خطبة بعنوان: (جرائم الإرهاب في ميزان الإسلام) 10-4-1431هـ.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا] (الأحزاب الآية 70، 71، 72).
أيها المؤمنون سرَّنا كثيراً ما سمعناه خلال هذا الأسبوع من الإعلان عن الجهود الأمنية الجبارة حول متابعة أفراد الفئة الضالة والكشف عن بعض مخططاتهم الإجرامية، وهذا كله بفضل الله جل وعلا ثم بفضل جهود رجال الأمن الكبيرة التي كانت سبباً في دفع كثير من الشرور قبل وقوعها، وقد رأينا وسمعنا جميعاً نماذج من التخطيط والترتيب الذي ينوي هؤلاء المجرمون فعله إفساداً وترويعاً وهم بذلك يخدمون أعداء هذا الدين وأعداء هذه البلاد، ويجرون على أنفسهم ومجتمعهم الشر، ويسيئون لبلادهم التي أعطتهم الكثير، ويستغلون ما تقدمه هذه البلاد المباركة من تسهيلات للحجاج والمعتمرين، فإلى الله المشتكى من ضيع هؤلاء.
عباد الله إن الأفعال الإرهابية بأنواعها المختلفة من ترويع ونشر للرعب وإلحاق الضرر بالآخرين وقتل النفس والاعتداء على حرمة المال كل هذه الأفعال محرمة أشد التحريم في شريعة الإسلام، بل إن كل فعل منها يعتبر جريمة شنعاء تستحق العقوبة العاجلة سداً لباب الجريمة ومحافظة على المجتمع.
والأدلة على ذلك كثيرة جداً في الكتاب والسنة قال تعالى: [إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ](المائدة الآية 33). وقال تعالى: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً] (النساء الآية 93). وقال تعالى: [وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ] (الأنعام الآية 151).
وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)(رواه البخاري). وقال صلى الله عليه وسلم: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)(رواه البخاري ومسلم واللفظ له). وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا)(رواه البخاري ومسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)(رواه البخاري).
أيها المؤمنون الإرهاب نشر للرعب بين الناس، وإتلاف للأنفس والأموال والممتلكات، وترويع للآمنين، واعتداء على أصحاب الحقوق، وخروج على ولي الأمر، وكل ذلك إفساد في الأرض، وقد حرم الله الإفساد في الأرض، قال تعالى: [وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ](الأعراف: الآية 56).
وقال تعالى: [وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ](القصص: الآية77).
وفي الأعمال الإرهابية تفريق للمسلمين وتشتيت لجماعتهم وخروج على إمامهم، والله جل وعلا يقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ](السناء الآية 59).
وقال صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ)(رواه البخاري ومسلم واللفظ له).
وفي هذه الأعمال الإرهابية تدمير للطاقات وتشتيت للجهود وتبديد للمكتسبات وتأخير لمسيرة الإصلاح وخذل للدعوة وفتح لباب الشر وإيجاد للتخريب والصراعات التي تخدم الأعداء.
وفي هذه الأعمال الإرهابية قتل لرجال الأمن الذين يحافظون على سلامة المجتمع، وإني أسأل كل عاقل منصف ما ذنب هؤلاء المرابطين لمصلحة البلاد؟ ولماذا يعتدي عليهم هؤلاء؟ كيف ييتمون أطفالهم؟ ألا يخافون من الله؟ أيظنون أن هذا سيثنيهم عن عملهم؟ لا والله، هل هذا تخويف لهم؟ أليسوا يدافعون عن الدين والأنفس والأموال والممتلكات؟ أيصل الحقد إلى هذا المستوى.
وفي هذه الأعمال تشويه لأهل الخير وتلبيس عليهم بل إنها تعطي أصحاب القلوب المريضة الفرصة للطعن في الدين والمتدينين لأن هذه التصرفات يقوم بها من يزعمون الإصلاح والخير وهم بعيدون عن ذلك والدين من أفعالهم براء، بل إنهم بفعلهم هذا يعطون الفرصة لأعداء الإسلام الذين شنَّوا حملات مسعورة لتشويه الدين وحملته وإظهارهم بصورة الإرهابيين.
أيها الإخوة ولا بد أن نضع العلاج الواقي بإذن الله لكي نحمي أبناءنا من هذا الفكر الضال الذي عشعش في عقول بعض الشباب فنقول:
إن من أبرز مظاهر العلاج والوقاية لشباب هذا المجتمع ما يأتي:
1) بث العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة وفهم علماء الأمة والسير على منهج السلف الصالح في التعامل مع القضايا والمستجدات، فالعلم هو العاصم بإذن الله من الضلالة والواقي من الغواية والفتنة والمنقذ من الظلمات، قال تعالى: [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا] (الأنعام: الآية 122).
وينبغي أن يتلقى العلم عن العلماء المعتبرين المعروفين بسلامة المنهج والسير على هدي السلف في ذلك.
2) توجيه الناس للتعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن الحالات التي يشتبه بها لأن في ذلك مصلحة للبلاد والعباد والضرر لا يقع على فرد فقط بل يقع على المجتمع كله وقد لاحظنا الآثار لجريمة ـ الحمراء ـ وكيف توصلت أجهزة الأمن إلى خلايا تخطط لأعمال إجرامية خطيرة.
3) إذا أردنا أن نحكم على الأشياء فعلينا أن ننظر إليها من جميع الجوانب بعقل وحكمة وروية بعيداً عن العواطف التي تؤجج وتضر ولا تنفع.
4) النزول إلى الساحة والحوار مع الشباب والإجابة على أسئلتهم وإزالة الإشكالات العالقة في أذهانهم، وهذه مسئولية المعلمين والدعاة والخطباء.
5) الحرص على الصحبة الطيبة بعيداً عن أصحاب الأهواء والشهوات والمتابعة المستمرة للأولاد والاجتهاد في الدعاء لهم والهداية أولاً وأخراً بيد الله.
6) الاجتهاد في ضبط عواطف الشباب وتسييرها فيما يبني وينفع لأن الفكر الضال استغل هذه العاطفة ووظفها فيما يضر الشباب ومجتمعهم وبلادهم، وكلما كان الدعاة قادرين على ضبط عواطف الشباب بالشرع كانت النتائج إيجابية بإذن الله.
7) الابتعاد قدر المستطاع عن مجالسة الغلاة والمتطرفين والمشبوهين لأن بعض الناس يكون عنده غيرة على الدين لكنها لا تضبط بضابط الشرع وبالتالي تضر ولا تنفع.
قال ابن عباس: (لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب)
8) الابتعاد عن استخدام الانترنت فيما يضر حيث أن كثيراً ممن تأثروا بهذا الفكر كان عن طريق هذه الوسيلة، فعلى المربين والدعاة توجيه الشباب لاستخدامها فيما ينفعهم، وقد زرت إحدى المدارس في هذه المحافظة وسرني ما سمعته من متابعة من المدرسين لطلابهم وتوجيههم توجيهاً سليماً في استخدام هذه التقنية.
وصدق الله العظيم: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا](القصص الآية 93).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن حفظ الأمن وحفظ مكتسبات الوطن مسئولية الجميع، فلا بد من التعاون المثمر بين جميع فئات المواطنين والمقيمين وأجهزة الأمن المختلفة لكي يتحقق لنا الخير وننعهم بالأمن والأمان في هذا البلد المبارك.
واعلموا بارك الله فيكم أن هذه البلاد محسودة من فئات كثيرة وذلك بما أنعم الله عليها من نعمة الدين ووحدة الصف وسلامة المعتقد وما خصَّها الله به من رغد العيش وتلاحم المجتمع ولذا شرق كثير من الأعداء بهذا الأمر فراحوا يخططون لتفكيك هذه الوحدة باستخدام عناصر ممن غرروا بهم من شباب هذا البلد ومن يتعاون معهم من الفئة الضالة.
وقد كشفت الإحصائيات الأخيرة التي أعلنتها وزارة الداخلية عن أمور خطيرة حفظ الله هذه البلاد منها.
فنحمد الله ونشكره ونسأل الله أن يزيد هذه البلاد تمسكاً بشرعه المطهر وأن يوفق رجال الأمن للمزيد من هذه الجهود الموفقة في متابعة أوكار هذه الفئة والتصدي لها.
كما أسأله سبحانه أن يوفق الجميع للتعاون مع أجهزة الأمن في كل ما يحقق الأمن والسلامة لهذه البلاد ومن يقيم على ثراها.
هذا وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا للخير ،اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم إذا ذكروا وتذكرهم إذا نسوا اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90).
الجمعة: 10-4-1431هـ