خطبة بعنوان: (ما ينبغي للمسلم بعد رمضان) بتاريخ 8-10-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكبير المتعال الذي حث على الأعمال الصالحة وكثير من الخصال وأشهد أن لا إله إلا الله وفق من شاء من أوليائه لما يسعدهم في الحال والمال وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أصدق وأنصح الناس في الأقوال والأعمال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واحذروا المعاصي فهي سبب للحرمان من الثواب في العاجل والآجل.
عباد الله لئن انقضى شهر الصوم فإن زمن العمل الصالح لا ينقضي إلا بالموت.
ولئن انقضى قيام رمضان وصلاة التراويح فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليال السنة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: (قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)(رواه مسلم).
جاء في الحديث عن قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها، قال: يا قيس إن مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حسيبا وعلى كل شيء رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا ولكل سيئة عقابا، وإن لكل أجل كتابا وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا فإنه إن كان صالحاً لم تستأنس إلا به وإن كان فاحشا لم تستوحش إلا منه وهو عملك).
عباد الله إن علامة قبول الحسنة هو إتْباعُ الحسنةِ حسنةً أخرى والاستمرارُ على الطاعة والتزودُ من الأعمال الصالحة المقربةِ إلى الله والبعدِ عن المعاصي والموبقاتِ.
فمن كان حاله بعد رمضان مثل حاله قبله أو أسوأ فعليه بالتوبة والاستغفار والجد والاجتهاد وتدارك العمر قبل فوات الأيام فالحياة قصيرة والغبن فيها كثير وهي ميدان للمنافسة فهنيئاً للسابقين الفائزين ويا ويح المتقاعسين المتكاسلين الذين وقعوا فيما حرم الله وقصروا فيما أوجب الله عليهم من الفرائض.
عباد الله قد مرَّ بنا موسم الطاعة فماذا ربحنا فيه وما الشيء الذي استفدناه وما الدرس الذي تعلمناه ما هو أثره على سلوكنا وعلاقتنا مع ربنا ومع الناس.
كان السلف الصالح يدعون ربهم أن يبلغهم رمضان فإذا صاموا وقاموا أكثروا من دعائه أن يتقبل منهم فالسعيد من قبل الله منه ولو حسنة واحدة.
وصدق الله العظيم: [وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ](المؤمنون الآية 60، 61).
فالمؤمنون يخافون أن ترد عليهم أعمالهم ولا يقبل منهم أشد من خوف المجرمين أن يعذبوا بذنوبهم، فسبحان من جعل قلوب أوليائه خائفة وجلة ترجو ثوابه وتخاف عقابه.
أيها المؤمنون واعلموا بارك الله فيكم أنه مما يشرع لكم في هذه الأيام المبادرة إلى قضاء ما عليكم من شهر رمضان فالبدار البدار وخصوصاً النساء عليهن المبادرة إلى قضاء ما أفطرن من رمضان بسبب الحيض وغيره، ومن أحكام القضاء ما يأتي:
1) أنه لا يلزم فيه التتابع بل لو صام المسلم قضاء رمضان متفرقاً كفاه ذلك.
2) أن النية تجب فيه من الليل فمن لم يبيت النية في صيام القضاء لم يكفه فالقضاء يحكي الأداء.
3) لا يجوز الفطر في قضاء رمضان إلا بعذر يبيح الفطر في رمضان كالسفر والمرض وقد كثر تساهل الناس في ذلك لاسيما النساء في المناسبات، حيث تفطر المرأة بناءً على طلب زوجها أو قريبتها، ومن الأزواج من يقول لزوجته أفطري وأنت في ذمتي وهذا والعياذ بالله قول على الله بغير علم فليتقي الله هؤلاء ولا يقولوا في شرع الله مالا يعلمون.
4) النية المترددة في صيام القضاء لا تجزئ فبعض النساء تقول إن طهرت غداً فأنا صائمة وصيامها قضاء وهذا لا يجزئ بل لا بد من النية قبل طلوع الفجر.
5) إذا قام المسلم من النوم بعد أذان الفجر وتردد في نية الصوم فليكمله وليجعله من الست من شوال ولا يجزئ من القضاء ما دام لم يبيت النية من الليل.
6) ليس صحيحاً أنه يحرم صيام الست قبل القضاء بل الراجح أنه يجوز لكن ينبغي تقديم القضاء لأنه واجب وصيام الست مندوب والواجب يقدم على المندوب.
7) يجوز إفراد الجمعة بالصوم إذا كان قضاء وهكذا إذا كان من الست من شوال ولا كراهة في ذلك.
8) الأفضل المبادرة في صيام ست من شوال لمن لم يكن عليه القضاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ). (رواه مسلم).
9) يدرك الأجر من صامها متتابعة أو متفرقة وهكذا من صام الإثنين والخميس ونواها ستاً من شوال وهكذا من صام ثلاثة أيام وصام معها أيام البيض ونواها ستاً من شوال فهنا يدرك أجر صيام الست وصيام ثلاثة أيام من الشهر وكذا أجر صيام الإثنين والخميس .
10) لا يلزم لصيام الست من شوال نية من الليل بل لو قام المسلم ضحى أو ظهراً أو نوى الصيام عصراً كفاه ذلك في أصح قولي العلماء ويدرك أجر الصيام لأن صيام النفل لا يلزم له نية من الليل ولا فرق بين النفل المطلق و النفل المعين فاحرصوا أيها المؤمنون على صيام هذه الأيام فذلك علامة الاستقامة على طاعة الله.
وصدق الله العظيم: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] (الأحقاف الآيتان 13، 14).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب الخيرات وأشهد أن لا إله إلا الله يقبل توبة التائبين ويثيب الطائعين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين والمبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وأعلموا أن من أحكام صيام الست من شوال ما يأتي:
11) يجوز الفطر في صيام الست من شوال من غير عذر لأن الصائم المتطوع أمير نفسه وقد يجوز الفطر في صيام الست من شوال من غير عذر لأن الصائم المتطوع أمير نفسه وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال « هل عندكم شيء ». فقلنا لا. قال « فإني إذا صائم ». ثم أتانا يوما آخر فقلنا يا رسول الله أهدي لنا حيس. فقال « أرينيه فلقد أصبحت صائما ». فأكل.
12) من صامت يوماً من الست ودعاها زوجها لحاجته في الفراش فيجب عليها أن تجيبه لأن طاعته واجبة وصيامها نفل، وهذا بعكس صيام القضاء فلا يجوز لها أن تطيعه لأنه يحرم عليها الفطر في صيام القضاء من غير عذر.
13) لا يدرك الأجر المرتب على صيام الست من شوال من صام أقل من ستة أيام إلا إذا كان معذوراً كمن بدأ بالصيام ثم مرض أو مات أو سافر سفراً ضرورياً وهكذا، فهذا يرجى أن يدرك أجر صيامها كاملة.
14) من نفِست كل رمضان وكان عليها قضاء شهر كامل فتقدم القضاء ولو صامت الست وقدمتها على القضاء جاز لها ذلك لكن الأولى بكل حال أن تقدم القضاء.
15) لا ينبغي للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر في البلد إلا بعد استئذانه فإذا منعها فيجب عليها أن تسمع له وتطيع إلا إذا لم يبقى على رمضان إلا بعدد الأيام التي عليها، فهنا لا يلزم استئذانه، لأن صيام هذه الأيام أصبح واجباً عليها.
عباد الله احرصوا على مواصلة الطاعة واجتهدوا في استغلال مواسم الخير فربكم غفور رحيم وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم وفق هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خيرهم، اللهم ارحمهم فوق الأرض وتحت الأرض، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل الآية90). وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة : 8-10-1431هـ