خطبة بعنوان: (الاستسقاء) 15-6-1415هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة وأشهد أن لا إله إلا الله شرع صلاة الاستسقاء عند الجدب والقحط وتأخر نزول الأمطار في بعض ديار المسلمين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من دعا ربه على كل حال صلى الله عليه وآله وسلم. أمــا بـــعــــد:

فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واعلموا أن الله شرع صلاة الاستسقاء لأن النفوس مجبولة على طلب ممن يغيثها وهو الله وحده وكان ذلك معروفاً في الأمم الماضية وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد ورد في الكتاب العزيز [وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ].

وقد استسقى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله مرات متعددة وعلى كيفيات متنوعة وكلها مشروعة.

فللمسلمين أن يستسقوا تارة بالصلاة جماعة أو فرادى وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة وتارة بالدعاء عقب الصلوات وتارة أثناء السجود يدعون بنزول الغيث بعد التسبيح سراً.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الاستسقاء ومما نقل من الكيفيات.

(أنه دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعو الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم وقال اللهم أغثنا ثلاث مرات وكانت السماء صحواً فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت وأمطرت ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته).

ومرة كان في غزوة ونقص عليهم الماء فاستغاث الله عز وجل فأنشأ الله مزنا فأمطرت وسقاهم ورووا.

ومرة ثالثة دعا الله سبحانه وتعالى أن يسقيهم فقام أبــو لــبـابـه رضي الله عنه وكان فلاحاً (فقال يا رسول الله إن التمر في البيادر ـ وهو ما يجمع فيه التمر لييـبس ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أسقنا حتى يقوم أبو لبابه فيسد ثعلب مربده بإزاره ــ وثعلب المربد هو الفجوة التي يدخل منها السيل إلى البستان ــ ثم أمطرت السماء وخاف الناس من فساد التمر فجاءوا إلى أبي لبابه وقالوا اذهب إلى مربدك وسده بإزارك ليقف المطر فذهب فسده بإزاره فوقف المطر) وهذا من آيات الله وهو معجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم .

إخوتي في الله ونظراً لجهل الكثيرين بأحكام صلاة الاستسقاء فقد رأيت أن أُلخصها في هذه الخطبة بمناسبة الاستسقاء يوم الاثنين القادم إن شاء الله فأقول/
1ـ ينبغي أن يخرج الناس لصلاة الاستسقاء الصغار والكبار والرجال والنساء لكن من يخشى منها الفتنة فلزوم بيتها أولى لها وهنا ينبغي للمسلم أن يحرص فيخرج بأطفاله معه ليتدربوا ويتعلموا ويدعوا فلعلهم أن يجابوا.

2ـ إذا أراد المسلم الصلاة فينبغي أن يسبقها التخلص من مظالم الخلق والعبد عن الشحناء والخلاف ويقدم صدقة للفقراء والمساكين ويصدق في توبته ويكثر من الاستغفار.

3ـ يخرج المسلم خاشعا متذللاً ضارعاً إلى الله مظهراً الخوف والخشية عكس خروجه لصلاة العيد.
قال ابن عباس رضي الله عنهما (خرج النبي صلى الله عليه وسلم الاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً) قال الترمذي حديث حسن صحيح.

4ـ تصلى صلاة الاستسقاء في الصحراء.

5ـ صلاة الاستسقاء ركعتـيـن بلا آذان ولا إقامة ــ يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح ست تكبيرات يقول بين هذه التكبيرات * سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وصلى الله والسلام على نبينا محمد أو يـقــول الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلاً و صلى الله على نبينا محمد ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة الانتقال من السجود.

ويرفع يديه مع كل تكبيرة وإذا فاتت المأموم بعض التكبيرات أو كلها لم يقضيها بل يركع مع الإمام, وإذا فاته ركعة كاملة قضاها على صفتها وإن فاته ركعتان ودخل مع الإمام قبل السلام قضاهما على صفتهـما وإن جاء والإمام يخطب جلس وليس عليه صلاة. ويقرأ الإمام في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى.

وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية أو في الأولى بسورة ــ ق ــ وفي الثانية بسورة ــ القمر ــ.
ثم يخطب خطبة واحدة يكثر فيها من الثناء على الله والاستغفار والتوبة وبعد الخطبة يستقبل القبلة ويدعو بما شاء ثم يحول رداءه تفاؤلاً بتغيير الحال من الجدب إلى المطر وليس لصلاة الاستسقاء نافلة قبلها ولا بعدها على الصحيح من كلام أهل العلم إلا إن صلاها المسلمون في المسجد كوقت المطر فيصلي ركعتين هما تحية المسجد إذا دخل ولا يصلي بعدها شيئا.

6ـ يرفع المسلم يديه حال الدعاء رفعا عاليا ويدعو بمجامع الدعاء وحتى حال الخطبة إذا استسقى الإمام يوم الجمعة ينبغي للمأموين رفع أيديهم والتأمين على دعاء الإمام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون فاستغفروا الله يغفر لي ولكم وهو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونصلي ونسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: أمــا بــعـــد:

فيا إخوة الإسلام لابد من إصلاح الشأن مع الله لتستقيم الحال ويلطف اللهُ بالعباد وقد ذكر أهل العلم أن الإمام عند الاستسقاء ينبغي أن يعظ الناس ويأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم وترك التشاحن ويأمرهم بالصيام والصدقة ولنا وقفة حول ــ مسـألة الشحناء بين الناس لأنها من أعظم الأسباب المانعة للغيث ونزول الأمطار فنقول ينبغي للإمام أن يأمر الناس بترك التشاحن فيما بينهم وهي الشحناء والعداوة والبغضاء لأن التشاحن سبب لرفع الخير ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم ليخبر أصحابه بليلة القدر فتلاحا رجلان من المسلمين فرُفعت: يعني رفع العلم بها يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُنسيها من أجل التشاحن.

ولذا إذا كنا صادقين في طلب الخير من الله وطلب السقيا والرحمة فينبغي أن نترك التشاحن والطريق إلى ذلك سهل ميسور:

أولاً: إذا أردت أخي المسلم أن تتخلص من الشحناء مع إخوانك المسلمين فتذكر ما في بقائها من المأثم وفوات الخير حتى إن الأعمال تعرض على الله يوم الاثنين والخميس فإذا كان بين اثنين شحناء قال أنظر هذين حتى يصطلحا.
فالرب جل وعلا لا ينظر في عملك يوم الاثنين والخميس إذا كان بينك وبين أخيك شحناء.

ثانيا: اعلم أن العفو والإصلاح فيه خير كثير للعافي ولا يزيدك هذا العفو إلا عزاً ورفعة في الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم (ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً).

ثالثا: واعلم أيضاً أن الشيطان وهو عدوك الأول هو الذي يوقد نار العداوة والشحناء بين المؤمنين لأنه يحزنه أن يرى المسلمين متألفين متحابين ويفرحه كثيراً إذا رآهم متفرقين تسودهم العداوة والشحناء والبغضاء.

فعليك أخي المسلم أن تجاهد نفسك ولو أهنتها في الظاهر فإنك تعزها في الحقيقة لأن من تواضع لله رفعه وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا.

وجَّرب أخي المسلم ذات مرةٍ تجد أنك فعلت هذا الشيء وعفوت وأصلحت ما بينك وبين إخوانك تجد أنك تعيش في راحة وطمأنينة وانشراح صدر وسرور قلب ومتى كان في قلبك حقد على إخوانك أو عداوة فإنك تجد نفسك في هم وضيق ونكد فأصلح أخي المسلم وأنتِ يا أختـي المسلمة ما بينكم وبين الله وما بينكم وبين عباد الله واغسلوا قلوبكم من الحقد والحسد والضغينة لعل الله أن يلطف بنا ويرحمنا ويتقبل منا.

هذا و صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال تعالى [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجمعة: 15-6-1415هـ