خطبة بعنوان: (حج عام 1431 مشاهد ومواقف) بتاريخ 13-12-1431.
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ](البقرة الآية197).
والصلاة والسلام على من لبى بالحج القائل (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)(رواه البخاري)، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
عباد الله لقد منَّ الله على حجاج بيته الحرام فأدوا حجهم بكل يسر وسهولة ذاقوا حلاوة التعبد واستمتعوا بالذكر والدعاء وارتفعت أصواتهم بالتلبية نعموا بالأمن والأمان والصحة والعافية.
لقد تيسرت أمور الحج ومناسكه على وجه ما رأيناه من قبل فمع كثرة الحجاج من الداخل والخارج إلا أن التيسير والتوفيق ظهر واضحاً أثناء أدائهم مناسكهم وهنا نؤكد على أمرين هامين.
الأول يتعلق ببلادنا وهو ما تقدمه هذه البلاد المباركة من خدمات جليلة وتنظيم بديع وعناية فائقة في وفود الرحمن من حين تطأ أقدامهم ثرى هذه البلاد إلى أن يغادروا البقاع المقدسة وما صاحب ذلك من مشاريع عملاقة كانت سبباً رئيساً في تيسر أداء المناسك فمشروع جسر الجمرات ذلك المشروع العملاق الذي لا يعرف أثره إلا من وقف يرمي الجمرة ورآه بأم عينه ورآى تجهيزاته الكبيرة وما فيه من خدمات للطوارئ والإسعاف حتى أن طائرات الإخلاء تستطيع أن تهبط على سطوحه وسيارات الإسعاف ترتفع عن طريق مصاعده الكهربائية وقد اكتمل هذا المشروع المبارك هذا العام ولذا تيسرت أمور رمي الجمرات إلى حد كبير وأصبحت المشكلة في الوصول إليها وليس في رميها.
وهكذا مشروع المسعى حيث انحلت مشكلة المسعى التي كان يعاني منها الحجاج كثيراً.
وكذلك مشروع القطار الذي ظهرت آثاره في سهولة تنقلات الحجاج من منى إلى عرفات ومن عرفات إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى والجمرات وإذا استكمل هذا المشروع المبارك فسيكون له آثاره الإيجابية في تخفيف معاناة الحجاج في تنقلاتهم وسيخفف من ضغط الحركة المرورية التي كانت في أعوام ماضية سبباً رئيساً في تأخر الحجاج لا سيما من عرفة ومزدلفة.
عباد الله لقد بذلت هذه البلاد أموالاً طائلة ووفرت خدمات جليلة وأعلن خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة أن من أهم أولويات بلادنا خدمة الحجاج وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاهي الحقائق تصدق وهاهي الأفعال تسبق الأقوال فجزى الله ولاة أمرنا خيراً على هذا البذل السخي وهذه الخدمات الجليلة.
الأمر الثاني الذي نؤكد عليه يتعلق بالحجاج أنفسهم سواء من الداخل أو الخارج وهو أن الحج رحلة للتعبد وليس لرفع الشعارات وإثارة النعرات والصراعات ويوم أن يلتزم الحجاج بأداء المناسك على الوجه الصحيح يتحقق لهم ما يتمنونه من الراحة والطمأنينة وحيث سلم حج هذا العام ولله الحمد من هذه الأمور كلها فقد نعم الحجاج بالأمن والراحة وتيسر الحج ورأيناهم يلهجون بالثناء والدعاء لولاة أمر هذه البلاد على ما قدموه ويقدمونه من خدمات عظيمة للحجاج والمعتمرين.
عباد الله لقد رأينا خلال موسم الحج لهذا العام مظاهر عديدة تدل على عظمة هذا الدين رأينا مظاهر التذلل لله والانكسار بين يديه، رأينا ارتفاع الأصوات بالدعاء، رأينا العيون التي تذرف الدموع رغبة فيما عند الله وخوفاً من عذابه جاء هؤلاء الحجاج يسألون ربهم ويلتمسون رضاه فلله كم في الحج من الدروس والعبر تنافس في طاعة الله وندم على الماضي وعزم صادق على البعد عن المعاصي وحب متدفق لله ورسوله والمؤمنين.
لقد تعلم الحجاج صفات كريمة من الصبر وكظم الغيظ والكرم والبذل والعطاء والإيثار والبر والرحمة ومساعدة المحتاجين فهنيئاً لمن كان الحج له فرصة للتزود من الطاعة والعبادة وصدق الله العظيم: [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ](الحج الآيتان 34، 35)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم هذا واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الثانية:
الحمد لله الذي وفق حجاج بيت الله الحرام فأدوا مناسك حجهم بكل يسر وسهولة والصلاة والسلام على أكرم الخلق الذي قال في أعظم تجمع في حياته (خذوا عنى مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)(رواه البيهقي) صلى الله عليه وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وتعاونوا على الخير واحذروا من مسالك الشيطان وأعوانه.
عباد الله لقد مرت أيام الحج وليس فيها ما يعكر الصفو أو يكدر الخاطر أمن يرفرف على الحجاج وطمأنينة تلازمهم يتنقلون في المشاعر تحفهم السكينة وتغشاهم الرحمة يلبون ويسبحون ويهللون لم يشغلهم شيء آخر غير مناسكهم توفر لهم كل ما يحتاجونه من المآكل والمطاعم والمشارب يتنافس أهل هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) حكومة وشعباً في خدمة الحجاج وتيسير أمورهم لقد رأينا شباباً يتنافسون في خدمة الحجاج تعلوهم الابتسامة ويتوقدون حماساً ويتسابقون في توجيه الحجاج وتقديم الخدمات لهم وهذا كله من فضل الله على هذه البلاد لقد سمعنا وشاهدنا الكثير من الحجاج يرفعون أصواتهم بالدعاء لولاة أمر هذه البلاد وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني يدعون لهم بالتوفيق والإعانة وأن يجزيهم خير الجزاء على هذه الخدمات العظيمة التي لم تكن تخطر ببال أحد لقد شاهدنا من ذرفت دموعهم وهم يدعون لولي الأمر ونائبيه بتمام الصحة والعافية والعون والتوفيق وإكمال مسيرة البناء لهذه البلاد وهم في صحة وعافية وأمن وطمأنينة.
أيها الإخوة لقد تقرر عندي بعد التأمل أن العاملين المخلصين في شئون الحج بدءاً من أعلى المسئولين خادم الحرمين الشريفين ومروراً بمن بعده وبكل رجل أمن سهر وتعب وخدم الحجاج من أي قطاع من قطاعات الأمن وكذا لكل مسئول مخلص قام بواجبه على أكمل وجه أن هؤلاء جميعاً لهم أجر كل حاج ومعتمر أدى حجه وعمرته على الوجه الصحيح فهنيئاً لكل من ساهم في خدمة الحجاج وبذل من جهده ووقته وماله.
وإذا كنا قلنا في العام الماضي في مثل هذا الوقت إن موسم الحج هو أفضل موسم مر علينا فإننا نقول في هذا اليوم إن موسم حج هذا العام 1431هـ أفضل موسم مر علينا ولله الحمد والمنة.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يزيد هذه البلاد أمناً وطمأنينة وأن يوفق ولاة أمرها لكل خير وأن يجزيهم الجزاء الأوفى على ما يقدمونه لحجاج بيت الله الحرام من خدمات جليلة كما أسأله بمنه وكرمه أن يتم الصحة والعافية على خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني وإخوانهم وأعوانهم وأن يجزي رجال الأمن خير الجزاء على جهودهم المباركة ومتابعتهم الدقيقة.
هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، اللهم إن نحمدك ونشكرك على نجاح موسم حج هذا العام وخلوه من المكدرات، اللهم من كتبت له الحج هذا العام اللهم تقبل منه وأغسله من ذنوبه وخطاياه واجعله يعود من حجه كيوم ولدته أمه ومن لم تيسر له الحج هذا العام اللهم وفقه ويسر له الحج في عام قادم وأتم عليه الصحة والعافية، اللهم يا حي يا قيوم أتم النعمة على حجاج بيتك حتى يصلوا إلى بلادهم سالمين غانمين بمنك وجودك وفضلك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وأغث بلادنا بالأمطار اللهم غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً عاماً طبقا مجللا نافعا عاجلاً غير آجل، يا ذا الجلال والإكرام اللهم أنزل على أرضنا زينتها اللهم أفرح البادية في باديتهم والحاضرة في حاضرتهم يا رحمان يا رحيم، اللهم إن عبادك في حاجة إلى الغيث اللهم فأفرحنا بنزوله واطرح البركة فيه يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة : 13-12-1431هـ