خطبة بعنوان: (استقبال العام الجديد وصيام عاشوراء) بتاريخ 4-1-1432هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين خص بعض الأوقات بمزيد فضل عن سائر الأيام وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الكبير المتفرد بالخلق والتدبير جعل الليالي والأيام مطايا يرتحلها الناس حتى يصلوا إلى النهاية المحتومة وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من صام عاشوراء القائل في سنته (وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)(رواه مسلم) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (الآية 102 آل عمران)
عباد الله العام الجديد صفحة بيضاء ينتظر الحفظة الكاتبون ما أنتم فاعلون فيه فاحرصوا على كثرة الأعمال الصالحة واستقبلوه بعزائم قوية ونوايا صادقة وتخطيط سليم واعلموا أن كل صغير وكبير ونقير وقطمير مما تعملونه سيحفظ لكم قال الله تعالى: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ] (الأنبياء الآية 94).
تذكروا أيها المؤمنون أنه سيمر عليكم عام 1432هـ وسيجري الله فيه من الأحداث والمقادير ما يشاء فاسألوه من خير ما يقدر في هذا العام واستعيذوا به من شر ما يقدر فيه وكونوا على وجلٍ مما أمامكم فلا يدري الواحد منا ما يعرض له.
استقبلوا عامكم الجديد بالعزيمة الصادقة على عمل الصالحات والهمة العالية في المنافسة في الخيرات واستفيدوا مما مضى عبرة لما تستقبلون.
فالدنيا ما هي إلا كما قال بعض الحكماء (ساعة بين ساعتين ساعة ماضية وساعة آتية وساعة أنت فيها، فأما الماضية والباقية فلا تجد لراحتهما لذة ولا لبلائهما ألماً وإنما الدنيا ساعة أنت فيها فخدعتك تلك الساعة وصيرتك إلى النار، وإنما اليوم إن عقلت ضيف نزل بك وهو مرتحل عنك فإن أحسنت نزله وقراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك وإن أسأت ضيافته ولم تحسن قراه جال في عينيك وصار وبالاً عليك وشهد عليك بما لا يسرك.
وهما يومان بمنزلة الأخوين نزل بك أحدهما فأسأت إليه ولم تحسن قراه فيما بينك وبينه ثم جاءك الآخر بعده فقال لك إني قد جئتك بعد أخي الذي أسأت إليه فإن أحسنت إليَّ محوت إساءتك إلى أخي وكفرت عما مضى وكان لك ما ختمت به وإن أسأت إليَّ فهذا دليل ضعف عقلك وعظم جهلك وهو منؤذن بهلاكك)
أيها المؤمنون ونحن في بداية العام الجديد ينبغي أن نتذكر سرعة انقضاء الأيام وتصرم الأعوام فها نحن اليوم في شهر الله المحرم ثم ما نلبث أن يأتي شهر ذي الحجة وهكذا كم من نفوس بينهما ستهلك وكم من المتغيرات في أحوال الناس فسبحان من يصرف الأيام كيف يشاء.
ولقد أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم عن سرعة تقارب الزمان فقال: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ)(رواه الترمذي).
عباد الله ولو تأملنا حال الناس في استقبالهم للعام الجديد لرأيناهم أصنافاً فمنهم من يفرح لأنهم حققوا شيئاً من أمانيهم واستمتعوا بشهواتهم.
وما علم هؤلاء أن أعمارهم تتناقص وأن آجالهم تدنوا وأنهم ضيعوا ما مضى من أوقاتهم في الشهوات والملذات وذلك شاهد عليهم دون محالة.
قال ابن رجب رحمه الله: (يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه إنما تفرح بنقص عمرك)
هذا الصنف من الناس تؤزهم الأيام والليالي إلى آجالهم أزَّا فهم يفرحون بالأيام يقطعونها وهي تدنيهم من آجالهم والربح والخسران في العمل.
وهناك صنف عرفوا معنى الحياة وأدركوا قيمة الزمن فاستعدوا لما أمامهم وهؤلاء عقلاء أذكياء عكس الصنف السابق وقد وظفوا قدوم العام الجديد بأنه منذر لهم بانقضاء آجالهم ونقصان أعمارهم فدفعهم ذلك لكثرة العمل الصالح والتقرب إلى الله فيما ينفعهم يوم العرض عليه وأدركوا معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن خير الناس فقال: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)، ثم سئل: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ)(رواه الترمذي، وأحمد).
أيها المؤمنون هل رأيتم غنياً رضي بغناه هل رأيتم صاحب منصب رضي بمنصبه، هل رأيتم فقيراً رضي بفقره كل يتمنى تغير حاله والزيادة على ما عنده وهذه طبيعة الحياة لكن السعيد من اتعظ بغيره وعمل للدار الآخرة وزاده مرور الأيام قرباً إلى الله وتمسكاً بالطاعة وعمل الصالحات.
الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي سفرهم والعاقل من الناس من يقدم في كل مرحلة زاداً ينفعه في ثنيات الطريق قبل انقطاع السفر ومباغتة الأجل.
قال عمر بن عبد العزيز في آخر خطبة له: (إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحُرم جنةً عرضها السماوات والأرض).
وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ َفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ *وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ](المنافقون الآيات9، 10، 11).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله القاهر فوق عباده القادر على كل شيء وأشهد ألا إله إلا الله مصرف الأيام والليالي وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أكمل الناس عقلاً وأحسنهم خلقاً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن مما يعزي الشباب في بداية العام باستقبال عمرهم بالطهر والعفاف والطاعة ما أخبر به رسول الله صلى الله علي وسلم عن مصعب بن عمر رضي الله عنه ذلك الشاب الذي كان مثالاً يحتذى للشباب المسلم فقد كان من أنعم الشباب في مكة فقد كان شاباً منعماً يظهر عليه آثار النعمة والغنى كان يلبس أفخر الملابس ويستعمل أطيب الطيب رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فبكى حيث ذكر ما كان فيه من النعمة وما آل إليه حاله من الفقر والحاجة لكنه تحول إلى عالم زاهد نفع الله به ولما استشهد لم يجدوا له كفنا إلا ثوبه وكان قصيراً إن غطوا به رأسه خرجت رجلاه وإن غطوا به رجليه خرج رأسه فوضعوا على رجليه شيئاً من الإذخر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل فيه قوله تعالى: [مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً](الأحزاب الآية23).
عباد الله ومما تستقبلون به عامكم الجديد المبادرة إلى صيام يوم عاشوراء فقد صامه موسى عليه الصلاة والسلام شكراً لله على ما تحقق له من النصر المؤزر على فرعون وجنده وصام هذا اليوم محمد صلى الله عليه وسلم وقال فيه (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)(رواه مسلم).
وقال في آخر حياته بعد أن أُمر بمخالفة اليهود (لَئِنْ بقيت إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ). (رواه مسلم).
وفي هذا العام من أراد أن يصوم التاسع والعاشر فعليه أن يصوم يوم الأربعاء والخميس ومن أراد أن يصوم يوماً واحداً فيصوم يوم الخميس وكل ذلك جائز ولله الحمد بل أن بعض أهل العلم جعل المراتب أربعاً.
الأولى: صيام ثلاثة أيام، والثانية: صيام يومي التاسع والعاشر، والثالثة: صيام يومي العاشر والحادي عشر، والرابعة: صيام يوم واحدج فقط وهو العاشر وسيكون لنا حديث بمشيئة الله في جمعة قادمة حول الدروس المستفادة من قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون وما كان فيها من عظات وعبر.
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمامنا خادم الحرمين الشريفين من كل سوء ومكروه اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية وأعده إلى بلاده سالماً غانما اللهم أمد في عمره على طاعتك اللهم أعز به دينك وانصر به أولياءك واجعله رحمة على شعبه وبلده اللهم وفق نائبيه لما فيه الخير والصلاح وألبسهم لباس الصحة والعافية واحفظهم بالإسلام قائمين قاعدين اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وارفع درجاتهم في الجنات وأصلح نياتهم وذرياتهم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وأغث الديار بالأمطار اللهم غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً عاماً طبقا مجللا نافعا عاجلاً غير آجل اللهم يا من خزائنه ملئ لا تعجزه النفقة يده سحاء تنفق الليل والنهار جد علينا بخير من خيرك وفضل من فضلك يا ارحم الراحمين اللهم يا من أمره كن فيكون مر السحاب فليتكون ثم مره فليمطر ثم اطرح البركة فيما أنزلت اللهم أنزل على أرضنا زينتها اللهم أفرح البادية في باديتهم والحاضرة في حاضرتهم اللهم إننا بحاجة إلى الغيث اللهم إنا نسألك بمنك وكرمك وجودك وفضلك وإحسانك أن تتم علينا النعمة بنزول الغيث والأمن في الديار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة : 4-1-1432هـ