خطبة بعنوان: (التفكر في خلق الله -السماوات والأرض والجبال -وغيرها) بتاريخ 4-5-1432هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي يسبح كل شيء بحمده وتخضع جميع المخلوقات لكبريائه وجلاله وعظمته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وانظروا ماذا في السماوات والأرض وما حولكم من العوالم لتروا فيها بديع صنع الله وعظيم خلقه كيف قامت على أحسن نظام وأدق إحكام فلا إله إلا الله الحكيم العليم تأملوا رحمكم الله كيف أن كل صنعة لها بصانعها ارتباط وهكذا الكون الفسيح العريض فلا يكون مكتوب بلا كاتب ولا مخلوق بلا خالق ولا كلام بلا مخاطب ولا نبات بلا ماء ولا بيت بلا بناء وأعمدة فكل صنعة تدل على صانعها.
أيها الإنسان فكر بالعوالم وأكنافها وأحجامها وأطرافها وتحركها ودورانها وتناسبها ونظامها، فكر في النباتات والشجر والفاكهة والثمر وفي البحر والنهر، فكر في الحيوانات على أشكالها وفي الطيور على أجناسها.
فكر في الإناث والذكور والتوالد على مر الدهور، فكر في الظلام والنور، فكر في الريح والهواء والمطر والماء، فكر في عظمة الليل والنهار والجبال والأحجار والأشجار.
أيها الإنسان إذا طاف عقلك في الكائنات ونظرك في الأرض والسماوات رأيت على صفحاتها قدرة الله الباهرة وامتلأ قلبك بالإيمان بالله وانطلق لسانك بالتنزيه والتعظيم والتسبيح والتهليل وخضعت مشاعرك وجوارحك لسلطان الخالق العظيم والمبدع الحكيم فلا خالق غيره ولا رب سواه.
وصدق الله العظيم: [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](آل عمران الآية191).
عباد الله الكون كله بمخلوقاته العظيمة وبأحيائه من الإنس والجن والطير وبجماداته من الشجر والحجر والماء والزرع والثمار وعالم الملائكة المسبحة بحمد ربها وغيرها من العوالم التي تدل على عظمة الخالق فتبارك الله أحسن الخالقين.
لقد جاءت آيات القرآن تأخذ المسلم في جولات تعمق الإيمان في النفوس وتزيد اليقين في الصدور أحياناً في آفاق السماء وأخرى في جنبات الأرض وثالثة في مدارات النجوم ورابعة تسبح في عالم البحار تذكر بأعماقها وأسرار خلقها وإبداعها فسبحان الذي خلق ذلك كله وأبدعه.
عباد الله أليس الله جل وعلا هو الذي خلق الْحَبِّ وَالنَّوَى وأخرج الميت من الحي وأخرج الحي من الميت.
أليس خالقنا سبحانه هو الذي فلق الإِصْبَاحِ وجعل الليل ساكناً والشمس والقمر في حسبان واستمعوا إلى ذلك كله في كلمات وجيزة وعبارات بليغة تدل على عظيم صنع الله [إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ ذَلِكُمْ اللَّهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ](الأنعام الآيتان 95، 96).
عباد الله وتأملوا كيف يُكون الله السحاب ويؤلف المطر ويتجمع البرد في مشهد عجيب وترتيب بديع ينتفع به أقوام ويحرم منه آخرون ويكون عذابا على من شاء الله من المعاندين الجاحدين وصدق الله العظيم: [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ] (النور الآيتان 43، 42).
تفكر أيها الإنسان أليس الله جل وعلا هو الذي يحي الأرض بعد موتها وينبت فيها من الحبوب والثمار ما يكون فيه معاش الخلائق وهم يرون ذلك بأم أعينهم صباح مساء وهي مشاهد واقعية تدل على عظمة الخالق سبحانه قال تعالى: [وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ](يس الآيات33، 34، 35، 36).
أيها الإخوة إن في مخلوقات الله عظة وعبرة لمن تأمل ووقف عندها عوالم كثيرة وأسرار عجيبة ومخلوقات متنوعة فهذا عالم الملائكة بما فيه من أسرار عظيمة وما أناط الله بهم من أعمال كثيرة وكلهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يرون وعالم النحل ومملكته التي تدل على عظيم إبداع الخالق سبحانه وعالم النمل وسائر الطير والحيوان فسبحان من أعطى كل شيء خلقه وهدى.
وصدق الله العظيم [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ](البقرة الآية 164).
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خضعت لعظمته الرقاب وذلت لجبروته الصلاب الشداد خلق عظائم المخلوقات وأبدع دقائق الموجودات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وتأملوا في خلق هذه الحيوانات على اختلاف صفاتها وأجناسها وأشكالها ومنافعها وألوانها وعجائب خلق الله المودعة فيها فمنها الماشي على بطنه ومنها الماشي على رجلين ومنها الماشي على أربع.
ومنها ما يجعل سلاحه المناقير ومنها ما يكون سلاحه في أسنانه ومنها ما يكون سلاحه القرون ومنها ما يكون سلاحه في قوته وعظم خلقه فسبحان من خلقها على هذه الصفات.
قال تعالى: [وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ](النور الآية45).
قال ابن القيم رحمه الله: (تأمل العبرة في موضوع هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على أحسن نظام وأدلِّه على كمال قدرة خالقه وكمال علمه وكمال حكمته وكمال لطفه فإنك إذا تأملت العالم وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع آلاته ومصالحه وكل ما يحتاج إليه فالسماء سقفه المرفوع عليه والأرض مهاد وبساط وفراش ومستقر المساكن والشمس والقمر سراجان يزهران فيه والنجوم مصابيح له وزينة وأدلة للمنتقل في طريق هذه الدار)(انتهى كلامه).
عباد الله وللتفكر في مخلوقات الله فوائد عظيمة منها:
1) أنه طريق موصل إلى رضوان الله ومحبته.
2) فيه انشراح للصدر وسكينة للقلب.
3) التفكر يورث الخوف والخشية من الله جل وعلا.
4) التفكر سبيل لكثرة الاعتبار والاتعاظ من سير السابقين وأحوالهم.
5) التفكر يحي القلب ويربطه بخالقه فيحجزه ذلك عن الوقوع فيما حرم الله.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. (النحل الآية 90).
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم زد هذه البلاد أمنا وطمأنينة وتمسكاً بشرعك يا كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة : 3-5-1432هـ