع من حولنا:
1ـ حياء الولد مع والديه.
2ـ حياء المرأة بالستر.
3ـ الطالب مع أساتذته.
4ـ الناس مع العالم.
فإذا تكررت هذه الصور واختفت الصور السابقة عاش المجتمع آمناً يجلِّـله الحياء.

وما أجمل ما قيل:
إذا قـلَّ ماء الوجه قل حيــاؤه *** فلا خير في وجه إذا قل ماؤه

حياءَك فاحفظه عليك فإنما *** يدل على وجه الكريم حيـاؤه

ولقد أبدع القائل:
إذا لم تخـشى عاقـبة الليالـي *** ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله مافـي العـيش خـيـر *** والدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء

اللهم ارزقنا حياء يرفع منازلنا

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صلي وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.