خطبة بعنوان: (الثبات في وقت الفتن وحول قدوم الملك من رحلته العلاجية) 22-3-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده ولا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى دل أمته على الخير وحذرهم من الشر وأوضح لهم طريق الآخرة والأولى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعملوا بوصية ربكم للأولين والآخرين [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ](النساء الآية131).

أيها المؤمنون إن معركة الحق مع الباطل قائمة ما قامت السماوات والأرض فما دام يوجد مؤمنون وكفار ومنافقون وفجار ومصلحون وأخيار فالمعركة مستمرة لا تخبو نارها ولا يفترا استعارها ولا يخلو منها زمان ومكان.
الحق يحمله رسل الله وأتباعهم في كل عصر ومصر يوضحونه للناس ويدلونهم عليه ويكونون قدوات لهم ويكشفون كل شبهة توضع في طريقه فيهتدي على أيديهم من شاء الله له الهداية من الخلق، والباطل يحمله ويدعو إليه الشيطان وجنوده من شياطين الجن والإنس وصدق الله العظيم: [يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] (الأنعام الأية 112).
وهؤلاء يستخدمون لترويج الباطل كل وسيلة من الدعايات والشبه والشهوات فيقذفون في قلوب أتباعهم نار الفتنة ويقيدونهم بحبائل الشهوة حتى لا يكادون يتخلصون منها ويستمر الصراع قائماً وأهم أدواته وأعظم أسلحته هي الفتن التي تأكل الأخضر واليابس.

فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، فتن القاعد فيها خير من الساعي والسعيد من سلم من الفتن ووقاه الله منها قال صلى الله عليه وسلم: (إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن)(رواه أبو داود).
وهذه الفتن تعرض على القلوب لأن افتتانها افتتان للجسد كله وسلامتها سلامة للجسد كله قال صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه)(رواه مسلم).

عباد الله ونحن في هذه الأيام نعيش فتنا تموج بمن حولنا فالحذر الحذر من الوقوع في شيء منها أو التعرض لها لأننا مسئولون أمام الله والمخرج من الفتن أمر واضح ظاهر ومن ذلك:
1) الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما فإنهما حفظ لمن تمسك بهما قال تعالى: [وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ](آل عمران الآية101).
2) كثرة العبادة لله فهي الوظيفة الأولى للإنسان في هذه الدنيا قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ](الذاريات الآية56).
وقال صلى الله عليه وسلم: (العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)(رواه مسلم)، ومعنى الهرج الفتنة واشتغال الناس بها والعبادة تشغل عن الفتنة وتسد أبوابها ومنافذها ويرتبط العبد بالخالق سبحانه فيحفظه ويعينه وكان من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك)(رواه الترمذي).
3) مجاهدة النفس والشيطان والهوى وذلك بالعلم الشرعي والعمل الصالح والدعوة إلى الله والصبر وتلك والله كفيلة بتحقيق النصر والظفر بالأجر وقد جمعتها سورة العصر[وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ](العصر الآيات1، 2، 3).
4) الثبات على دين الله بالاستقامة على التوحيد والمحافظة عليه وفعل الأوامر واجتناب النواهي والإخلاص في كل الأعمال صغيرها وكبيرها قال تعالى: [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ](هود الآية112)، وقال تعالى: [فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ](فصلت الآية6)، وقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ](الأحقاف الآية13).
5) الفرار من الفتن بسلامة القلب منها وسلامة اللسان والبصر والسمع وسائر الجوارح.
6) الالتجاء إلى الله والتحصن به والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه ولزوم هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا الباب وكثرة التعوذ من الفتن فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم كثرة التعوذ منها قال صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)(رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)(رواه الترمذي).

عباد الله وأنتم تلحظون كثيراً من المجالس يخوض الناس فيها فيما وقع من الفتن من قريب أو بعيد ولا يحسبون لذلك حساباً وعلينا إذا أردنا السلامة لديننا وأنفسنا في الدنيا والآخرة أن نعدل في أقوالنا ونقسط في الشهادة ونحفظ ألسنتنا عن الحكم فيما لا نعلم فربنا جل وعلا أمرنا بذلك قال تعالى: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا](الأنعام الآية152)، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ](النساء الآية135)، وقال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ](ق الآية18).
واعلموا أيها المؤمنون أن للفتن مضاراً عظيمة تعشعش في المجتمع فتبعده عن الله وتشغله عن الطاعة والعبادة ومن أهم مضار الفتن ما يأتي:
1) الفتن من أكبر أسباب كثرة إراقة الدماء.
2) خسران في الدنيا وفي الآخرة.
3) الفتنة تعمي عن الحق وعن الصراط المستقيم.
4) الفتنة تلقي بالشبهات في دين المرء فتختلط عليه الأمور ويقع في العظائم.
5) الفتنة ن أعظم أبواب فساد القلوب وقلبها عن الاعتدال إلى الميل والظلم والعدوان.
6) الفتنة تفقد المجتمع عزته ومكانته وتضعفه وتجعل أمره بيد غيره فيصبح المجتمع تابعاً لغيره من المجتمعات وهنا يعظم الأثر عليه ويشتد الخطر ويبتعد الناس عن الدين وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ *وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ](الأنفال الآيتان 24، 25).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الطاعة لولاة الأمر واجباً شرعياً فقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ](النساء الآية59)، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى القائل (من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله)(رواه ابن خزيمه)، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن هذه الفتن التي تموج بها كثير من بلاد المسلمين تحتاج إلى تأمل وأخذ الدروس المستفادة لا سيما ونحن ولله الحمد والمنة ننعم بالأمن والطمأنينة في ظل تحكيم شرع الله المطهر أجل أيها الإخوة إن المحبة والولاء بين القيادة والشعب أمر يدل على ثقافة المجتمع ووعيه ومسئوليته ونحن في بلادنا الغالية يبادل الشعب مليكه حباً ووفاءً وولاءً ولكنه من نوع خاص أتدرون لماذا!!!
لأن بلادنا قبلة المسلمين ومهبط الوحي ومنطلق الرسالة وهي البلد الذي يحكم بشرع الله فلا غرابة أن يكون التلاحم والترابط على صورة ليس لها مثيل.

وخادم الحرمين الشريفين أعطى لشعبه الكثير وبذل غاية ما يستطيع وكان صريحاً وواضحاً يقول ويعمل ويتابع ولذا ملأحبُّه قلوب شعبه وعاشوا معه رحلته العلاجية لحظة بلحظه يلهجون بالدعاء ويظهرون المشاعر الصادقة وليس ذلك خاصاً بفئة من المجتمع دون فئة بل الجميع الكبار والصغار والرجال والنساء المتعلمون منهم والعوام الكل يعبر عن فرحه وسروره وابتهاجه بسلامته ويدعو الله أن يحفظه من بين يديه ومن خلفه.

وربنا جلا وعلا يقول: [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ](إبراهيم الآية7)، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) (رواه أبو داود).
فنحمد الله ونشكره على عودة خادم الحرمين الشريفين سليماً معافى ونسأل الله بمنه وكرمه أن يلبسه ثوب الصحة والعافية وأن يوفقه لقيادة هذه البلاد بشرع الله وأن يديم علينا وعليه وعلى أبناء هذا الوطن نعمة الأمن والأمان والسلامة في ظل تحكيم شرع الله المطهر وأن يزيد بلادنا عزاً ومجداً وتقدماً وتلاحماً وتماسكاً وأن يحفظها من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وعبث العابثين وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم كما نسأله سبحانه أن يتم نعمة الصحة والعافية على ولي عهده المحبوب والنائب الثاني وإخوانهم وأعوانهم وأن يجعلهم سنداً وذخراً لهذه البلاد مع قائد نهضتها وراسم مسيرتها خادم الحرمين الشريفين.
وسيري يا بلادي وعانقي السماء مجداً وفخراً فأنتِ بتحكيم الإسلام جديرة بقيادة العالم وكلما زاد تمسكك بشرع الله زاد عزك ومجدك (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلا من قائل عليما : [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] (الأحزاب الآية56).
اللهم صلي وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم جنبنا الفتن، اللهم جنبنا الفتن، اللهم جنبنا الفتن، اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار ورغد العيش يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ دماء المسلمين، اللهم احفظ دماء المسلمين، اللهم احفظ دماء المسلمين.
اللهم ولي على المسلمين خيارهم، اللهم ولي على المسلمين خيارهم، اللهم ولي على المسلمين خيارهم.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم احفظ أيدينا وألسنتنا وأسماعنا وأبصارنا من الوقوع في الفتن.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات وأصلح نياتهم وذرياتهم يا كريم.
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. (النحل الآية 90).
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار يا ذا الجلال ولإكرام، اللهم زد هذه البلاد أمنا وطمأنينة وتمسكاً بشرعك يا كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة :22-3-1432هـ