خطبة بعنوان: (واجبنا حول الاعتداء على بلادنا) 25-11-1430هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي القوة المتين أعز الإسلام والمسلمين و أذل الشرك والمشركين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرم الظلم وجعله بين العباد محرماً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المرسلين وقدوة الصالحين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (آل عمران: الآية102).

أيها المؤمنون لقد أهلك الله أقواماً كثيرة ظلموا وتجاوزوا وتعدوا على غيرهم فالقوة لله وحده، الخلق خلقه والأمر أمره والله جل وعلا يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، الخلق يجوعون فلا يطعمهم إلا الله ويعطشون فلا يسقيهم إلا الله، ويشردون فلا يؤويهم إلا الله.
كل الناس محتاجون إليه سبحانه، هو الذي خلقهم من ضعف، هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، والله وحده يدافع عن الذين آمنوا وينصر عباده المؤمنين.
قال الله تعالى: [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ](هود: الآية 102).

وقال تعالى: [وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ](إبراهيم:الآية 42).
وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) (رواه مسلم).
وعنه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا)(رواه مسلم).

نعم إن الظلم ميراث الأشقياء وصفة البغاة، والعدل ميراث الأنبياء وصفة الصالحين التقاة.
أيها المؤمنون الظلم تحدٍ لله وتطاول على أحكامه، وإذا كان الظلم على مجتمع بأسره فهو أشد لأنه زعزعة للأمن والاستقرار، ونشر للباطل واعتداء على الأنفس والأعراض والممتلكات، وإن النفوس الكريمة تمج الظلم، والعقول الراشدة تنكره، وكل الخلق يأبونه ويرفضونه لأنه يشوه الحياة ويحيلها إلى جحيم وصراع، فلا يطيق له الناس احتمالاً، ولا يستطيعون عليه صبرا.

وإن ما حدث في هذا الشهر المبارك وهو أحد الأشهر الحرم التي عظمها الله جل وعلا من اعتداء على الحدود الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية مأرز الإيمان، ومنطلق الرسالة، ومحضن المقدسات، وقبلة المسلمين يعتبر من أشنع الظلم وأخسه لأنه انتهاك سافر للحقوق المصونة واعتداء ظالم على أرواح وأبرياء آمنين مستقرين في بلادهم يصومون ويصلون ويعبدون الله لا ذنب لهم إلا أنهم يقولون ربنا الله، ويسكنون ثرى هذا البلد المبارك، وحيال هذا الحدث سأقف معكم أيها الإخوة وقفات سريعة توجيهاً ونصحاً وبراءة للذمة وأداء للواجب الذي أناطه الله بأهل العلم والدعوة فأقول:

أولاً: المملكة العربية السعودية فيها حرمُ الله الأمن ومهوى أفئدة المسلمين، وقبلتهم هي قلب العالم النابض، فالدفاع عنها شرف وعز وفخر وهو واجب شرعي.

ثانياً: بلادنا الغالية تمديدها للقاصي والداني، تبذل الخير وتساعد المحتاج
وتغيث المنكوب، أنعم الله عليها بنعم عظيمة وهذا من فضل الله على قيادتها وشعبها.

ثالثاً: هذا الاعتداء على بلادنا انتهاكً للحرمات وخيانة للعهود وإخلال بالمواثيق واعتداء على حقوق الجوار، فهو جريمة وظلم بكل المقاييس ولذا فردع الظالم مسئوليتنا جميعاً كل حسب استطاعته.

رابعاً: هذا الاعتداء لا وجه له ولا مبرر أبداً، فالحدود كانت آمنة وبلادنا علاقاتها مع الإخوة في اليمن على أحسن الوجوه والحالات، لكن هؤلاء يريدون تعكير الصفو وتكدير الأحوال فلجأوا إلى مثل هذه الاعتداءات السافرة الظالمة.

خامساً: أوصي إخواني المرابطين والجنود البواسل بالإخلاص والاحتساب، وأهنئهم على هذا الشرف الغالي وأذكرهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(رواه الترمذي، وصححه الألباني في المشكاة ج2 رقم3829 ).

سادساً: أشد على أيدي الجنود البواسل بجميع فئاتهم وقطاعاتهم وأقول لهم اعلموا أنكم لا تدافعون عن أنفسكم بل تدافعون عن الدين والمقدسات والبلاد والأنفس والأعراض والحرمات، فاحمدوا الله أن رايتكم شرعية، وقد هيأ الله لكم هذه الفرصة فأروا الله من أنفسكم خيراً، فكل دقيقة وثانية تقضونها في الجبهات ستكتب لكم بحول الله وقوته.

سابعاً: على كل مسلم صادق يؤمن بالله واليوم الآخر في أي مكان من أرض الله الواسعة أن يدعو للمظلومين الذين يدافعون عن أنفسهم ويردون ظلم المظلومين وأن يدعو على الحوثيين الظالمين ومن يعينهم ويناصرهم ويرضى بفعلهم.

ثامناً: ارفعوا أيها المؤمنون دعوات صادقة في صلواتكم وسائر أوقاتكم بأن ينصر الله أهل الحق الذين يدافعون عنكم وعن مقدساتكم، وأن يحميهم ويحفظهم من كل سوء ومكروه، وأن يردهم إلى أهليهم سالمين غانمين، وأن يربط على قلوبهم، وأن يجعلهم شوكة في قلوب المعتدين الظالمين.

تاسعاً: أوصي الجميع بالرجوع إلى الله والصدق معه، والبعد عن المعاصي والذنوب لأن الأعداء يتسلطون كلما بعد الناس عن دينهم وضيعوا أمر الله.

عاشراً: أوصي الشباب خاصة ألا ينساقوا خلف ما تنشره بعض وسائل الإعلام وخصوصاً ما ينشر عن طريق الشبكة العنكبوتية، فهذا معظمه حماقات وسخافات وكذب وتزوير وقلب للحقائق، وعليهم أن يأخذوا الأخبار عن هذه الاعتداءات وعن ما يقوم به الجنود البواسل من المصادر النزيهة الواضحة، فالأمر جد خطير ويحتاج إلى أن نتعاون ونتآزر ونضع أيدينا في أيدي ولاة أمرنا وعلمائنا، وأن نحذر ممن يندسون في الصف لتفريق الكلمة وزعزعة البنيان، وصدق الله العظيم: [إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ] (الحج الآية 38).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاعلموا رحمكم الله أن هذه الأيام أيام مباركة، وأنكم مقبلون على موسم عظيم شرع الله فيه من العبادات ما لم يشرعه في غير هذه الأيام، ففيها الحج إلى بيت الله الحرام، وفيها التقرب إلى الله بذبح الهدايا والأضاحي، فاغتنموا ــ بارك الله فيكم ـــ هذه الأيام الفاضلة بكثرة العمل الصالح، واستغلوها بطاعة الله من صيام وصدقة وذكر ودعاء وتلاوة للقرآن، فعشر ذي الحجة من أفضل أيام السنة على الإطلاق، قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشيء)(رواه البخاري)، فأروا الله من أنفسكم خيراً.

ومن لم يحج فعليه أن يبادر إلى الحج لأنه لا يدري ما يعرض له وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)(رواه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 2957).

وعليه أن يخرج تصريحاً للحج، وليحذر من التحايل على الأنظمة فهو يتقرب إلى الله فكيف يقع في المخالفات.

ومن أراد أن يضحي عن نفسه وأهل بيته فلا يأخذ من شعره وظفره شيئاً إذا دخل شهر ذي الحجة.

واحرصوا على التكبير بعد ثبوت دخول شهر ذي الحجة ومن لم يعزم على الحج فليحرص على صيام يوم عرفة فهو يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، ولنا حديث حول الحج والأضحية في الجمعة القادمة إن شاء الله تعالى.

هذا وأكثروا من الصلاة على نبيكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم اربط على قلوب جنودنا البواسل وأمدهم بعونك وتوفيقك.
اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم.
اللهم وسدد رميهم ووحد صفهم وازرع الرعب في قلوب أعدائهم.
اللهم رد كيد المعتدين إلى نحورهم، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ولاة أمرنا أو أراد علماءنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

اللهم قوِّ عزائم جند الإسلام الذين يدافعون عن الدين والمقدسات والأعراض والبلاد والحرمات،اللهم احفظ من كان منهم في الجو، ومن كان في البحر، ومن كان في الأرض.
اللهم إنك حرمت الظلم وجعلته بين العباد محرماً وإن الحوثيين ومن يعينهم ظلموا واعتدوا وبغوا وقتلوا، اللهم اقتلهم بسلاحهم واملأ قلوبهم خوفاً وهلعاً ورعباً.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وبلادنا وقيادتنا واجتماعنا يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90).
ـ وأقم الصلاة ـــ.
الجمعة: 25-11-1430هـ
جامع عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)