خطبة بعنوان: (عقيدة أهل السنة بالصحابة رضوان الله عليهم) بتاريخ 22-10-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران الآية102).

عباد الله: يقول الله تعالى: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً].(الفتح الآية29).

في هذه الآية الكريمة بيان لصفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أكرمهم ربهم بصحبة نبيه ومعيته، واختارهم لقربه وعشرته، واختصهم بمشاهدته ورؤيته، واصطفاهم لمعاصرته وجواره في بيته الحرام وبلده الآمن، وشرفهم بالأخذ عنه والسماع منه، والجلوس إليه والاغتراف من بحره الزاخر وخيره العميم.

فاقتدوا بنصائحه وتعاليمه، وانتفعوا بتوجيهاته وإرشاداته، وتأسوا بكل ما وهبه الله من الآداب والفضائل والأخلاق، وترسموا خطاه في فعل الخيرات ونشر البر، وساروا على طريقه في إسداء الجميل واصطناع المعروف.
كيف وقد وصف الله القدوات بقوله:[أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ] (الأنعام: الآية90)، وقوله تعالى: [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ] (البقرة الآية 177).
وقد أثنى الله على هذه الصفوة المختارة من أصحاب نبيه فقال تعالى: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ](التوبة الآية100).

عباد الله لقد حاز أصحاب رسول الله فضلاً كبيراً واختصوا بشرف عظيم فهم حملة رسالة الإسلام، وهم المنافحون عن رسول الله في أشد الحالات وأحلك الظروف، وهم المجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته ونشر دينه، وهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء.

جاءت النصوص الكثيرة في فضلهم، وصدقهم، وعدالتهم، وتقواهم، والتزامهم بشرع الهب، بل وصرحت النصوص برضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم؛ فهنيئاً لهم هذا الشرف العظيم الذي لا يدانيه شرف، قال صلى الله عليه وسلم (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) (رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم عن أهل بيعة الرضوان: (لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم في الأنصار (آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ)(رواه البخاري).

أيها المؤمنون: لقد أثنى الله على أصحاب نبيه، وذكر أن من أخص صفاتهم أنهم رحماء بينهم، فمع شدتهم وغلظتهم على الكفار إلا أنهم رحماء بينهم، وصفة الرحمة من أخص صفات المؤمنين، وهي من أبرز مزايا المؤمن الصادق.

وقد وصف الله نفسه بهذه الصفة، ووصف بها نبيه، وأحب سبحانه من عباده الرحماء، وسمى الله الإسلام رحمة، وسمى القرآن رحمة، وسمى نبيه بذلك، وسمى المطر رحمة، وهذا كله لفضل هذه الصفة وعظيم نفعها.
ومتى فشى التراحم بين الناس اختفت الأحقاد والضغائن واستنارت القلوب بالبر والخير والمرحمة، وهنا تزول الشرور والمفاسد، وتختفي الفتن والعداوات، وتسود المحبة ويعم الصفاء، ويتعاون أفراد المجتمع الذين يمثلون بناء واحدا وجسداً واحداً. كما قال صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(رواه مسلم).

عباد الله: وقد اختلف الناس في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث طوائف؛ طرفان ووسط فغلا فيهم أو في بعضهم قوم، وجفا فيهم آخرون، وتوسط فيهم أهل السنة والجماعة.

فأهل السنة وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الذين يسبونهم ويطعنون فيهم ويستثنون أهل البيت حيث يغالون فيهم وبين الذين يكفرون أهل البيت ويبغضونهم، وهؤلاء على طرفي نقيض.

وأما أهل السنة فقد وفقهم الله جل وعلا للحق؛ فهم يحبون أصحاب رسول الله جميعاً، وينزلونهم منازلهم، ويعرفون لكل واحد منهم فضله وسابقته، ولا يتعرضون لأحد بشيء، ولا يخوضون فيما حصل بينهم، بل يرون أنهم مجتهدون مأجورون صادقون مؤتمنون.
وإن من يتعرض لهم أو يسبهم أو يطعن فيهم فهو يطعن بكتاب الله وبسنة رسول الله، ويكذب القرآن، لأن الطعن في الصحابة ليس طعناً في أشخاصهم وإنما طعن بما نقلوه لنا وحفظوه من نصوص الإٍسلام.

فما تطاول امرؤ على أصحاب رسول الله إلا جرَّه ذلك التطاول إلى الاعتداء على حرمات الله، وإلى إنكار كثير من الأحكام الشرعية، وانتهاك كثير من الحدود لأنها جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة الخيار العدول.
فاحذروا أيها المؤمنون من الاغترار بما تبثه القنوات الفضائية، وما ينشر في بعض وسائل الإعلام من التشكيك والتجريح والتهم، واعلموا أن الله جل وعلا حافظ دينه وناصر عباده المؤمنين، وأن الهجمات على دين الإسلام ما هي إلا إيقاظ للنائمين من أبناء الإسلام ليعرفوا مدى حقد الأعداء وغلظتهم وبغضهم للدين وحملته.

وصدق الله العظيم: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ](التوبة الآية100).
وقال تعالى: [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً](الفتح الآية18).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم هذا واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الثانية:

الحمد لله الذي فضل أصحاب رسول الله وأكرمهم ورضي عنهم والصلاة والسلام على النبي الأكرم الذي فضله ربه على سائر الأنبياء واختار له أصحابه من بين سائر البشر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن حب الصحابة والترضي عنهم وذكرهم بالخير هو مذهب أهل السنة والجماعة قال الطحاوي رحمه الله في إيضاح عقيدة أهل السنة والجماعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان).
فأهل السنة والجماعة يعرفون لأصحاب رسول الله فضلهم وقدرهم وسابقتهم في الإسلام وصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ويمسكون عما جرى بين الصحابة لأن ذلك يوغر الصدور ويسبب سوء الظن بهم فينبغي حفظ الألسنة عما جرى بينهم ولذا قال بعض التابعين لما سئل عن بعض ذلك (أمور طهر الله أيدينا منها فنطهر ألسنتنا).

فاحرصوا أيها المؤمنون على حفظ حق صحابة رسول الله واحذروا من الخوض فيما جرى بينهم واعلموا أنه لا يخوض في ذلك إلا أصحاب البدع أو الجهال الذين لا يعرفون الأحكام الشرعية، فرغمت أنوف لا تعرف لأصحاب رسول الله قدرهم، وشاهت وجوه لا تكرم أصحاب رسول الله وآل بيته، وسيكون لنا حديث حول الطاهرة الحصان الرزان المبرأة من فوق سبع سماوات أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما في جمعة قادمة إن شاء الله تعالى.

أسأل الله بمنه أن يوفقنا لحفظ حقوق أصحاب رسول الله، وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم، وأن يهدي ضال المسلمين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات، واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل:الآية90).

الجمعة: 22-10-1431هـ