خطبة بعنوان: ( المخدرات -أضرار وآثار-) بتاريخ 7-6-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث وأنعم علينا بالعقول التي نميز بها بين الخير والشر والنافع والضار وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعدد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا](الأحزاب الآيات70، 71، 72).

عباد الله جاءت شريعة الإسلام بحماية الضروريات الخمس التي كفلتها جميع الشرائع السماوية وهي حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال.
فكل شيء يؤدي إلى تلف هذه الأمور أو الاعتداء عليها حرمته الشريعة وسدت الباب في وجهه وحديثنا اليوم حول إحدى الخبائث التي تتلف العقل وترديه وهي الخمر وما يلحق بها من المخدرات والمسكرات بكل أشكالها وأنواعها والعقل نعمة إلهية ومنحة ربانية والموفق في هذه الحياة من يستثمره فيما ينفعه ويصلحه في الدنيا والآخرة والغافل المضيع هو الذي يستخدم ما يتلف عقله ويورده المهالك وهؤلاء الذين يستخدمون هذه الأشياء يصبحون في منزلة أدنى من منزلة البهائم العجماوات وصدق الله العظيم: [وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ](الأعراف الآية179).
وإن من أعظم ما ابتليت به أمة الإسلام وخصوصاً شبابها في هذا العصر هي جريمة المخدرات التي أصبحت تنخر في جوف المجتمع وتهلك شبابه بإتلاف عقولهم وجعلهم معاول هدم في مجتمعاتهم.

والمخدرات أيها المؤمنون لغم خطير يفجر حضارات الشعوب ويهدد قيمها بالزوال وأخلاقها بالدمار يحطم شبابها ويبعدهم عن الغاية التي خلقوا لها أجل إن تعاطي المخدرات ما هو إلا وحش كاسر أنشب مخالب الموت في المجتمع المتعاطي لقد أثبتت الإحصائيات أن تأثير المخدرات أشد من تأثير الحروب المدمرة التي تأكل الأخضر واليابس لأن الحروب تكلف كثيراً من الجهد والمال والوقت والمخدرات تحدث أضراراً أكثر مع جهد أقل وهذا ما يريده أعداء الإسلام والمسلمين.
وقد اجتهدوا في إدخال المخدرات لشعوب العالم الإسلامي ليتمكنوا من تحطيم هذه البلاد اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لتسهل السيطرة عليها وتحقيق المطامع فيها وجعلها لقمة سائغة لليهود الغاصبين.

لقد جاء الإسلام بتحريم كل ما يغطي العقل وهذا يشمل كل مسكرو مخدر من أي نوع سواء كان مأكولاً أو مشروباً كالخمر بأنواعها والحشيشة والأفيون والإبر المخدرة والحبوب المنومة والهيروين والكوكايين وغيرها.
وقد قال من أعطي جوامع الكلم (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) (رواه مسلم)، وقال (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)(رواه الترمذي)، ونهى رسولنا صلى الله عليه وسلم (عن كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ) (رواه أبو داود).
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (إن الخمر يدخل فيها كل مسكر مائعاً كان أو جامداً عصيراً أو مطبوخاً فتدخل فيها لقمة الفسق والفجور أي الحشيشة لأن هذا كله خمر بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم [كل مسكر خمر]) انتهى كلامه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مُدْمِنَ الخمر إن مات عليها لقي الله كعابد وثن) (رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج2 رقم 2364).
وقال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ). (رواه مسلم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)(رواه مسلم).

عباد الله ولو فتشنا في انتشار المخدرات لو جدنا أن من أهم أسباب انتشارها ما يأتي:
1) الأزمات الروحية الخانقة التي يعيشها فئام من الناس بعيداً عن شرع الله وعلى قدر ضعف الصلة بربهم بقدر ما تجد المخدرات طريقاً إلى قلوبهم إن ضعف الوازع الديني يدفع الكثيرين للوقوع في براثن المخدرات دون تفكير في العواقب والمصائب التي تترتب عليها في الدنيا والآخرة.
2) الفراغ القاتل الذي دمر حياة كثير من الشباب حيث يقتلون أوقاتهم في جلسات تجلب عليهم الشر والعار ويجد الأعداء فرصتهم في الترويح لهذه المخدرات وتجد سوقاً رائجة في لقاءات هؤلاء الشباب.

3) الرفقة السيئة التي تكون بداية النهاية حيث يهون عليه هؤلاء الجلساء البداية ويزينون له الوقوع في حبائلها ويدعونه إلى مجاراتهم ويشعرونه أنهم يتناولونها ولم يحصل لهم شيء منذ فترة من الزمن ويلحون عليه في التجربة الأولى التي تكون نقطة سوداء في حياته وعلامة على بداية الضياع وكم من جليس أردى جليسه وأخرجه من علياء الاستقامة وأنزله إلى مستنقع الجريمة وعالم الفسق والجريمة كل ذلك يحصل خلال جلسات وضحكات يعقبها أنات وحسرات وبكاء وقد يكون السجن نهاية المطاف.
4) وللعمالة الوافدة غير المستقيمة أثر كبير في نشر وترويج المخدرات لا سيما إذا كانت هذه العمالة ذات هدف سيء جاءت لتحقيقه لأن هناك فئة كبيرة من الشباب لا يستطيعون السفر للخارج ويكون وقوعهم وحصولهم على المخدرات عن طريق العمالة التي تنتشر في كل الأحياء والمحلات وأماكن العزاب ومساكنهم فيصطادون كل يوم عدداً من هؤلاء الشباب وكل واحد يجر غيره وقد ذكرت بعض الإحصائيات أرقاماً مهولة من أعداد المقبوض عليهم كانت بدايتهم عن طريق العمالة الوافدة.

5) ومن أسباب الوقوع في المخدرات السفر للخارج لا سيما إذا صاحب ذلك توفر المادة وضعف الرقيب وسهولة الحصول على المخدرات بعيداً عن الأهل والأقارب حتى يصل الحال بهؤلاء إلى الإدمان ثم بعد ذلك سيبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها وجلبها مهما كان الثمن وبأي كيفية كانت ولو دفعهم ذلك إلى السرقة والوقوع في كثير من الجرائم للحصول عليها وهذا واقع كثير من المدمنين.
وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ](المائدة الآيتان90، 91).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي كرم بني آدم وأنعم عليهم بنعم ظاهرة وباطنة أحمده سبحانه وفق عباده المؤمنين للطاعات وغفر لهم السيئات يقبل توبة التائبين ويجيب دعوة المضطرين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاعلموا أيها المؤمنون أن للمخدرات آثاراً خطيرة على الأفراد والمجتمعات فهي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتؤثر على المخ والجهاز العصبي والهضمي والقلب وتحدث أوراماً خطيرة كما أنها تؤثر على الأجنة والمواليد وها نحن نرى ضحاياها في الشوارع ودور رعاية المجانين ولها آثار على النواحي الأمنية وهي السبب الرئيس في حدوث كثير من الجرائم ولا سيما القتل والخطف وحوادث السيارات.
ولها آثار اقتصادية كبيرة حيث يظن من يتعاطاها أنه يستطيع جمع الأموال بأيسر طريق لكن يأبي الله أن يكون الغني من طريق الحرام فسرعان ما تذهب هذه الأموال في لمحة البصر ولا تزال المخدرات تستنزف الأموال حتى يضيق ِّ المدمن على أهله في النفقة وقد يبيع بيته وسيارته وكل ما يملك من أجل الحصول عليها.

ولها آثار اجتماعية كبيرة فقد حطمت أخلاق كثير من الشباب وكانت سبباً في تفكك أسر كثيرة كم من امرأة طلقت بسببها وكم من شاب تشرد وضاع بعد أن دخل عالم المخدرات وكم من شخص ترك عمله وعاش عالة على الناس يتسول في الشوارع وأماكن التجمعات.
عباد الله وإذا أردنا بأنفسنا ومجتمعنا وبلادنا خيراً في حمايتهم من هذه السموم الخطيرة فلنتعاون جميعاً في التوعية بأضرارها وأخطارها ولا سيما في المدارس ووسائل الإعلام المختلفة والمساجد وعلى كل أسرة أن تتابع أفرادها وإذا عجزت تبلغ الجهات المختصة لحماية هؤلاء الشباب قبل أن يستفحل الأمر ولا بد أيضاً من الجزاء الرادع لمن يروجونها وينشرونها بين صفوف الشباب والفتيات.

وعلينا أن نملأ وقت الشباب وأن نحسن تربيتهم وأن نحرص على الصحبة الصالحة لهم وإذا تمت المتابعة الجادة والرعاية الصادقة في البيت والمدرسة وصاحب ذلك برامج هادفة وتوجيه في المساجد فستكون النتائج بإذن الله طيبة وغير خاف أن الوقاية خير من العلاج.
اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا من مراثن المخدرات، اللهم من أرادا بهم سوءً من قريب أو بعيد اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا، اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا من كل سوء ومكروه، اللهم اجعلهم قرة عين لوالديهم.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم اغفر لهذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وأمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات وأغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم، اللهم أصلح نياتهم وذرياتهم يا ذا الجلال والإكرام.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّ رُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ](النحل: الآية 90، 91).ـ. وأقم الصلاة.
الجمعة: 7-6-1431هــ.