خطبة بعنوان: (فضل الدعاء) 17-7-1430هــ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي]، وأشهد أن لا إله إلا الله وعد الداعين بالإجابة وأكرمهم بالزيادة، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أكرم من سأل ربه ودعاه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
أيها المؤمنون الدعاء سهام الليل يطلقها الراكعون الساجدون والدعاء حبل ممدود بين السماء والأرض يعرفه حق المعرفة المؤمنون الخاشعون هو الربح للمخلصين بلا ثمن وهو المغنم للقانتين بلا عناء.
هو التجارة الرابحة الذي يستوي فيه الفقراء والأغنياء لكن عظم الربح يكون على قدر حضور القلب وانطراحه بين يدي الله.
الدعاء طريق الفوز والفلاح في الآخرة وهو السبب الرئيسي للسعادة في الدنيا والآخرة بل هو الطريق لانشراح الصدر وسلامته وطهره وبعده عن الشوائب.
وقد جاء الأمر بالدعاء صريحاً في الكتاب والسنة بل جاء تسمية الدعاء عبادة قال تعالى: [وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة).
وخزائن الله ملآى يده سحاء تنفق الليل والنهار وملكه لا ينقص جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أو لكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر).
وربنا سبحانه وتعالى غفور رحيم يجود على عباده بالمغفرة مهما كانت ذنوبهم إذا رجعوا إليه تائبين نادمين صادقين جاء في الحديث القدسي: (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي).
عباد الله والدعاء علامة على تحقيق الإيمان وتمكنه في القلب لأن الداعي يتوجه إلى ربه ويدعوه فهو يوقن بأنه موجود يسمع ويقدر ويفعل ما يريد وهنا يزداد يقين الداعي وخوفه من الله وإقراره بالتوحيد الخالص لله.
والدعاء صفة الملائكة عليهم السلام لأن أهم وظائفهم التسبيح والاستغفار والدعاء للمؤمنين وصدق الله العظيم: [الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ].
والدعاء صفة الرسل عليهم الصلاة والسلام جميعاً فقد دعا آدم ربه أن يغفر ذنبه فغفر له ودعا نوح عليه الصلاة والسلام أن ينصره الله فقال: [إنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ]، فنصره الله على قومه وأهلكهم بالطوفان ودعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين أضرمت عليه النيران فقال: (حسبي الله ونعم الوكيل) فقال الله للنار: [كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ].
ودعا يونس عليه الصلاة والسلام ربه لما ابتلعه الحوت فقال: [لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ]، فاستجاب الله دعاه ونجاه من الغم وكذلك ينجي المؤمنين.
ودعا سليمان عليه الصلاة والسلام فقال: [رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ]، فأتاه الله ما طلب.
ودعا موسى عليه الصلاة والسلام عندما أدركه فرعون وقومه فاستجاب الله له وفلق البحر له وأغرق فرعون وقومه.
ودعا محمد عليه الصلاة والسلام في مواقف عديدة فاستجاب الله دعاءه وأظهر أمره ونصره على القوم الكافرين وقد ذكر الله ذلك في قصة الهجرة ومعركة بدر ويوم الأحزاب وغيرها.
والدعاء صفة المؤمنين الخاشعين والأولياء المتقين يدعون ربهم ليل نهار فيتحقق مطلوبهم وينالون مرغوبهم ويفرج الله همومهم وينفس مكروبهم وهم بذلك يتقربون إلى الله ويتعبدون بالدعاء فهو سلاحهم وهو سلوتهم في خلوتهم لأنهم يعلمون فضل الله عليهم ويعلمون حاجتهم إلى خالقهم وضعف أحوالهم وتمام غنى خالقهم ورازقهم فهم لا يستغنون عن ربهم طرفة عين.
عباد الله والناظر في أحوال الناس اليوم يرى قلة الدعاء وأن الناس يبذلون الأسباب المادية بكل عناية ودقة لكن يتهاونون بالدعاء.
والله جل وعلا أمره كن فيكون ومع ذلك كثرت الأمراض الغريبة وعمت المصائب وتنوعت الابتلاءات والناس غافلون عن اللجوء إلى ربهم والتعلق بخالقهم ومدافعة البلاء بالدعاء بقدر الاستطاعة مع بذل الأسباب المادية والصبر والمجاهدة.
والدعاء له مع البلاء ثلاث حالات فإما أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيرده بإذن الله، وإما أن يكون البلاء أقوى فيخففه الدعاء، وإما أن يتساويا في القوة فيعتلجا إلى يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم : (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء بمثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم إذاً نكثر يعني من الدعاء قال صلى الله عليه وسلم الله أكثر).
وصدق الله العظيم: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم التواب أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون بارك الله فيكم أن لإجابة الدعاء أسباباً هامة منها:
1) الإخلاص لله رب العالمين بأن يدعو المرء وهو موقن بالإجابة يعلم يقيناً أنه لا يجلب النفع إلا الله ولا يدفع الضر إلا الله ويكون حاضر القلب.
قال صلى الله وسلم موجهاً أصحابه لما سمعهم يرفعون أصواتهم بالدعاء: (أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته).
2) دوام العمل الصالح وكثرة التقرب إلى الله به في الشدة والرخاء بالفرائض والنوافل وعلى قدر ذلك تكون الإجابة للدعاء والعطية للسؤال جاء في الحديث القدسي: (ولئن سألني لأعطيته).
3) دوام الذكر في كل أحوال العبد فا الله جل وعلا يذكر من يذكره [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ].
وقال الله عن يونس [فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ].
4) أكل الحلال وتجنب الحرام فا الله طيب لا يقبل إلا طيبا وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له).
5) الإلحاح على الله بالدعاء وتكراره وإظهار الاضطرار إلى الله والافتقار إليه قال تعالى: [أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ].
6) عدم الاستعجال بالدعاء بألا يقول العبد دعوت فلم يستجيب لي بل عليه أن يستمر ويواصل الدعاء فهذا هو المطلوب منه والإجابة عند ربه إذا وجدت أسبابها وانتفت موانعها، تحقق المطلوب بإذن الله قال صلى الله عليه وسلم : (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي).
7) أن يتحرى المسلم لدعائه أوقات الإجابة مثل أو قات السحر ويوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وليلة القدر ويوم عرفة وشهر رمضان وعشر ذي الحجة.
8) أن يتحرى المسلم لدعائه الأحوال الفاضلة مثل حال السجود وحال السفر وحال الاضطرار وحال نزول المطر وكذلك يتحرى الأماكن الفاضلة مثل عند الكعبة وفي مجالس العلم والمساجد وغيرها.
9) ألا يدعو المسلم بإثم أو قطيعة رحم أو يدعو وهو غافل أو حال المعصية أو غير ذلك من موانع الإجابة.
أيها المؤمنون احرصوا على الدعاء والجأوا إلى الله في سائر أحوالكم فيا من نزلت به ضائقة أقضت مضجعه أنزلها بخالقك وانطرح بين يديه بتذلل وخضوع وخشوع وحضور قلب.
يا من أصيب بحبيب أو قريب أو خسارة الجأ إلى الله، ويا من يخطط لمشروع تجاري أو اجتماعي اسأل الله جل وعلا الإعانة والتوفيق، ويامن تريد صلاح الولد الجأ إلى الله فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، ويامن ابتلي بزوجة تنغص عليه حياته أو ابتليت بزوج يكدر صفو حياتها الجأوا إلى الله فبيده مفاتيح الفرج وقولوا يا فرجنا إذا غلقت الأبواب ويا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب أعطنا ولا تحرمنا ووفقنا لخيري الدنيا والآخرة.
اللهم أصلح لنا شأننا كله وألطف بنا وتجاوز عنا واغفر لنا ولوالدينا. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا وارفع درجاتنا وأدخلنا الجنة بغير حساب.
اللهم إنا نسألك مرافقة حبيبنا بالجنة اللهم لا تحرمنا فضل ما عندك بسوء ما عندنا يا كريم.
عباد الله هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال جل في علاه [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً]
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. وأقم الصلاة ــ.
الجمعة : 17-7-1430هــ