خطبة بعنوان: (ختام رمضان وصدقة الفطر) بتاريخ 24-9-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أكرمنا ببلوغ رمضان ووفقنا فيه للصيام والقيام أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وفق من شاء لطاعته فكان سعيهم مشكورا وحظهم موفورا وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من صلى وصام وسجد لربه وقام فكان عبداً شكورا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى وتزودوا من العمل الصالح فمواسم الخير بين أيدكم.
أيها المؤمنون: ها نحن في العشر الأخيرة من رمضان ويوشك شهرنا الكريم أن يودعنا، فها هو يتهيأ للرحيل وكنا بالأمس القريب نتباشر بقدومه لكنه مر بسرعة خاطفة وهو شاهدٌ لنا أو علينا فهنيئاً لمن أودعه عملاً صالحا وصدق الله العظيم: [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ](آل عمران الآية185).
معاشر الصائمين والصائمات: ها هو رمضان قد عزم على السفر وتأهب للرحيل فأحسنوا توديعه بكثرة العمل الصالح، واختموه بصدقة الفطر تطهيراً لأنفسكم، فكما أحسنتم في استقبال الشهر ووفقتم في الصيام والقيام، فليكن مسك الختام إخراج صدقة الفطر على هدي رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم، وطيبوا بها نفساً وأخرجوها من طيب ما كسبتم من طعامكم.
وهي صدقة يخرجها المسلم في آخر رمضان، وقبل صلاة عيد الفطر شكراً لله تعالى على نعمة التوفيق لصيام رمضان وقيامه، يختم بها المسلم عمل رمضان.
والواجب فيها صاع من غالب قوت البلد، وهو في بلدنا الأرز، ودليل ذلك حديث ابن عمر في الصحيح قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(رواه البخاري ومسلم).
وصدقة الفطر عنوان على تطهير الصوم، وهي جبر للخلل الذي وقع فيه، وطعمة للمساكين، ومواساة للفقراء والمحتاجين، وتوسعة عليهم في العيد كي يبتهجوا ويفرحوا هم وأولادهم كما يبتهج ويفرح سائر المسلمين.
وتجب صدقة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان.
وأفضل أوقاتها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة.
ويستحب إخراجها عن الجنين في بطن أمه لفعل بعض السلف، ويخرجها المسلم عن نفسه ومن تلزمه مؤنته من الزوجة والأولاد والوالدين والعمال والخدم الذين تجب نفقتهم عليه، فإن لم تكن نفقة العمال والخدم على الكفيل فهي واجبة عليهم لكن ينبغي أن يعلمهم ويوجههم إلى إخراجها وإن أخرجها عنهم وأخبرهم بذلك فهذا من الإحسان إليهم.
وتدفع صدقة الفطر إلى فقراء البلد الذي هو فيه وقت إخراجها سواءٌ كان محل إقامته أو غيره من بلاد الله الواسعة، ولا تخرج إلا من الطعام، ولا ينبغي إخراج النقود فيها، وهذا ما عليه الفتوى في بلدنا لأن الرسول صلى الهن عليه وسلم أخرجها طعاماً وأمر بذلك ولم يذكر النقود مع وجودها وتيسرها عند بعض الناس في وقته صلى الله عليه وسلم.
ومن نسي صدقة الفطر قبل صلاة العيد فعليه أن يخرجها في يوم العيد أو بعده متى ذكر ذلك وهي صدقة من الصدقات، ولا بأس بإعطاء صدقة الواحد جماعةً والعكس بأن يعطي الواحد أكثر من صدقة حسب الحاجة ولو تولاها المسلم بنفسه وكالها أمام أولاده ورباهم على ذلك لكان هذا تعليماً لهم وتربية وتعويداً على إخراجها لينشئوا على ذلك، ولا ينبغي أن تكدس صدقة الفطر عند أشخاص معينين أو بيوتاً خاصة، بل توزع على فقراء البلد، وإذا كان المسلم لا يعرف من يستحقها فليعهد بها إلى جمعية البر وهي تتولاها وتوصلها إلى مستحقها حسب القوائم الموجودة عندهم.
والأولى عدم نقلها إلى خارج البلاد ما دام يوجد في البلاد فقراء، وليحذر المسلم من المحاباة فيها وإعطائها من لا يستحقها فهو مسؤول عن ذلك يوم القيامة.
عباد الله تذكروا وأنتم تودعون شهركم هذه الأيام التي انقضت من أعماركم ولن تعود إلى يوم القيامة، وهي شاهدة عليكم بما أودعتموه فيها من الأعمال، فمن قدم عملاً صالحا فليحمد الله ويستمر عليه ويكثر من سؤال الله القبول والتجاوز عن التقصير والزلل.
وكان من هدي السلف رضوان الله عليهم أنهم يجتهدون في إتقان العمل الصالح والإخلاص فيه ثم إذا أوقعوه عظم اهتمامهم في مسألة قبوله والخوف من رده لأنهم يعلمون يقينا أن الله لا يتقبل إلا من المتقين، وصدق الله العظيم: [إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ](المائدة: الآية 27).
إخوتي في الله ومن قصر في هذه الأيام الماضية فليتدارك نفسه في بقية أيام الشهر وليجدد التوبة فالأعمال بالخواتيم والخيل المضمرة لا تسبق إلا في النهاية.
فالجد الجد والبدار البدار لعل الله أن يعتق رقابنا ورقابكم ورقاب والدينا من النار وصدق الله العظيم [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](النحل الآية97).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين وأشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً وحجة على الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون فالتقوى خير زاد الدنيا والآخرة.
عباد الله لقد أثنى الله جل وعلا على أهل العبادة والطاعة وخص منهم أهل القيام الذين يحيون ليلهم بالركوع والسجود وصدق الله العظيم: [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ](السجدة الآية16).
وكان جزاءهم عند الله عظيما قال تعالى: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](السجدة الآية17)، نعم هؤلاء هم الذين قال الله فيهم [كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ](الذارايات الآيتان17، 18).
وهؤلاء يعلمون جيداً أن هذه العشر الأخيرة من رمضان من أعظم مواسم الطاعة والعبادة وهي فرصة ثمينة لقيام الليل وإحيائه بالذكر والتسبيح وقراءة القرآن فعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَالَ : أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ: ثُمَّ تَلاَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}، حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}) (رواه الترمذي).
أيها المؤمنون احرصوا على اغتنام ما بقي من العشر لعلكم تدركون ليلة القدر فتسعدون سعادة لا شقاوة بعدها فما أحوجنا لغسل ذنوبنا ومحوا سيئاتنا بهذه الليالي المباركات، فمن يدري من يدركها في أعوام قادمة.
عباد الله وهنا مسألة مهمة ينبغي التنبيه عليها وهي ما إذا وافق العيد الجمعة فهنا من صلى العيد فلا تجب عليه صلاة الجمعة لكن تجب عليه صلاة الظهر فيصليها جماعةً إن تمكن ولا تصلى في المساجد التي لا يصلى فيها الجمعة بل من أراد أن يصلي في المسجد فيصلي مع الناس صلاة الجمعة.
وأما إمام المسجد الجامع فيجب عليه أن يصلي الجمعة ليصلي معه من لم يصلوا العيد وإن جمع المسلم بين صلاة العيد وصلاة الجمعة فهذا خير وفضل لكن لو حصل لمن صلى العيد ظرف أو خرج للبر أو إلى استراحة وغيرها فلا حرج عليه أن يصلي ظهرا.
وفقنا الله وإياكم للطاعة وختم لنا شهرنا بالمغفرة والعتق من النار وتقبل الله صيامنا وقيامنا.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم يا كريم.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل الآية90)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة :24-9-1431هـ