خطبة بعنوان: (فُتّحت أبواب الجنة) بتاريخ 3-9-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي فتح أبواب الجنة لعباده الصالحين وزينها لهم في شهر رمضان المبارك وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الجنة جزاء العاملين المخلصين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتأملوا معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ.) رواه مسلم.
هذا توجيه كريم من النبي الكريم يبين فيه ما تفضل به المنعم سبحانه على هذه الأمة من الفضل العظيم في شهر رمضان حيث يفتح لهم أبواب الجنان التي قال الله جل وعلا عنها في كتابه العزيز: [جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً *لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً] (مريم الآية 61-63).
إنها الجنة التي بكت من أجلها العيون وسهرت من أجلها جفون وذرفت من أجلها دموع كم تغنى المحبون بها وكم طار العاشقون لها إنها المعشوقة الغالية ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر.
إنها الجنة التي وعد الله عباده بأن يكرمهم فيها بما لا يخطر على بالهم وتعالوا معي نقرأ آيات نتلوها دائماً حول الجنة وما أعده الله لأهلها، يقول تعالى: [يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ] (الزخرف الآيات 68- 73).
وقال تعالى: [وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً](الإنسان الآيات 12- 18).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا). (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ)(رواه مسلم)، اللهم لا تحرمنا النظر إلى وجهك الكريم.
أيها المؤمنون إن من أعظم الأسباب الموجبة للجنة كثرة الصيام والحرص عليه في رمضان وفي غيره فأهل الصيام يدخلون الجنة من باب الريان جاء في الحديث (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد)(رواه مسلم).
فأكثروا بارك الله فيكم من الصيام وحافظوا عليه واحفظوا جوارحكم وأكثروا من الدعاء واسألوا الله الجنة بل الفردوس منها وهو أعلاها فأنتم في شهر مبارك العمل فيه يضاعف والطاعة فيه لها مزية خاصة ولله فيه عتقاء من النار.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار وأكثروا من الاستغفار فربكم غفور رحيم جواد كريم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين وعد عباده الصائمين بالأجر العظيم وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الجنة جزاء الصائمين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من صام وأفطر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الجنة سلعة غالية ومهرها الطاعة والاستقامة وقد خطبها الخاطبون وتسابق في دفع مهرها المشمرون وعشقها أقوام فقدموا لها مهرها كاملاً دون كلل أو ملل وإن من عشاق الجنة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فهو أول من يدخل الجنة وقد جاء في الحديث (أنا أول من يقرع باب الجنة) رواه مسلم.
ويليه أبو بكر الصديق فهو أول من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن عشاق الجنة عمر بن الخطاب فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قصراً في الجنة بفنائه جارية فسأل عنه فقيل لعمر بن الخطاب.
وأبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأفضل نساء الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
وممن قدم مهراً للجنة أبو الدحداح رضي الله عنه حيث قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ فِي الْجَنَّةِ لاِبْنِ الدَّحْدَاحِ )(رواه مسلم).
ومن عشاق الجنة عمرو بن الجموح الذي قال إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقاتل في أحد واستشهد رضي الله عنه.
وغير هؤلاء كثير من السلف والخلف كلهم عشقوا الجنة وعملوا لها فهنيئاً لهم النعيم المقيم.
فلنكن أيها الإخوة معهم في ركابهم ولنجاهد أنفسنا لعل الله جل وعلا أن يرحمنا ويلطف بنا ويدخلنا الجنة بمنه وفضله وكرمه.
هذا وصلوا وسلموا على الرسول المصطفى والنبي المجتبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الجمعة : 3 / 9 / 1431هـ