خطبة بعنوان: (وداع رمضان ومظاهر العيد) بتاريخ 1-10-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الشهور والليالي والأعوام مقادير للآجال ومواقيت للأعمار وأشهد ألا إله إلا الله وفق من شاء من عباده للطاعات ويسر لهم عمل الصالحات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بعثه ربه لجميع الثقلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتأملوا معي قول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ](يونس الآية 57، 58).

الفرح بفضل الله والبهجة برحمته والأنس بجوده والسرور بعطائه والسعادة بالثبات على صراطه المستقيم.

عباد الله لقد عشنا ساعات من أروع ساعات أعمارنا وأطيب أوقات حياتنا، عشنا في شهر رمضان شهر المغفرة والرحمة، شهر الجود والعطاء، شهر القرآن، شهر فعل الطاعات وهجر العصيان كان فيه زاد الصالحين وعدة للمستقبل لعباد الله المتقين.
اجتهد فيه أقوام فجعلوا رضا الرحمن فوق أهوائهم ورغباتهم وقدموا طاعة مولاهم على شهواتهم وملذاتهم وهاهم اليوم يفرحون بالعيد كغيرهم من الناس.
أيها المؤمنون اليوم عيد لمن أحسن الصيام واجتهد في القيام، اليوم عيد لمن أطعم الطعام ووصل الأرحام وصلى بالليل والناس نيام، اليوم عيد لمن حفظ سمعه وبصره وصان لسانه ويده وزكى قلبه وفؤاده.

اليوم عيد لمن حافظ على الجمعة والجماعة وأدى زكاة أمواله وصان صيامه عن المفطرات الحسية والمعنوية.

عباد الله وها هي الأيام تدور وينقضي شهر الصوم ولكن ما أودعناه من أعمالنا مقيد ومكتوب فالأيام خزائن حافظة لأعمالنا ندعى بها يوم القيامة، وصدق الله العظيم: [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً](آل عمران الآية30).

جاء في الحديث (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) (رواه مسلم).

عباد الله إن استدامة أمر الطاعة وامتداد زمانها زاد الصالحين وتحقيق أمل المحسنين وليس للطاعة زمن محدود ولا أجل مضروب بل هي حق للخالق العظيم على عباده يعمرون بها الكون ويستجيبون لنداء الرحمن ويتنافسون حسب التوفيق لهم ورمضان من أخص المواسم التي يتسابق فيها المشمرون ويتنافس فيها الصالحون يسمون إلى الفضائل ويبتعدون عن الرذائل وهم في يوم عيدهم يفرحون لأنهم يرون ثمرة عملهم ويقطفون نتيجة جهدهم ويقبضون جائزتهم.

أيها المؤمنون إن للقبول والربح في هذا اليوم علامات وللخسارة والرد أمارات وإن من أوضح العلامات وأبينها لقبول الحسنة فعل الحسنة بعدها فالطاعة تجر أختها.

ومن علامة رد الطاعة فعل السيئة بعدها فلنجتهد جميعاً في إتباع الحسنة بالحسنة ومحو السيئة بالحسنة بعدها وصدق الله العظيم: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرٰى لِلذَّاكِرِينَ](هود الآية114).

ومن توجيهات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: (اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ). (رواه الترمذي).

إن المحروم حقاً في هذا اليوم هو من أدرك هذا الموسم العظيم ثم لم يظفر من فضائله بشيء قعد به الكسل وأخره التسويف ومنعه التهاون وتتبع الشهوات وقد قال فيه وفي أمثاله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه قيل من يا رسول الله قال من أدرك رمضان فلم يغفر له).

ومع ذلك فمن فاته ركب الطاعة وسبقه تنافس الصالحين وقعد به الكسل فأمامه الأبواب مفتوحة والطرق ميسرة فما عليه إلا أن يصدق في التوبة ويقلع عن المعصية ويلجأ إلى الرب الرحيم الذي يبدل السيئات حسنات إذا تاب عبده وصدق وندم.

وصدق الله العظيم: [قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (الزمر الآية53).

وقال تعالى: [إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً](الفرقان الآية70).

روي عن بعض التابعين أنه قال (خرج ثلاثة أحبار إلى العيد فقال أحدهم اللهم إنك أمرتنا فيما أنزلت علينا أن نعتق العبيد في هذا اليوم ونحن عبيدك فأعتق رقابنا من النار وقال الآخر اللهم إنك أمرتنا فيما أنزلت علينا أن لا نرد المساكين ونحن مساكينك فلا تردنا وقال الثالث اللهم إنك أمرتنا فيما أنزلت علينا أن نعفو عمن ظلمنا ونحن عبيدك ظلمنا أنفسنا فاعفو عنا واغفر لنا وارحمنا وأنت أرحم الراحمين).

وصدق الله العظيم: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ](الحديد الآية16).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أنعم على عباده بتمام شهر الصيام وأشهد ألا إله إلا الله وفق من شاء لطاعته وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي كان عمله خالصاً لربه وكان من هديه الاستمرار على الطاعة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن العيد يوم فرح وسرور وهو في شرعنا مضبوط بضوابط شرعية فلا يجوز للناس في يوم العيد ولا في غيره أن يتلذذوا بالمعاصي ولا أن يحولوا أيام العيد إلى سهرات ورقصات ولهو محرم وإضاعة للصلوات بل يكون يوم العيد يوم شكر على نعمة إتمام الصيام والتوفيق للقيام.

ولا يجوز الإسراف في الألعاب وشرائها بأغلى الأثمان لا سيما ما يُحدث منها أضراراً بالغة فعلى ولي الأمر في كل بيت أن يراقب الله وأن يقوم بما أوجب الله عليه من رعاية أهله والقيام عليهم ومنعهم مما فيه ضررهم في العاجل والآجل.

وإن مما يحسن بنا في هذا اليوم أن نكثر من الدعاء وبر الوالدين وصلة الرحم وزيارة المرضى والمقعدين وأن نجتهد في بذل الصدقات وسلامة الصدور والتصافي.

فهذا اليوم هو يوم الحب والصفاء والأخاء والمودة وسل سخائم القلوب.

وعلى كل من كان بينه وبين أخيه أو أخته شيء أن يتغلب على نفسه وهواه وشيطانه ويصلح ما فسد من علاقات القلوب ويستثمر هذا اليوم في إصلاح ذات البين وتوثيق عرى المحبة والمودة.

وعلينا أن نتذكر إخوة لنا في طول البلاد الإسلامية وعرضها حلت بهم النكبات فهم في أشد الحاجة إلى دعمنا ومساندتنا بما نجود به من مال ودعاء ومؤازرة.

عباد الله وإن مما يذكر فيشكر في هذا اليوم المبارك مواقف خادم الحرمين الشريفين الكثيرة في هذا الشهر الكريم فمن توجيهات سديدة لضبط الفتوى إلى مساندة لإخواننا المتضررين في الباكستان إلى زيادة في رواتب العسكريين وقبل ذلك وبعده تلك الخدمات الجليلة لزوار المسجد الحرام والمسجد النبوي فهذه الجموع الغفيرة تؤدي مناسك العمرة بكل يسر وسهولة فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

عباد الله وإن من علامات التوفيق للمسلم أن يبادر بصيام ست من شوال إتباعاً للطاعة بالطاعة وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) (رواه مسلم).

وعلى كل من كان عليه قضاء من رمضان أن يبادر بالقضاء فإن المسلم لا يدري ما يعرض له أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا وإياكم ممن أنعم الله عليهم في هذا اليوم الكريم بالجوائز العظيمة وأن يجعلنا وإياكم ممن وفقوا لصيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً وأن يجعلنا وإياكم ممن أنعم الله عليهم بالعتق من النار.

هذا صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صيامهم وقيامهم واستجب دعاءهم يا كريم.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل الآية90)، وتقبل الله منا ومنكم وأعاد علينا وعليكم من بركات العيد وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة :1-10-1431هـ