خطبة بعنوان:(أساليب الدعوة).
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يظلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أمــــــا بـــــــعــــــــد:
إخوة الإيمان يقول الله تعالى ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))
هذه الآية رسمت المنهج الأمثل في الدعوة إلى الله وبينت حال المدعوين والوسائل التي تعين في الدعوة إلى الله ولذا سنقف معها وقفات حول الدعوة والدعاة فنقول.
الدعوة إلى الله تعالى دعوة خير حق، لأنها دعوة إلى العدل والإحسان دعوة إلى ما تقتضيه الفطر السليمة وتستحسنه العقول الخالصة وتركن إليه النفوس الزكية.
فهي دعوة إلى الإيمان بالله وإلى كل عقيدة سليمة يطمئن إليها القلب وينشرح بها الصدر والدعوة إلى الله دعوة إلى عبادة الله وحده إيماناً ويقيناً بأنه لا يستحق العبادة أحد سواه.
والدعوة إلى الله دعوة إلى الإيمان الجازم بكل ما ثبت لله تعالى من أسماء وصفات من طريق الكتاب والسنة وأنها صفات حقيقية ثابتة لله على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)).
والدعوة إلى الله دعوة إلى اتباع الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وبسلوك هذا الصراط تنقطع سبل الابتداع وخرفات الأهواء التي عشعشت في قلوب الكثيرين من المسلمين.
وصدق الله العظيم ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) والدعوة إلى الله دعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وحفظ الحقوق وإقامة العدل بين الناس بإعطاء كل ذي حق حقه وبذلك يتحقق الإخاء والمودة بين المؤمنين ويستتب الأمن التام والنظام الكامل داخل شريعة الله وتضمحل كل الأخلاق السافلة والظواهر السيئة من المجتمع المسلم.هذه هي الدعوة إلى الله بمفهومها الواسع الشامل ولذا جاءت الآيات الكثيرة ترغب فيها وتحث عليها لأنها وظيفة أنبياء الله والصفوة المباركة من العلماء العاملين في كل زمان ومكان.
وصدق الله العظيم ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ))
((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) .
هذا عن مفهوم الدعوة أما الوسائل المتاحة لإيصال الكلمة الهادفة إلى الآخرين فمنها:
1ـ المشافهة المباشرة.
2ـ المشافهة غير المباشرة كالدعوة عن طريق الأجهزة المسموعة والمرئية وهذه الوسيلة أكثر انتشاراً من الأولى.
3ـ الكتابة ـ وهي الكلمة المقروءة ـ عن طريق التأليف والصحف والمجلات وهذه الوسيلة تكمل الوسيلتين الأوليين لأنها تبقى عند المدعو ويقرؤها مرة بعد أخرى.
وهذه الوسائل التي أجملتها الآية في حين فصلت حال المدعوين ومراتبهم التي يمكن أن يعاملوا في الدعوة بحسبها وهذه الأحوال للمدعوين هي:
1ـ أن يكون المدعو راغباً في الخير مقبلاً عليه لكنه قد يجهله ويخفي عليه فهذا يكفي في حقه مجرد الدعوة وهي المرحلة الأولى ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِِ)) كذا واتركوا كذا مع بيان الدليل وهؤلاء هم أكثر الناس.
2ـ أن يكون عند المدعو فتور وكسل عن الخير أو إقبال ورغبة في الشر فهذا لا يكفي معه مجرد الدعوة بل لا بد أن يضاف إليها موعظة حسنة بالترغيب في الخير والطاعة وبيان فضل ذلك وحسن عاقبته وبيان الثواب الجزيل لمن أطاع والعذاب العظيم لمن أعرض ولم يستجب.
3ـ أن يكون عند المدعو إعراض عن الخير واندفاع إلى الشر ومحاجة في ذلك فهذا لا يكفي في حقه مجرد الدعوة والموعظة بل لابد أن يضاف إليهما مجادلته بالتي هي أحسن فيحسن الداعية مجادلته ويحسن في عرض الحق عليه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية.
(الناس ثلاثة أقسام إما أن يعترف بالحق ويتبعه فهذا صاحب الحكمة وإما أن يعترف به لكن لا يعمل به فهذا يوعظ حتى يعمل وإما أن لا يعترف به فهذا يجادل بالتي هي أحسن لأن الجدال فيه مظنة الإغضاب فإذا كان بالتي هي أحسن حصلت منفعته بغاية الإمكان كدفع الصائل) انتهى كلامه.
وعلى الداعية إلى الله أن يكون حصيفاً فيبدأ بالأهم فالأهم وبالأسس التي تكون كالمقدمات لما بعدها وينتقل بالمدعوين من مرحلة إلى أخرى والموافق في هذا من وفقه الله ونفع به وحقق على يديه الخير لأمة الإسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أوجب الدعوة على عباده كل بحسبه وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الهداية المطلقة له سبحانه وتعالى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الدعاة وسيدهم صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أمــــا بــــعــــــد:
أيها المؤمنون والمؤمنات هناك أمور أساسية ينبغي أن يكون الداعية متصفاً بها ومنها:
1ـ الإخلاص لله في عمله بحيث يقصد بدعوته التقرب إلى الله ونصر دينه وإصلاح عباده بإخراجهم من الظلمات الجهل والعصيان إلى نور العلم والطاعة فإخلاص الداعي في دعوته لله تعالى أمر مهم بالنسبة لنجاحه فيها وثوابه عليها أما أن يقصد مراءاة الناس بذلك أو إصابة مال أو جاه أو كثرة تابع أو رئاسة فعمله حابط ونفعه قليل.
2ـ أن يعتقد أنه بدعوته إلى الله ـ وارث لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في نشر سنته وهديه ليكون ذلك حافزاً له على اتباعه في دعوته والصبر على ما يصيبه والحصول على الثواب الجزيل والدخول في دائرة ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)).
3ـ أن يكون ثابتاً في دعوته إلى الله تعالى راسخ القدمين لا تزعزعه المضايقات ولا يحطمه اليأس لأنه واثق من صحة طريقته مؤمل لنتيجتها فهو واثق من الحسنيين بمشيئة الله.
4ـ أن يصبر ويصابر فيصبر على ما يناله من أذى الخلق وهم المناوئون للدعوة الذين لا يريدون للخير انتشاراً وأذاهم قولي وفعلي وقد حصل ذلك للرسل عليهم الصلاة والسلام و أخبر بذلك الكتاب المنزل ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)).
والصبر درجة عالية لا تنال إلا بالأسباب التي يتجرع بها العبد مرارة الصبر ويتحمل بها مشقته ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )).
5ـ أن يسلك طريق الحكمة ويعامل الناس على قدر عقولهم فليسوا سواءً في قبول الحق والانقياد له بل يحرص على الأسلوب المناسب لعل الله أن ينفع به ولو نظرنا إلى واقعنا الذي نعيشه لرأينا أن أكثر الناس نفعاً هم الدعاة الذين وفقوا لاستعمال الحكمة ومخاطبة الناس على قدر عقولهم وعندنا مثال حي هو سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز المفتي العام للمملكة الذي طوفت شهرته مشارق الأرض ومغاربها ووضع له القبول في الأرض نسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية وأن يزيده رفعة في الدنيا والآخرة.
6ـ أن يكون الداعي عالماً بشريعة الله التي يدعو إليها وعالماً بأحوال من يدعوهم لتؤتي دعوته ثمارها على الوجه الصحيح.
7ـ أن يكون الداعي على جانب كبير من الأخلاق ليكون قدوة صالحة في العلم والعمل.
وصدق الله العظيم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ))
وما أصدق ما قيل:
يا أيها الـرجل المعلم غـيره *** هلا لا لنفسك كان ذا التعــليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا *** كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنـفسـك فانهها عن غـيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فبذاك يقبل ما تقول ويقتدى *** بالقول منك وينفع التعــليم
8ـ أن يكون الداعي وقوراً في هيئته وقوله وفعله بدون جفاء ليكون أهلاً للتوقير فلا يطمع فيه المبطلون ولا يستخفه المخلصون يجد في موضع الجد ويمزح في موضع المزاح وهنا يألفه الناس ويبثونه شكاياتهم ويتحقق على يديه من الخير ما لا يعلمه إلا الله.
عباد الله صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والقدوة المجتبى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم دمر أعداك أعداء الدين واحم حوزة المسلمين وطهر ديارهم وأحفظ أموالهم وأعراضهم يا رب العالمين اللهم إن بإخواننا في البوسنة والهرسك من البلاء والجهد والضيق والضنك ما لا نشكوه إلا إليك.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتذكرون.