خطبة بعنوان: (تعظيم النصوص الشرعية) بتاريخ 3-2-1432هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس أحمده سبحانه هدانا للإسلام وعلمنا القرآن وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ] (آل عمران 102).
عباد الله لقد أكمل الله لنا الدين ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده ولا دين إلا دين الإسلام [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ](آل عمران الآية85).
وقال تعالى: [وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ](الزمرالآية54).
لقد ترك رسول الله أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وإن من أعظم الزيغ والهلاك والضلال عدم الاستسلام لأمر الله لقد تجرأ أقوام على الاستهانة بحرمات الله وتنكبوا الجادة وقدموا الآراء والأهواء على نصوص الكتاب والسنة ووالله ثم والله لا فلاح ولا فوز ولا سعادة للعباد في الدنيا والآخرة إلا بتعظيم أوامر الله ورسوله والوقوفِ عند حدود الله والإذعانِ والانقيادِ وتمام الطاعة ومن عظَّم نصوص الكتاب والسنة طرح الهوى واستسلم للهدى وانقياد لشرع الله.
وصدق الله العظيم: [إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ](النور الآية51).
وقال تعالى: [فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ](القصص الآية50).
إن السمع والطاعة والقبول والإذعان لنصوص الشرع هو سبيل المؤمنين وإن الإعراض عن الوحي أو معارضته أو مجادلته هو سبيل المنافقين.
ولله در ابن القيم عليه رحمه الله حيث يقول: (وكل من له مسكة عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي والهوى على العقل وما استحكم هذا الأصلان الفاسدان في قلب إلا ستحكم هلاكه وفي أمةٍ إلا فسد أمرها أتم فساد).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عليكم بالاستقامة اتبعوا ولا تبتدعوا).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة).
وقال الزهري رحمه الله: (الاعتصام بالسنة نجاة).
وقال الأوزعي رحمه الله: (اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه وأسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما لسعهم).
وقال أبو العالية رحمه الله: (تعلموا الإسلام وعليكم بالصراط المستقيم وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء).
عباد الله لقد كان السلف الصالح على ورع كبير ولذا كانوا يقفون عند النصوص الشرعية ويعظمونها ويقدمونها على كل شيء ويحذرون من تتبع الرخص وتمييع الدين.
يقول الإمام الأوزاعي: (من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام).
وقال الشاطبي: (فإذا صار المكلف في كل مسألة عنَّت له يتبع رخص المذاهب وكل قول وافق فيه هواه فقد خلع ربقة التقوى وتمادى في متابعة الهوى ونقض ما أبرمه الشارع وأخَّر ما قدمه) انتهى كلامه.
ويترتب على تتبع الرخص والأخذ بشواذ العلم والفتاوى أمور خطيرة منها:
1) الضلال في الفتوى والمحاباة فيها في تتبع رخص المذاهب إتباعاً للغرض والشهوة.
2)الإدعاءُ بأن الاختلاف حجة على الجواز أو الإباحة حتى شاع بين الناس الاعتمادُ في جواز الشيء على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم.
3) التخلصُ من الأحكام الشرعية وإسقاطُها جملة عملاً بمبدأ الأخذ بأخف القولين حتى لا يكاد يبقى قول يعتمد عليه.
عباد الله لقد كثر الذين يقولون إذا سألوا عن حكم مسألةٍ وأُجيبوا بما عليه الدليل أليس فيها خلاف أليس فيها قول غير هذا، وكأن الأقوال أصبحت حاكمة على النصوص وهذا مبدأ خطير يترتب عليه تقديم الهوى على الشرع والعياذ بالله.
لقد ظن هؤلاء أنه مع وجود الخلاف بين أهل العلم فيسوغ لكل شخص أن يختار ما يشتهيه من الأقوال ويتتبع رخص الفقهاء.
وظنوا كذلك أنه يجوز للمفتي أن يتخير من أقوال أهل العلم بالهوى والرغبة دون النظر في الأدلة ومآخذ القوم، وهؤلاء ضلوا في هذا الباب لأنهم فتحوا على أنفسهم وعلى الناس باب شر عظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ](النور الآيات 47، 48، 49، 50).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الـثـانــية
الحمد لله إله الأولين والآخرين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن الفتوى توقيع عن الله فاطلبوها ممن تثقون بهم وتطمئنون إليهم، يقول العلامة ابن حزم في سياق حديثه عن طبقات المختلفين: (وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم).
ويقول العلامة أبو الوليد الباجي المالكي: (وكثيراً ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها ـ أي الحلف ـ لعل فيها روايةً أو لعل فيها رخصةً يعني لعل فيها قولاً آخر عن الإمام أو رواية عنه أو لعل فيها رخصة، ولو كان تكرَّر عليهم إنكار العلماء لمثل هذا لما طالبوا به).
وقد جاء في ذلك حديث وابصة بن معبد قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ : اسْتَفْتِ نَفْسَكَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ -ثَلاَثًا – الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ , وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) (رواه أحمد، والدارمي.
عباد الله إذا تعدى العقل حدوده وصادم الوحي كانت الهلكةُ والضلالُ وهل طُرد إبليس من الجنة إلا لما أخضع الأمر الإلهي لميزان عقله القاصر فضل وغوى إذا أمره الله بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام فلم يرتض عقلُه أن يسجد لأنه خلق من نار وآدم خُلق من طين فجادل وامتنع فحقت عليه اللعنة وباء بالخسران المبين.
وصدق الله العظيم: [قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ](ص الآيات 76، 77، 78).
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لتحكيم شرعك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد، واللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك وآكلاه برعايتك وأتم عليه نعمة الصحة والعافية وأعده إلى بلاده سالماً معافى ووفق يا ربنا نائبيه لكل خير.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](البقرة الآية201).
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية90).
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث البلاد بالأمطار يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة :3-2-1432هـ