خطبة الاستسقاء الإثنين 7-1-1432هـ

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الحمد لله غفَّار الذنوب وستَّارِ العيوب وكشَّافِ الكروب علاَّم الغيوب يعلم خائنةَ الأعينِ وما تخفي القلوب شديدِ العقابِ ذي الطول قابل التوبة لمن يتوب، أحمده سبحانه يجود بأعظم موهوب وأشكره شمل بإحسانه كل مربوب، أحمده سبحانه له الحمد كله وله الملك كله وبيده الخير كلُّه وإليه يرجع الأمر كلُّه شملت قدرته كلَّ شيء ووسعت رحمته كل شيء ووصلت نعمته إلى كلَّ حي { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}(الرحمن: 29).

أحمده سبحانه يغفر ذنباً ويكشف كرباً ويجبر كسيراً ويغني فقيراً ويعلِّم جاهلاً ويفرِّج هماً ويَهدي ضالاً ويُرشد حيراناً ويُغيثُ لهفاناً ويفك عانياً ويشبع جائعاً ويكسو عارياً ويشفي مريضاً ويعافي مبتلىً ويقبل تائباً ويجزي محسناً وينصرُ مظلوماً يرفعُ أقواماً ويضعُ آخرين { قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران: 26، 27).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مغيث المستغيثين ومجيبُ المضطرِّين ومسبغُ النعمة على العباد أجمعين لا إله إلا الله الولي الحميد المجيد، لا إله إلا الله عمَّ بفضله وإحسانه جميع العبيد وشمل بحلمه ورحمته ورزقه القريبَ والبعيدَ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}(هود: 6).
وقال تعالى:{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(الأنعام: 59).

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين وأكرم المرسلين المأمور مع عصمته بالاستغفار لذنبه وللمؤمنين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطاهرين الذاكرين الله ذكرا كثيرا والمستغفرين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102) استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيّومَ وأتوبُ إليه.

عباد الله إن من حكمة الله عز وجل أنه لا يديم لعباده حالة واحدة بل يتعهدهم بالشدة والرخاء ويبلوهم بالشر والخير فتنة وإن لهم في ذلك فوائد عظيمة، فإذا شبعوا شكروه وإذا جاعوا ذكروه فهم له حامدون ولفضله قاصدون وقلوبهم إليه متجهة ووجوههم له ساجدة يتوبون من كل معصية صادرة منهم ويسألونه من كل نعمة فتعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفْكم في الشدة واعلموا أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا وإنما يخوِّف الله عباده بالقحط والجدب ومختلف أنواع البلاء لئلا يستمروا في ذنوبهم، فمن اقترف ذنبا أو ارتكب إثما وعلم أن له ربا يقبل التوبة من عبده ويتعهده بفضله إذا ندم على ما سلف واستغفر مما اقترف فليبشر بتوبة الله عليه والله أرحم بعبده من الوالدة بولدها.

عباد الله ألحِّوا على الله بالدعاء فهو سلاح المؤمن إذا حزبه أمر أو ضاقت به ضائقة وصدق الله العظيم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: 186)، وقال جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر:60).

وقال صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ).(رواه الترمذي).
ولقد دعا الأنبياء والمرسلون والعلماء والصالحون ربهم فأجاب الله دعاءهم وحقق رجاءهم لقد صور القرآن لنا مواقف خاشعة صادقة نتلوها في كتاب ربنا فقال عن نوح عليه الصلاة والسلام {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}(القمر:10، 11).
وقال عن أيوب عليه الصلاة والسلام:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}(الأنبياء: 84).
وقال عن يونس عليه الصلاة والسلام: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}(الأنبياء: 88).

وقال عن زكريا عليه الصلاة والسلام {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء: 89).
فهؤلاء الصادقون عرفوا كيف يدعون ربهم رغبا ورهبا وخوفا من عذابه وطمعا في رحمته كانوا يبتهلون إلى الله آناء الليل وأطراف النهار ويتضرعون إليه في الشدة والرخاء والعسر واليسر في الصحة والمرض في الفقر والغنى ينصرفون إلى خالقهم بقلوبهم قبل ألسنتهم وبأعمالهم قبل أقوالهم ببواطنهم قبل ظواهرهم فلا عجب أن أجابهم خالقهم إلى ما طلبوا وأعطاهم ما سألوا وحقق لهم ما أرادوا.

وهو الذي يقول في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ)(رواه مسلم).
فأكثروا رحمكم الله من الاستغفار والدعاء فربكم رحيم غفار {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً}(النساء:110)، وقال الله تعالى{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(الأنفال:33).
وقال تعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح: 10 ـ 12).
وقال عن هود عليه الصلاة والسلام {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}(هود:3).
ورحم الله عمر بن عبد العزيز فقد قال في آخر خطبة له : ” إنكم لم تُخْلقَوا عبثا ولن تتركوا سدى وإن لكم موعدا يَنزِلُ الله فيه للفصل بين عباده فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحُرِم جنةً عرضُها كعرض السماوات والأرض.

عباد الله: وقد ورد ” أن سليمان عليه الصلاة والسلام خرج ليستسقي فرأى نملة مستلقيةً على ظهرها رافعةً قوائمهَا إلى السماء تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم “.
لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد سبحان فارج الكربات سبحان مجيب الدعوات، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، أستغفرُ الله العظيم وأتوبُ إليه {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(الأعراف:23).

اللهم أنت الله لا إله إلا الله أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا طبقا سحا مجللا عاما نافعا غير ضار عاجلا غير آجل، اللهم تحيي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع وأنزل علينا من بركاتك واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغا إلى حين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع بذنوبنا فضلك.

اللهم ارحم الأطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع وارحم الخلائق أجمعين {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة:286).

عباد الله اقلبوا أرديتكم تأسيا بنبيكم وتفاؤلا بتغيير أحوالكم إلى الأحسن إن شاء الله، واجتهدوا في الدعاء وتخلصوا من مظالم الخلق واحرصوا على بذل الخير وغسل قلوبكم من الحقد والحسد واحذروا الشحناء والعقوق وطهروا أموالكم من الربا وصلوا أرحامكم لعل الله أن يغيث القلوب والعباد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وإن من فضل الله علينا في هذه البلاد إظهار هذه الشعيرة أعني صلاة الاستسقاء فلا تكاد توجد في غير بلادنا
فلله الحمد والشكر ونسأله بمنه وكرمه أن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء وأن يعزهم بطاعته وأن يتم عليهم نعمة الصحة والعافية.
اللهم ألبس إمامنا خادم الحرمين الشريفين لباس العافية.
اللهم أتم عليه النعمة بتمام شفائه وعودته إلى بلاده سالماً غانماً.
اللهم وأمد في عمره ليواصل البناء والعطاء.
اللهم وفق نائبيه لكل خير، اللهم أجزهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
وصلى الله على النبي الكريم وآله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.