خطبة بعنوان: (خطورة الاستهزاء والسخرية بالناس) بتاريخ 17-2-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل في محكم كتابه [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] (ق الآية18)، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في سنته (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ)(رواه البخاري) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا](الأحزاب الآيات 70، 71، 72).

عباد الله لقد سعى رسولنا صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة في المجتمع المدني على إيجاد مجتمع متكافل متراحم يتآزر أفراده ويتعاونون فيما بينهم كأنهم جسد واحد.
قال تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة الآية2).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وتعاطفهم مِثْلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)(رواه مسلم).
وهكذا ينبغي لكل مجتمع يريد السلامة والرقي والتقدم أن يكون حريصاً على التآخي والتعاون بعيداً عن كل ما يؤثر سلباً على المجتمع ومن أشد ذلك وأخطرِه مرضُ الاستهزاء والسخرية الذي يثير الأحقاد ويدعو للمخْيلةِ والاحتقار ويسبب الفرقةِ والاختلافَ ويورثُ العداوة والبغضاء ويوهن بناء المجتمع القوي المتماسك.

لقد نهى الله عن الاستهزاء والسخرية لأنها رذيلة من أخس رذائل البشر وصفةٌ من أقبح صفاتهم هذا الخلق الذميم يدل على خسة صاحبه ولؤم طبعه وفساد نشأته وانحطاط مستواه.

والاستهزاء قد يكون بنظرة أو كلمة أو إشارة أو محاكاة أو غمز أو همز أو لمز ومرد ذلك كلهِّ إلى القلب فإذا انعقد على شيء من ذلك وقع المحذور .
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ](الحجرات الآية10).
نعم أيها المؤمنون قد يكون المستهزَءُ به أفضل من المستهزِئ وخيراً منه فلماذا إذاً يقدم على الوقوع في المحرم والاستسلام للشيطان والنفسِ الأمارة بِالسوء.

إن الاستهزاء والسخرية صفةٌ من صفات الشيطان الرجيم إذ أمره الله بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام فأبى وامتنع مستهزءاً بآدم قائلاً [أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ](الأعراف الآية 12).
فا ستحق بهذا الاستهزاء أن يكون مطروداً مرجوماً ملعوناً محروماً من الجنة خالداً مخلداً في النار وبئس المصير.

والاستهزاء أيضاً صفةٌ من صفات اليهود الذين قالوا عن خالقهم ورازقهم سبحانه: [يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا](المائدة الآية 64).
وقالوا عن الملائكة ومنهم جبريل بأنهم أعداء لنا واستهزؤا بموسى عليه الصلاة والسلام واحتقروه لكن الله نصره عليهم والاستهزاء أيضاً صفةٌ من صفات الكفار حيث سَخِروا من نوح عليه الصلاة والسلام وغيره من الأنبياء وهو صفةٌ من صفات المنافقين حيث كانوا يستهزؤن بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فنزل القرآن يفضحهم: [قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ](التوبة الآيتان 65، 66).

عباد الله لقد شدد الإسلام في هذا الباب أعظم التشديد ومنع من التعرض للآخرين بالسخرية والاستهزاء بأي لون وشكل مهما كان يسيراً ويكفينا ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ــ تَعْنِي قَصِيرَةً ــ فَقَالَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ) (رواه أبو داود والترمذي).

وما ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)(رواه البخاري).
قال القرطبي رحمه الله عن قوله تعالى: [لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ](الحجرات الآية11) وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رثَّ الحال أو ذا عاهةٍ في بدنه أو غيرَ لبقٍ في محادثته فلعله أخلصُ ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقَّره الله والاستهزاء بمن عظمه الله) انتهى كلامه.

لقد حذر الله من الاستهزاء والسخرية بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني وذلك كله مبعد عن الله مقرب من الشيطان وحزبه وصدق الله العظيم: [فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي](المؤمنون الآية110).
وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)(رواه البخاري ومسلم).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ](الزمر الآيتان 55، 56).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الثانية:

الحمد لله الذي حرم الاستهزاء والسخرية بالناس وعدَّ ذلك من أفعال الجاهلين وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أعفُّ الناس نفساً وأحفظهم لساناً وأكثرهم ذكراً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاعلموا أيها المؤمنون أن الله تعالى نهى المؤمنين عن الاستهزاء والسخرية وحذرهم أشد التحذير .
قال ابن كثير رحمه الله (نهى الله سبحانه وتعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاءُ بهم كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الهر عليه وسلم أنه قال: [الكبرُ بطر الحق وغمط الناس] (رواه مسلم)، والمراد من ذلك احتقارُهم واستصغارُهم وهذا حرام). انتهى كلامه.

عباد الله: وللسخرية مضار كثيرة منها:
1) في السخرية مخالفةٌ لأمر الله وهي جالبةٌ لسخطه مستوجبةٌ لعذابه.
2) السخريةُ تهوِّن دعائم المجتمع وتضعف بناءه وتجعل أفراده يحقد بعضهم على بعض حيث يحقد المسخورُ منه على الساخر ويتربص به الدوائر.
3) السخرية قد تكون سبب هلاكِ الساخرين فقد كان هلاك قوم نوح بسبب كفرهم وسخريتهم من نوح عليه الصلاة والسلام.
4) السخرية نوع من الظلم لأن الساخر يظلم أخاه ويؤذيه وقد حرَّم الله أذَّية المسلم وعدَّها بهتاناً عظيماً.
5) السخرية انتهاكٌ لحقوق الإنسان وسلب لكرامته التي اختصه الله بها.
6) السخرية ممرضة للقلب مميتة للشعور والإحساس ولا يفيق صاحبُها إلا بعد فوات الأوان وهنا يبقى هذا الحق معلقاً حتى يتنازل صاحبه.
7) السخرية من صفات الكفار والمنافقين وقد نًهينا عن التشبه بهم.
8) السخرية تبعد الإنسان عن ربه وتبعده عن الخير وأهل الخير وتجعله في حزب الشر وأهله.
9) السخرية سبب للعقوبة في الدنيا قبل الآخرة فقد يَحدثُ للساخر ما حدث للمسخور منه وهذا أمر مشاهد.
10) السخرية تنسي الإنسان ذكر ربه فيستولي عليه الشيطان ويصرفه عن الطاعة إلى المعصية.

فاحرصوا أيها المؤمنون على الابتعاد عن هذا الخُلق الذميم واحفظوا ألسنتكم عن التعرض للناس ففيكم عيوب وللناس ألسن.
ولنا حديث مع مرض من أمراض اللسان في جمعة قادمة إن شاء الله.
أيها المؤمنون صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات وأغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](البقرة: الآية201)
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية90).

اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث اللهم اجعله متعاً لنا وبلغاً إلى حين، اللهم اطرح البركة فيما أنزلت اللهم تابع علينا خيراتك.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أنزل علينا الغيث.

اللهم تابع علينا الخير، اللهم جود علينا بخير من خيرك وفضل من فضلك يا ارحم الراحمين.
اللهم يا من خزائنه ملئ لا تعجزه النفقة يده سحاء تنفق الليل والنهار جود علينا بخير من خيرك وفضل من فضلك، اللهم يا من أمره كن فيكون مر السحاب فليتكون ثم مره فليمطر واطرح البركة فيما أنزلت.
اللهم أفرح البادية في باديتهم والحاضرة في حاضرتهم بنزول الغيث وطرح البركة فيه يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الجمعة :17-2-1432هـ