خطبة بعنوان: (الكسوف والخسوف -توجيهات وأحكام-) 15-1-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض كل شيء لا يخرج عن أمره وتدبيره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من آياته الشمس والقمر والنجوم والأفلاك يسيرها كيفما شاء، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله كان إذا حزبه شيء فزع إلى الصلاة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فا تقوا الله عباد الله فالتقوى مفتاح كل خير وهي وصية الله للأولين والآخرين [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ](النساء:131).
أيها المؤمنون الشمس والقمر آيتان من آيات الله يدلان على عظمة الخالق قال تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ] (فصلت 37).

ويحدث الكسوف للشمس والخسوف للقمر، فتنتبه النفوس الغافلة، وتعود القلوب الشاردة، وترجع العقول المعرضة، ويتبين لها كيف يتصرف الخالق العظيم في كل هذا الكون بقدرته كيفما يشاء.
وكسوف الشمس ذهاب شعاعها أو نقصانه وتغيره إلى سواد في المرآى، وخسوف القمر ذهاب ضوئه كله أو بعضه.
إن الكسوف والخسوف آية من آيات الله يخوف الله بها عباده ويختبرهم فينظر من يحدث منهم توبة.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت (خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاَةِ»)(رواه مسلم).

أيها المؤمنون ولمسيس الحاجة لمعرفة شيء من أحكام صلاة الكسوف أحببت أن أذكر شيئاً منها لأني لاحظت حصول بعض الملاحظات ليلة البارحة حينما خسف القمر فأقول مستعيناً بالله.
1) لا ينبغي الإعلان عن الكسوف والخسوف لأن ذلك يجعل الأمر عادياً عند الناس، وهنا لا يحصل التأثر المقصود في تغير حال هاتين الآيتين.

2) لا ينبغي العمل بما يعلن في بعض وسائل الإعلان بالنسبة لصلاة الكسوف بل المعتمد رؤية ذلك بالعين المجردة، فلو ثبت الكسوف أو الخسوف في بلد ولم يظهر في بلد آخر فمن ظهر في بلده صلى ومن لم يظهر في بلده فلا يصلي.
وهكذا لو حال دون القمر سحاب فلم ير القمر ولا يعلم هل هو خاسف أو لا فلا نصلي حتى نراه.

3) تسن صلاة الكسوف جماعة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تصلى فرادى في البيوت، والاستراحات، وغيرها لأنها نافلة.
4) يشرع أن ينادى لها بـ (الصلاة جامعة) ويرفع الصوت بهذا النداء ويكرره ليحضر إلى المسجد من يرغب في الصلاة، ولا يلزم أن ينادى المؤذن أو الإمام، بل من جاء إلى المسجد وقد حصل الكسوف أو الخسوف فينادى للصلاة.

5) تشرع صلاة الكسوف والخسوف في حق النساء لما روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي فقالت ما للناس فأشارت بيدها إلى السماء وقالت سبحان الله فقلت آية فأشارت أي نعم).

6) يبدأ وقت صلاة الخسوف من ابتداء الخسوف وظهوره للناس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِىَ)(رواه مسلم).
وبعض الناس استعجل ليلة البارحة فصلى قبل أن يتبين الخسوف.

7) إذا صلى صلاة الخسوف ولم يحصل التجلي فهنا لا يعيد الصلاة بل يستمر يذكر الله ويستغفر ويدعو ويقرأ القرآن حتى ينجلي.

8) لا تقضى صلاة الكسوف بعد التجلي لفوات محلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ)(رواه البخاري).

9) يسن أن يطيل القراءة في صلاة الكسوف، وكذا الركوع والسجود لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصدق الله العظيم: [قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ](القصص الآية: 71، 72).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم أنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله القائل: [وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ](القصص الآية 73)، والصلاة والسلام على من خرج يجر ثوبه فزعاً للمبادرة في صلاة الكسوف القائل: (فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى الصلاة) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاعلموا أيها المؤمنون أن من أحكام صلاة الكسوف ما يأتي:
10) لا يسن لهذه الصلاة الاغتسال لأن النبي صلى لله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لها، بل بادروا لفعلها، والغسل يتنافى مع سنية المبادرة للصلاة.
11) ويسن أن يعظ الإمام أو أحد المأمومين المصلين ويبين لهم الحكمة من الكسوف ويذكرهم ويأمرهم بالاستغفار والدعاء وقراءة القرآن وغيرها من الطاعات.

12) ويستحب أن يكثر الناس من الدعاء والاستغفار والقراءة والصدقة والتقرب إلى الله بما يستطيعون من النوافل لقوله صلى الله عليه وسلم: (..فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا)، وفي رواية (فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) (رواه البخاري).
13) لا تدرك الركعة إلا بإدراك الركوع الأول منها، أما الركوع الثاني فهو تابع للأول، فمن جاء والإمام قد رفع من الركوع الأول وبدأ بالقراءة فعليه أن يصلي ركعة كاملة بركوعين بعد سلام الإمام.

14) كان الاعتقاد السائد في الجاهلية أن الكسوف إنما يحدث لموت عظيم أو ميلاد عظيم،واعتقد المنجمون أن لذلك تأثيراً في العالم وهذا ما جعل بعض الكفار يعظمون الشمس والقمر، بل عبدهما بعض الكفار، وقد أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخرافة وبين الحق في هذا الأمر، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ)(رواه البخاري).

15) المـتأمل في ظاهرة الكسوف يقف على حقائق ثابتة تدفع النفس إلى التوحيد الخالص من كل شبهة والعمل على طاعة الله والبعد عن المعاصي والذنوب، فهذا النور بالنهار والليل يتغير فجأة ويتحول النور إلى ظلام، هذا كله يدعو الإنسان للرجوع للخالق والتوبة والإنابة والتخلص من المظالم.
جعلنا الله وإياكم من المتعظين المعتبرين الذين يقفون عند آيات الله يتأملون ويعتبرون فيزيدهم ذلك إيماناً ورجوعاً إلى الله.

هذا وصلوا وسلموا على صاحب اللواء المعقود والحوض المورود محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا اللهم أدم علينا نعمة الصحة والعافية.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو ولاة أمرنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم احفظ المرابطين على حدودنا الجنوبية وأعنهم وسددهم واربط على قلوبهم.
اللهم اجعل الدائرة تدور على أعدائهم.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90). ـ وأقم الصلاة ـ.
الجمعة: 15-1-1431هـ