خطبة بعنوان: (الجريمة النّكراء وإفلاس الإرهاب) 14-9-1430هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي فضح المجرمين وحمى عباده المؤمنين وأشهد أن لا إله إلا الله الحكيم العليم له في كل خلقه أسرار لا يعلمها إلا مبدع الكون وخالق الناس أجمعين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله حرم الغدر وأخبر أن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله فالتقوى عدة المؤمنين وسلاح الموحدين وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
أيها المؤمنون ذكرنا في الجمعة الماضية أن الإرهاب أخذ شكلاً جديداً في جريمة الاعتداء على صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية وحيث تكشفت بعض الحقائق فإننا في هذا اليوم نبين إفلاس الإرهاب وتورط أصحاب هذا الفكر بمثل هذه الجرائم التي لا يقرها شرع ولا عقل ولا فطرة وتأباها النفوس الأصيلة ولا يقدم عليها إلا من سقط في المستنقع الآسن وأقف مع هذا الحدث الخطير وقفات سريعة أوجه خلالها رسائل إلى كل الشرائح المعنية في المجتمع التي لها صلة بالحادثة فأقول:
أولاً: أوجه رسالة إلى أصحاب الفكر الضال الذين جمعوا في مثل هذه الحادثة بين كبائر الذنوب وعظائم الإجرام ومن ذلك الغدر والخيانة وانتهاك حرمة المسلم والعدوان والظلم و قتل النفس والكذب والتزوير والغش والخداع وأذية المؤمنين وترويع الآمنين ونقض العهد وعقوق الوالدين وتقطيع الرحم والتعاون على الإثم والعدوان وبهذه العظائم المجتمعة المتمثلة في هذه الجريمة الغادرة يعلن الإرهاب إفلاسه ويتضح لكل ذي بصيرة كيف يستهدف هؤلاء اغتيال الوطن وتدمير المكتسبات وزج الناس في حمأة الفساد وخلق جو من الفوضى لا لشيء إلا خدمة للأعداء وحقداً على الأبرياء وانتقاماً للذوات وتغذية للفكر الضال.
لقد عبث الإرهابيون في نصوص الدين وأيقظوا شياطين الفتنة وأشغلوا الأمة واسترخصوا الدماء ومع ذلك فا الله جل وعلا فضحهم أعظم فضيحة في هذه الجريمة العلنية السافرة حيث فارق هؤلاء الجماعة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) رواه أحمد وأبو داود.
وحملوا السلاح على الناس والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ثانياً: الرسالة الثانية إلى رجل الأمن المستهدف أميرنا المحبوب فأقول حمداً لله على سلامتك وأسأل الله جل وعلا أن تكون سلامة تكسب بها عملاً صالحاً.
ومن أفضل العمل وأقربه إلى الله متابعة هؤلاء وقطع دابرهم وكف شرهم عن المسلمين,
لقد استهدفك هؤلاء أيها الأمير الموفق لأنك توليت ملفاتهم وتابعت هذا الفكر واتخذت معه أسلوباً بهر الجميع أسلوب المناصحة والاحتواء وتفكيك الخلايا وفتح باب العودة إلى جادة الصواب والأخذ بمبدأ عفى الله عما سلف فاستطعت بحكمتك وحنكتك نقض غزل الأيادي الآثمة من بعد قوة أنكاثاً وقد أزعجت نتائج عملك معهم رؤوس الفتنة ومروجي هذا الفكر حيث تهافت العشرات من التائبين واعترفوا بأخطائهم ونقلوا ذلك علناً لغيرهم كل ذلك أيها الأمير دفع هؤلاء الظالمين أن يخططوا لتصفيتك والتخلص منك لأنهم رأوا أنك عدو الإرهاب الأول وصانع ملحمة التخلص منه بأيسر التكاليف وأسهل الطرق.
فسر على بركة الله فكل مسلم يؤيدك ويدعو لك بل كل عاقل رشيد . ويكفيك شرفاً وفخراً هذا التعامل الراقي مع هذا المفجر الذي قتل نفسه وغيره حيث ظهرت أمور كنت تعملها في الخفاء قربة إلى الله واحتساباً لكن الله أراد بك خيراً فنشر فضلك على أيدي أعدائك فحمداً لله على سلامتك وأسأل الله أن يزيدك من الإيمان والهدى وأن تبقى حصناً حصيناً لكل صادق مخلص لدينه وبلاده وقيادته وأن تكون ممن يضرب بيد من حديد كل من يريد بالبلاد والعباد شراً لقد عوفي الأمن إذ عوفيت ورد الله كيد الحاقدين إلى نحورهم وسلمت ذخراً لدينك وبلادك وقيادتك ومواطنيك.
ثالثاً: الرسالة الثالثة إلى كل مؤمن صادق ومواطن صالح أقول إن على كل واحد منا واجباً يمليه عليه دينه ويتحتم عليه القيام به وذلك بأن نتعاون جميعاً للوقوف في وجه هؤلاء العابثين وقطع الطريق عليهم وفضح أوكارهم، والإبلاغ عن أي مظهر من مظاهر هذا الفكر من أجل علاجه فمن المسلمات أن الوقاية خير من العلاج فربنا جل وعلا أوجب التعاون على الخير وحرم التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ].
فعلينا جميعاً أن نجتث هذا الوباء بكل وسيلة شرعية متاحة وعلينا أن نكون سنداً وعوناً وظهيراً لرجال الأمن لنكمل جهودهم فكل منا رجل أمن كما أكد ذلك كثيراً ولاة الأمر في هذه البلاد كما يجب على القطاعات التعليمية والإعلامية والتربوية والدعوية أن تصوغ خطاباً حضارياً يواكب المرحلة الحرجة التي نمر بها وهذا الخطاب بإذن الله سيحول دون خطابات التخذيل ويقضي على الخطابات المشبوهة فالفكر يعالج بالفكر والحجة بالحجة ولا عذر بعد ذلك لرجال التربية ورجال الإعلام وأئمة المساجد وخطبائها فقد بلغ السيل الزبى وتجاوز الحزام الطبيين وصدق الله العظيم: [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أظهر الحق وأزهق الباطل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فيا أيها المؤمنون نستكمل وجهة نظرنا حول آخر حلقة من حلقات الإفساد للفكر الضال تلك الجريمة التي كدرت على الخاشعين الراكعين الساجدين في شهر الطاعة والعبادة فنقول:
رابعاً: الرسالة الرابعة أوجهها إليكم أيها الجمع المبارك فأقول إن من أعظم الدروس التي ظهرت لنا من هذه الجريمة البشعة ما يأتي:
1_ هذه الحادثة أظهرت لنا النجاح الكبير الذي حققته هذه البلاد في تعرية الإرهاب واستئصال جذوره.
2_ أن المعركة التي يديرها هؤلاء الإرهابيون موجهة لصدر كل مؤمن صادق غيور على دينه حيث لم يسلم من شرهم أحد.
3_ لقد تميز علاج هذا الفكر في بلادنا حيث لم يقتصر على الجانب الأمني مع قدرة الدولة على حسمه ولله الحمد بل يتركز العلاج في البداية على دحض حجج أصحاب الفكر وذلك بعرضهم على أهل العلم وذلك بمناقشتهم ومناصحتهم وبيان خطورة ما يسيرون فيه ولذا تراجع كثيرون منهم بفضل الله ثم بفضل هذا الأسلوب الراقي الذي يقطع الطريق عليهم ويقيم الحجة ويظهر المحجة.
4_ في هذه الحادثة تأييد من الله ظهر جلياً حيث تمكن المجرم من الوصول إلى المجلس وقابله الأمير بكل صدق وإخلاص لكن الله رد كيد الظالم إلى نحره فقتل نفسه وحفظ الله الأمير وهذا فيه تأييد لكل مخلص صادق وهو نعمة تستوجب الشكر لمن أنعم بها فله الفضل سبحانه.
5_ في هذه الحادثة درس عملي لكل داعية إلى الخير ومريد للحق أن الله معه يسدده ويحفظه و أيضاً تحذير لكل مفسد يريد شراً فقد بلغ التخطيط الإجرامي مبلغه ومع ذلك أبطل الله كيد المجرم وحفظ المؤمن الصادق ولم تكن الحماية من الجنود ولا الجدران لكن لطف الله وحفظه ظهر واضحاً فالحمد لله أولاً وأخراً وظاهراً وباطناً.
6_ أظهرت هذه الحادثة الفرق الكبير والبون الشاسع بين أخلاق الأمير محمد وهذا المجرم الغادر فالأمير يؤمنه ويدعو له ويحرص على والديه ويشجعه على الخير وهذا الغادر يبطن الشر والغدر والخيانة والانتقام ويتعمد الكذب ويشوه الحقائق ويتربص بالمؤمنين الدوائر فإلى الله المشتكى من عواقب هذا الفكر العفن الذي يغطي العقل كما تغطي المواد المخدرة والمسكرة عقول المدمنين والسكارى.
7_ في هذه الحادثة درس واضح لأولئك المتعاطفين معهم الذين يلوكون أعراض المؤمنين ويتكلمون في العلماء والدعاة ورجال المناصحة فنقول لهم قد ظهر الحق وانكشف المغطى وتبين الصبح لذي عينين فإلى متى تتعاطفون مع هؤلاء المجرمين وإلى متى تظنون بأهل العلم ظناً سيئاً أبعد هذه الجريمة وهذا الغدر يبقى تعاطف مع هؤلاء.
أيها المؤمنون إن المسؤلية علينا جميعاً أن نتعاون ونتكاتف كل حسب استطاعته وإذا صدقنا مع ربنا ومع أنفسنا ووقفنا في وجه هذا الفكر ورؤوسه ورموزه وأفراده تحقق الخير لمجتمعنا فنحن مطالبون بأن نأخذ على أيدي السفهاء لئلا يخرقوا سفينة المجتمع.
هذا صلوا وسلموا على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك و المشركين اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره اللهم ومن أراد علماءنا وولاة أمرنا ومقدساتنا وشبابنا وفتياتنا بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره وافضحه في جوف بيته اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنعمت به على سمو الأمير اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية وزده من الإيمان والهدى ومكنه من رقاب الظالمين المعتدين الذين يريدون بالدين والبلاد والعباد شراً اللهم احفظه وسائر ولاة أمرنا وعلمائنا من بين أيديهم ومن خلفهم ووفقهم لكل خير .
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ].
الجمعة : 14-9-1430هـ