خطبة بعنوان: (جرائم اليهود في فلسطين والاعتداء على سفينة النصرة) 28-6-1431هـ
الخطبة الأولي:
الحمد لله رب العالمين، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، له الأمر من قبل ومن بعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في محكم كتابه عن اليهود [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ..](الأعراف:الآية 167)،وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على المحجَّة البيضاء، الذي بين جرائم اليهود، وفضحهم في سنته الغراء، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
عباد الله: لقد فشل اليهود وأفلسوا قديما وحديثاً في كثير من مخططاتهم ومؤامراتهم وكيدهم للإسلام والمسلمين، ففي القديم خططوا ودبروا مكيدة لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلقاء حجر عليه فجاءه الوحي بذلك، ثم حاولوا قتله مرة ثانية بذراع مسمومة، فأنطق الله الذراع ولفظ اللقمة، ومات بسبب السم أحد أصحابه وهو بشر بن البراء رضي الله عنه، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودية التي وضعت السم، ومرة ثالثة حاولوا أن يسحروه فحفظه الله من كيدهم.
واستمر شرهم واستفحل كيدهم حينما غدروا في غزوة الخندق فأبطل الله كيدهم وفشل تخطيطهم، وانتقم المسلمون منهم.
هذا كله جزء من مؤامراتهم في القديم، أما تآمرهم في الوقت الحاضر فالأمر لا يحتاج إلى بيان، فقد بلغ السيل الربى، وجاوز الحزام الطبيين، بلغ تآمرهم حداً لا يخطر على بال أحد من الناس، ومع ذلك فشلوا فشلاً ذريعاً في كثير من مؤامراتهم، ولعل من آخرها ما حدث مع العاملين المخلصين في سفينة النصرة، حيث قام اليهود بهجوم مباغت في مشهد بشع ظهرت فيه عداوة اليهود وحقدهم، وعظم مؤامراتهم على المسلمين، واختلط في هذا المشهد الدم بالماء، وهذا ليس بغريب عليهم، فيهود الأمس هم يهود اليوم، يسعون للفساد في الأرض، هم أخبث الأمم طوية، وأخسهم خلقاً وأكثرهم كذباً، قتلوا الأنبياء، وسفكوا دماء الأبرياء، وكذبوا على الله وعلى رسوله، وأكلوا الربا، وأكلوا السحت، واحتالوا على السبت، ونقضوا العهود، واستحلوا محارم الله بأدنى الحيل، وصدق الله العظيم [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ…](المائدة: الآية82)، وقال تعالى [وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً* وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ..](النساء: الآيتان156، 157)، وقال تعالى [..وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ..](النساء: الآيتان 160، 161).
عباد الله: وهذه المؤامرات وتلك الجرائم تجعل الناظر فيها يقف وقفة تأمل وتذكر ليستلهم العظات، ويستنبط الدروس والعبر، ومن ذلك:
(1) اليهود لا يرقبون في أحد إلا ولا ذمة، لا يهمهم إلا أنفسهم، وغيرهم خدم لهم، قال تعالى [لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً..](التوبة: الآية10)، وقال تعالى [كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً..](التوبة: الآية8).
(2) اليهود قوم جبناء، ملأ الخوف قلوبهم، وصدق الله العظيم [لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى..](الحشر: الآية14)، ولذا فهم لا يواجهون المسلمين، بل يقاتلون العزل من المسلمين بالطائرات، والسفن الحربية والصواريخ والقذائف.
(3) المسلمون يجب أن يكونوا كالجسد الواحد، وهذا ما حدث في سفينة النصرة حيث كان فيها من جنسيات متعددة، وهذا ما أرَّق اليهود، وأثارهم، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.
(4) ظهر دور المنافقين الذين يسعون في الأرض فسادا، وهم دائماً حلفاء لليهود في كل زمان ومكان، وصدق الله العظيم [ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ..](التوبة: الآية47).
(5) هذه الحادثة رغم قساوتها وشدتها على المسلمين إلا أن فيها خيراً عظيماً، حيث فضحت اليهود على الملأ، فهم يزعمون أنهم أصحاب المبادئ والأخلاق، والدعاة للحرية والديمقراطية، وكل هذا كذبته هذه الفعلة النكراء منهم.
(6) في خضم الأحداث والمؤامرات ينبغي ألا يغفل المسلمون عن السلاح الفتاك، الذي يملكه الصغير والكبير، والرجل والمرأة، وهو الدعاء، فشأنه عظيم، وأثره كبير، لكن لا نستعجل الإجابة، ولا نستبطأ الأثر، فلله في خلقه شؤون، وربنا جل وعلا يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وصدق الله العظيم [وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ](إبراهيم: الآية42).
جاء في بيان للجنة الدائمة حول اليهود والقدس والحصار الاقتصادي والأحداث الأخيرة (…فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية تابعت ولا تزال تتابع بكل ألم ما جرى ويجري من التعديات والممارسات الظالمة التي تزداد يوماً بعد يوم وإخراج أهل الدور من دورهم وتشريد الآلاف من ممتلكاتهم والاستيلاء على بيوتهم ومزارعهم ومساكنهم ليقيم عليها اليهود مغتصباتهم التي يسمونها مستوطنات، وما يقومون به من اعتداء على المصلين والمتعبدين، وإقامة الجدار العازل، وتشديد الحصار الاقتصادي، وسحب الهويات، والاعتقالات، وتدني مستوى الخدمات، وإغلاق المؤسسات الخيرية، ومضايقة السكان بشتى ألوان المضايقات، ولا شك أن هذا إجرام وظلم وبغي في حق القدس والمسجد الأقصى وأهل فلسطين، وهذه الأحداث الأليمة توجب على ولاة أمر المسلمين الوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين والتعاون معهم، ونصرتهم، ومساعدتهم، والاجتهاد في منع اليهود من الاستمرار في عدوانهم واعتداءاتهم على المسجد الأقصى، وإنهاء الاحتلال الظالم كل في ميدانه وموقعه قياماً بالمسؤولية، وبراءة للذمة..) إلى آخر البيان.
عباد الله: ونصرة إخواننا واجب شرعي كل على حسب استطاعته، فدين الإسلام ليس حكراً على جنس أو عرق أو لون أو بلد، وصدق الله العظيم [..وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ](الحج: الآية40)، وقال تعالى [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ](محمد: الآية38). والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وإن ما حدث من اعتداء اليهود على هذه السفن القادمة لنصرة إخواننا والمحملة بالغذاء والدواء ليدعو للتفاؤل ويبرهن على سقوط اليهود وفشلهم، وها نحن اليوم نرى غضبة عارمة في طول البلاد الإسلامية وعرضها نصرة للفلسطينيين، وتجاوباً مع قضيتهم، بل رأينا مواقف إيجابية من بعض الدول التي كانت تناصر اليهود وتقف معهم بسبب هذه الاعتداءات السافرة الظالمة [..وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ](فصلت: الآية46).
عباد الله: النصر على الأعداء لن يتحقق إلا بالرجوع إلى الله، وتحقيق التوحيد، وتقوية الصلة بالخالق العظيم، وإصلاح الأنفس من الداخل والحفاظ على الشباب وصونهم من المغريات والمحرمات، والوقوف في وجه كل ما فيه فسادهم وضلالهم ولابد من الاهتمام بالفتيات وعدم تعريضهن للفتن، ومنعهن من السفور والتبرج والاختلاط وتحصينهن بالعلم النافع والعمل المناسب، وصدق الله العظيم [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ](محمد: الآيتان7، 8).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه العظيمة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، أجود الناس وأسخاهم، الذي حث على الصدقة، ورغب فيها، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المال نعمة أنعم الله بها على من شاء من عباده، فمن الناس من سخرها في طاعة الله، ومن الناس من سخرها في سبيل الشيطان، ومن الناس من بخل بهذا المال ولم يؤد منه حقه من الزكاة الواجبة والصدقة المندوبة، وربنا جل وعلا يقول [مثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ](البقرة: الآية261).
وقد جاء أن الصدقة إذا خرجت من يد صاحبها تكلمت بخمس كلمات، تقول:
الأولى: كُنتُ صغيرة فكبرتني.
الثانية: كُنت حارسي فالآن صرت حارستك.
الثالثة: كنتُ عدواً فأحببتني.
الرابعة: كنتُ فانية فأبقيتني.
الخامسة: كنت قليلة فكثرتني.
وصدق الله العظيم [مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..](الأنعام: الآية160).
وورد أن السخاء شجرة في الجنة أغصانها متدليات في الدنيا، فمن أخذ عصناً منها قاده إلى الجنة، والبخل شجرة في النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ غصناً منها قاده إلى النار).
وقال صلى الله عليه وسلم (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)(متفق عليه)، وورد (أن الصدقة تمنع سبعين نوعاً من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص).
فاحرصوا أيها المؤمنون على الجود والبذل، وتصدقوا على المحتاجين ولا سيما الفقراء الذين أقعدهم المرض عن العمل، فجمعوا حاجتين ماسَّتين الفقر والمرض، وإن من أبواب الصدقات التبرع لجمعية (الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي) حيث تعتني هذه الجمعية بعلاج مرضى الفشل الكلوي وتتولى عملية الغسيل وتهيئة الفرصة لهم وما يجود به الإنسان سيجده ذخراً له يوم العرض على الله، وكم من صدقة كانت حجاباً لصاحبها عن النار، وكانت مؤنسة له في قبره، ونوراً له ينير ظلمات القبر، فتبرع أخي الكريم ولو بشيء يسير، فالقليل مع النية الصالحة يصير كثيراً.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم، وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
اللهم وفقنا للخير، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بمنك وكرمك أن تجعل الأمن يرفرف على هذه البلاد.
اللهم من أرادها بسوء فأشغله بنفسه، اللهم من أرادنا أو أرادا بلادنا أو أرادا مقدساتنا أو أرادا ولاة أمرنا أو أرادا علماءنا أو أرادا شبابنا أو أرادا فتياتنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره.
اللهم يا حي يا قيوم أدم علينا نعمة الرخاء والاستقرار بمنك وفضلك وجودك وكرمك يا ارحم الراحمين.
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ]. وأقم الصلاة(النحل الآية 90، 91 ).
الجمعة : 28-6-1431هـ