خطبة بعنوان: (استقبال رمضان) بتاريخ 25-8-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفضل على عباده بمواسم الخيرات، وأنعم عليهم بالعفو والمغفرة وإجابة الدعوات، وجعل شهر رمضان أفضل مواسم الطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله كان أسبق الناس إلى الخيرات وأكثرهم تقرباً إلى ربه في رمضان وغيره، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران الآية 102).
إخوتي في الله: ما هي إلا أيام قلائل وتكتمل دورة الفلك ويعود إلينا الشهر المبارك.
فهو قريب جداً، بل هو على الأبواب.
قلوب المؤمنين الصادقين فرحة، وأنفسهم مشتاقة، وعزائمهم متوقدة، وأفئدتهم متطلعة شوقاً للقاء رمضان، ورغبة في قدومه، ومحبة لطلعته.
هذه هي حال الصادقين المقبلين على ربهم، والناس في استقبال رمضان طوائف متعددة.
فمنهم من يرى أن رمضان ما هو إلا مجرد حِرمان من الشهوة، ومنع من الأكل، ويقولون هذا لا داعي له ويكفي عنه حمية في وقت معين، وهؤلاء غرقوا في الباطل فأعماهم عن الحق وهم قلة قليلة لا كثرهم الله.
وطائفة ترى شهر رمضان فرصة؛ فهو موسم الموائد العامرة بأصناف المأكولات والمشروبات، وهؤلاء يستعدون لرمضان استعداداً كبيراً قبل قدومه، وشاهد الحال في أسواق كل بلدٍ خلال الأسبوع الأخير من شعبان، وهذه الطائفة تجعل الليل في رمضان أكلاً وسهراً متواصلاً، وتجعل النهار نوماً متواصلاً، ومقل ومستكثر حتى يصل الحال ببعضهم أن يتركوا بعض الصلوات عافانا الله من حالهم.
أما الطائفة الثالثة فهي التي عرفت لهذا الشهر قدره، وأدركت سر تشريعه.
فهي تتقلب فيه من طاعة إلى طاعة، هؤلاء في رمضان بين التسبيح والتهليل، والذكر والدعاء والصلاة وقراءة القرآن.
شغل هؤلاء وقتهم بما يقربهم إلى الله، فلا تراهم إلا في طاعة، ولا تسمع منهم إلا خيرا.
دقائقه وثوانيه أغلى عندهم من الذهب لأن الذهب يعوض ودقائق رمضان وثوانيه لا تعوض. هذه الطائفة تصوم النهار وتقوم الليل رغبة فيما عند الله، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء على لسانه قوله (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)(رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (رواه مسلم).
هذه الطائفة تعلم أنها في موسم المتاجرة مع الله، وهذه التجارة رابحةٌ بكل حال، ونحمد الله ونشكره أن هذه الطائفة هم الأكثر في مجتمعنا ـ نسأل الله أن نكون وإياكم منهم ـ.
عباد الله في هذا الشهر المبارك يتنافس المتنافسون، ويتسابق الصالحون طلباً لمغفرة الله وعفوه وطمعاً في رضوانه وجنته.
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتاني جبريل، فقال: يا محمد ….. من أدرك شهر رمضان, فمات فلم يُغفر له، فأُدخل النار, فأبعده الله, قل: آمين، فقلت: آمين)(رواه الطبراني في الكبير, وصححه الألباني).
ومن خصائص هذا الشهر الكريم قوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)(رواه مسلم).
عباد الله اغتنموا هذا الشهر الكريم، واستعدوا له من أوله بصدق وإخلاص وعبادة وخضوع، واستقبلوه مبتعدين عن الشهوات، متخلصين من مظالم الخلق.
عاهدوا الله على عمارته في الطاعة، فأيامه قليلة، وأنتم بأمس الحاجة إلى العمل الصالح، وتذكروا من كانوا معكم في أعوام مضت هم اليوم مرتهنون بأعمالهم، يتمنى الواحد منهم حسنة واحدة.
فاحمدوا الله واشكروه الذي أنعم عليكم بالصحة والعافية، وسألوه أن يبلغكم رمضان،
وأن يتم عليكم نعمته بصيامه وقيامه، وأن يتقبله منكم، وصدق الله العظيم: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ] (البقرة: الآية 185).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أنعم على عباده بمواسم الطاعات، وخص هذه الأئمة بشهر الخير والبركات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
فاجتهدوا أيها المؤمنون في استقبال هذا الشهر الكريم، واستعدوا له بكل ما تستطيعون، واغتنموه بكل أنواع الطاعات، فقد روى وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ)(وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
اللهم اجعلنا في هذا الشهر المبارك من الفائزين، اللهم أتم علينا الصحة والعافية وبلغنا رمضان وأنعم وتفضل علينا بإتمام صيامه وقيامه وتقبله منا يا كريم.
هذا وصلوا وسلموا على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتاب والعمل بسنة نبيك وولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم وفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم.
اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وأمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات. [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] (النحل الآية 90). وأقم الصلاة.
الجمعة: 25-8-1431هـ