خطبة بعنوان: (المخدرات وباء قاتل) 19-6-1430هــ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي كرم الإنسان وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
عباد الله إن من أجل النعم بعد نعمةَ الإسلام نعمة العقل الذي يهتدي به الإنسان إلى الخير ويبتعد عن الشر وبه يرتقي إلى سلم المجد أو يهوي إلى مستنقع الرذيلة وشتان بين أرفع المقامات وأحط الدركات.
يقول الله تعالى: [وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ].
وإن من أعظم ما ابتليت به العقول في هذا العصر فضلت وتاهت جريمةَ المخدرات ذلك الموت البطيء واللُّغم الذي يفجر حضارات الشعوب ويهدد قيمها بالزوال والخراب ويقضي على أخلاقها فتتحول إلى وحوش في غابة يفترس القوي فيها الضعيف و يُنشب المروِّجُ مخالبه في ضحاياه كما ينشب الوحش الكاسر مخالبه في فريسته من الحيوانات فتكون النتيجةُ الموتَ البطيء الذي يسبقه اختلالُ العقل إلى أن ينتهي الأمرُ به إلى الزوال.
عباد الله وإن هذه البلادَ المباركةَ التي قامت على التوحيد وفيها المقدسات وهي رمز الإسلام ومأرز الإيمان تتعرض لعداوة شديدة من قبل تجار المخدرات ومروجيها يستهدفون شباب هذا البلد ليقضوا على عقله ودينه وقد بذلوا كل وسيلة ممكنة للوصول إلى عقول الشباب والفتيات ولعل ما تابعناه جميعاً من الإعلان عن عصابة المخدرات التي خططت لجريمة نكراء وبطرق شيطانية لإدخال تلك الكميات الكبيرة من هذه السموم القاتلة إلى بلادنا ولو لا رحمةُ الله وفضلُه ثم يقظة رجال مكافحة المخدرات وبسالتهم التي أدت إلى تتبع هؤلاء المجرمين وإلقاء القبض عليهم لحدث من جراء ذلك ما الله به عليم.
وإنا لنسأل الله أن نسمع قريباً عن هؤلاء أن يلقوا جزاءهم الصارم ليكونوا عبرة لغيرهم ممن تسول له نفسه مثل أفعالهم.
عباد الله كم من الجرائم ارتكبت تحت تأثير المخدرات، وكم من الفواحش اقترفت في غياب عقل الإنسان وكم من أعراض انتهكت وكم من أموال سرقت وكم من حوادث وقعت وكم من أبدان هدَّها المرض وأوهنتها سموم المخدرات بل كم من عداوات تأججت وأسر تفرقت ونساء طلقت بسبب هذه السموم القاتلة.
أيها المؤمنون إن الأعداء يروجون أن الخلاص من نكد العيش وقسوة الحياة وهموم المعاش يكمن في جرعة مخدر لكن ذلك دجل وكذب وسراب زائل لأن الهم هنا يزيد والقلق يتفاقم والهموم تتضاعف فأي راحة وأي متعة والعقل يتردى إلى أدنى من مرتبة الحيوانات واسألوا إن شئتم المصحات النفسية ومشافي المجانين وسترون أن معظم نزلائها من متعاطي المخدرات.
لقد نادى بعضُ العقلاء من الغرب بالأخذ بتعاليم الإسلام في حراسة العقل بل نادى بعضهم صراحةً بمنع الخمر والمخدرات وهذا ما دعى إليه القرآن منذ بعثهِ محمد صلى الله عليه وسلم.
وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لطاعته فاستعملوا عقولهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة وأشهد أن لا إله إلا الله حرَّم الاعتداء على العقل وعاقب على ذلك أشد العقوبات وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القائل: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن من أهم أسباب انتشار المخدرات الفراغ القاتل لدى الشباب والصحبة السيئة التي تجر الشاب إلى الرذيلة بأيسر الطرق وكلما بُعد الشاب عن الخير وأهله تقاذفته أيدي السوء وهنا سرعان ما ينحرف ما لم يكن محصناً قوياً تتحطم عليه هذه الدعوات الجارفة ومن أسباب انتشار المخدرات العمالةُ الوافدة لا سيما من كانوا من ضعاف الدين ومن غير المسلمين فهؤلاء لا يهمهم إلا جمع المال، أما أخلاق الناس ومبادئهم فلا تشكل عندهم شيئاً وعلى وجه الخصوص العمالة في البيوت الذين يسهل اتصالهم بالشباب والفتيات ويصطادون فريستهم عن طريق المخدرات وهنا يبتزونهم مالياً وأخلاقياً عن طريق التهديد والوعيد والإحصائيات المنشورة خير شاهد على ما أقول.
ومن أسباب انتشار المخدرات السفر للخارج حيث يجدونها متاحة ميسرة بعيداً عن الأهل وعن الرقيب ثم بعد تناولها يستفحل الأمر ويصبح المتعاطي مدمناً يبحث عنها بكل وسيلة مهما غلا ثمنها.
عباد الله ولو لم يكن في المخدرات إلا أثارها الخطيرة على الفرد والمجتمع وما تورثه من البغضاء والعداوة والصد عن ذكر الله لكفى ذلك سبباً في تحريمها.
علاوة على ما فيها من آثار خطيرة على الناحية الأمنية حيث يقدم المروجون على أي جريمة لتحقيق مطامعهم ومع ذلك فهم يحاربون الله ويدمرون أخلاق المجتمع لكن عقوبتهم حاضرة معلومة فهم من أفقر الناس وأسوأهم خلقاً وأقلهم بضاعةً ومتى سقطوا في قبضت رجال الأمن نالوا جزاءهم الصارم.
والمخدرات سبب رئيس لتفكك الأسر وحدوث الطلاق وعقوق الوالدين وكثير من الجرائم التي لا تخطر على البال فكم من مدمن قتل أحد والديه وأقدم على قتل زوجته وأولاده وليس ذلك بغريب فالذي يحجز المرء عن مثل هذه الأفعال هو العقل فإذا غاب عقل المرء حدثت منه هذه الأعاجيب وغيرها لأنه يصبح أخس من الحيوانات في الغابة.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحمي شبابنا وفتياتنا من هذه السموم القاتلة وأن يوفق رجال الأمن للقبض على أيدي المجرمين العابثين الذين يريدون بهذه البلاد شراً.
اللهم من تابع هذه السموم ودل على أصحابها ووقف في طريقها وسهر لتخليص المجتمع منها من رجال الأمن وغيرهم اللهم أعنه وسدده ووفقه لكل خير واحفظه في نفسه وماله وولده وارزقه الصحة والعافية اللهم احفظ بلادنا من شر الأشرار وكيد الفجار اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لتحكيم كتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا لكل خير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. ــ وأقم الصلاة ــ.
الجمعة 19-6-1430هــ