خطبة بعنوان: (أهمية التعداد السكاني والتعاون لإنجاحه) 9-5-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق العباد وأحصاهم عدداً يعلم ما في البر والبحر قدر الأرزاق والآجال لا إله إلا هو [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ](الرحمن 26، 27)، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء الآية 1).

أيها الإخوة حديثنا اليوم حول التعداد السكاني في المملكة الذي يتم هذه الأيام من عام 1431هـ وها هي الجهود مستنفرة والطاقات مبذولة والجهات المختصة تعمل على قدم وساق لإنجاح هذا العمل الذي يترتب عليه مصالح كثيرة سنشير إليها، ولعل قائلاً يقول ما شأن منبر الجمعة وتعداد السكان فأجيبه قائلاً إن ديننا الحنيف شامل لكل مناحي الحياة وعلى الخطيب أن يبين للناس كل ما يحتاجون إليه في عباداتهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين وفي كل شؤون حياتهم الدينية والدنيوية وهكذا تكون رسالة المسجد شاملة لجميع شؤون الحياة.

عباد الله لقد خلق الله الكون وأبدع فيه من الأسرار والآيات ما يبهر عقول الناس وجعل لكل آية فيه فائدة للناس، فالسماء والأرض، والبحار والأنهار، والليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم والأفلاك، وغيرها من الآيات كلها تدل على عظمة الخالق، وقد سخر الله لعباده كل ما يحتاجون إليه في هذا الكون الفسيح، وصدق الله العظيم [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ](الملك الآية 15).
وقال تعالى: [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](آل عمران الآية 190، 191).

عباد الله كل فرد منا عضو في المجتمع ينبغي أن يهمنا ما يهم مجتمعنا، ويسوؤنا ما يسوؤهم، ويفرحنا ما يفرحهم، ويغضبنا ما يغضبهم، لأننا كالجسد الواحد يتفاعل بعضه مع بعض، وصدق الله العظيم [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (التوبة الآية 71).
وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(رواه مسلم).

أيها المؤمنون التعداد السكاني يعتبر أهم ركيزة للتخطيط المتكامل والتنمية الشاملة في كل بلد يقوم على التخطيط للمستقبل حسب ما يتاح للبشر من إمكانات لأن التعداد يوفر القاعدة الأساسية عن البيانات والمعلومات التي تبنى عليها كل دولة خططها المستقبلية في كل شؤون الحياة وهنا يتم التوزيع العادل بين المناطق والمحافظات في مجالات الخدمات المختلفة التعليمية والصحية والاجتماعية والطرق ويراعى في ذلك طبيعة الموارد وعدد السكان والمساحة المتاحة والنمو المستقبلي للمناطق والمحافظات، ونحن نلحظ خلال السنوات الأخيرة كيف قفزت الأعداد السكانية لبعض المحافظات قفزة كبيرة بسبب الهجرة إليها وعلى العكس بعض المحافظات كان النمو فيها بطيئاً وهذا كله يستدعي المراجعة

المستمرة لتوزيع الخدمات الأساسية التي يحتاجها الناس لا سيما أن ولاة الأمر حفظهم الله يحرصون على تهيئة الأجواء للناس في أماكن إقامتهم، ولذا فتحت الجامعات في كثير من المحافظات تيسيراً على الناس وهذه جهود تذكر فتشكر ولا يقتصر التخطيط على المناطق والمحافظات بل يشمل القرى والهجر والمراكز وهذه لها أهمية كبرى في مسألة التعداد لأنها هي التي تمد المناطق بالأعداد السكانية في المستقبل، وكلما كان التعداد دقيقاً كانت النتائج مثمرة والتخطيط ناجحاً وصدق الله العظيم: [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً](الإسراء: الآية 12).

وقال تعالى: [إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً *لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً](مريم الآية 93، 94، 95).
عباد الله وتحقيقاً لأهداف التعداد التي يرجوها المسئولون عنه فإن على كل رب أسرة أن يتعاون مع اللجان العاملة ويعطي المعلومات بكل دقة دون مبالغة أو تغيير للحقائق لأن بلادنا ولله الحمد تقفز قفزات سريعة نحو تحقيق التنمية الشاملة في جميع المجالات، ولا غرو أن تسبق كثيراً من الدول المتقدمة لأن بلادنا تجمع بين الأخذ بمبادئ الشرع الحنيف والأخذ بأسباب الرقي الدنيوي في كل المجالات، والتعداد يحقق شيئاً من ذلك ونحن إذ نقول إنه يجب التعاون مع اللجان العاملة نقول ذلك طاعة وعبادة للخالق لأن من تمام العبودية للخالق الطاعة التامة والخضوع الكامل والتعاون المثمر مع الآخرين، قال تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ](المائدة الآية 2)، وقال تعالى: [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ](التوبة الآية 36).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الخلائق لعبادته[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ](الذاريات الآية 56)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن للتعداد فوائد كبيرة منها:
1) يحقق التعداد السكاني الحصول على بيانات حديثة في زمن محدد وهي اللحظة الحاسمة للتعداد.
2) يحقق التعداد معرفة النمو السكاني السنوي من خلال معرفة عدد السكان سابقاً ولاحقاً وعلى ضوء ذلك يتم التخطيط حسب النتائج الدقيقة.
3) الوقوف على أعداد السكان وخصائصهم وأعداد الأسر والمباني ويترتب على ذلك معرفة احتياجاتهم المستقبلية في كل مجالات الحياة.
4) الوقوف على نوعيات الهجرة إلى البلاد من البلاد الأخرى ومعرفة مصادرها ودوافعها وحجم استفادتها والاستفادة منها وكذا معرفة أسباب الهجرة الداخلية بين المناطق والمحافظات ووضع التوجيهات المناسبة حسب النتائج للتعداد.
5) معرفة التقسيمات العمرية للمجتمع لأن كل فئة عمرية لها احتياجاتها الخاصة بها
وكذلك معرفة أعداد الذكور والإناث وبالتالي تكون المنشات والتجهيزات حسب هذه الفئات العمرية ونوعيتها.

6) التعداد يحقق هدفاً مهماً وهو معرفة نسبة الأمية في المجتمع والمستويات التعليمية وهذا له أثره الكبير في إيجاد الحلول المناسبة لنشر التعليم ومكافحة الأمية بكل وسيلة.
7) يحقق التعداد الوقوف على نسبة الزواج ومعرفة حالات الطلاق وهنا تتوفر قاعدة مهمة من البيانات للباحثين في الشؤون الاجتماعية وذلك يصب في خدمة المجتمع وتحقيق طموحات أفراده.
8) التعداد السكاني يحقق فائدة كبيرة في معرفة المنشآت والمباني المدرسية والكثافة السكانية ومعرفة مجالات الاستثمار وأماكن النمو الاقتصادي ومعرفة أعداد العاطلين عن العمل وحصر الكفاءات العلمية ونوعياتها كل ذلك وغيره يتحقق من خلال التعداد إذا تم التعاون من الجميع لإنجاحه وتم بصورة سليمة حسب تخطيط الجهات المعنية.
عباد الله وإذا كانت هذه الأهداف تتحقق من خلال التعداد فعلينا أن نسهم بقدر المستطاع في نجاحه كل فيما يخصه لا سيما أنه يشمل كل شخص موجود ومقيم سواء كان مواطناً أو وافداً لهذه البلاد مدة محددة.

ولا ينبغي بحال أن يسجل الشخص بياناته في أكثر من مكان لأن ذلك يخل بالنتائج السليمة للتعداد، ولعل من خصائص التعداد في بلادنا أنه يتم تحت إشراف حكومي مباشر ويتم في وقت واحد وبشمولية دقيقة في جميع المناطق والمحافظات والقرى والهجر، وهذا ما يميزه عن غيره في كثير من بلاد العالم التي لا تظهر النتائج فيها سليمة لاختلال هذه الخصائص أو بعضها.

هذا وصلوا وسلموا على صاحب اللواء المعقود والحوض المورود محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وأدم نعمة الأمن والطمأنينة والرخاء علينا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ولاة أمرنا بسوء أو أراد شبابنا أو أراد فتياتنا اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا ذا الجلال والإكرام.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات.
اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرار اللهم أنزل علينا غيثاً اللهم أنزل علينا غيثاً اللهم أنزل علينا غيثا، اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار ، اللهم غيثا يذهب آثار هذه الرياح يا ذا الجلال والإكرام، واطرح البركة فيما أنزلت وفيما نبت من العشب بمنك وجودك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام وعم به أوطان المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الجمعة: 9-5-1431هــ.