خطبة بعنوان: (أثر القرآن في حياتنا) بتاريخ 18-5-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان وأشهد أن لا إله إلا الله خص أمة الإسلام بأفضل الرسل وخير الكتب وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا](الأحزاب الآيات 70، 71، 72).
عباد الله القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة والنور المبين والشفاء النافع والعصمة لمن تمسك به والنجاة لمن اتبعه لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد، من قرأه أُجر ومن أتبعه هُدي ومن عمل به سعد ومن حكم به عدل ومن نطق به صدق تحدى العظماء وأعجز البلغاء وأخرس الشعراء.
تكفل الله بحفظه قال تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (الحجر الآية9).
فهو محفوظ بحفظ الله مصون برعاية الله لا تمتد إليه أيدي العابثين وصدق اله العظيم: [لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ](فصلت الآية42).

تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثله أو يأتوا بعشر سور أو سورة واحدة قال تعالى: [قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً](الإسراء الآية88).

عباد الله القرآن حياتنا فيه السعادة والفوز فلنشغل أنفسنا بتلاوته والعمل به فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ، وَفَضْلُ كَلاَمِ اللهِ عَلَى سَائِرِ الكَلاَمِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ) (رواه الترمذي).

وعن أبي ذر رضي الهس عنه: قال: قلت يا رسول الله أوصني (قال أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله ) قلت : يا رسول الله زدني قال : ( عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء ).(رواه ابن حبان وصححه شعيب الأرنؤوط).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الها صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)(رواه أبو داود).
وعن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به)(رواه أحمد).

أيها المؤمنون والمقصود من تلاوة القرآن فهمه وتدبره والعمل به ولا يكفي مجرد التلاوة وتحريك اللسان بدون فهم وعمل قال تعالى: [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ] (البقرة الآية121).
قال ابن مسعود رضي الهُ عنه (والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله).
لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزن عشر آيات حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل.
قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ](ص الآية29).

إن الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة وثبات في هذه الحياة التي تموج بالمغريات والفتن والشهوات فحري بنا أن نعتني بأولادنا وبناتنا ونربيهم على مائدة القرآن تلاوة وتدبراً وحفظاً وعملاً فهذا هو طريق الثبات على الصراط المستقيم وهو الطريق للوصول إلى الخيرية المنشودة قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)(رواه البخاري).
والقرآن يرفع أقواماً ويضع آخرين ويأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة وقارئ القرآن مع السفرة الكرام البررة والقلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب.
ومن قرأ القرآن وحفظه وعمل به ألبس والداه التيجان يوم القيامة على رؤس الأشهاد.
قال الشافعي رحمه الله: (كنت يتيماً في حجر أمي فدفعتني إلى الكتاب ـ أي حلق القرآن ـ ولم يكن عندها ما تعطي المعلم فكانت تقول اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي هذا).

عباد الله إن تفاوت مراتب الناس حسب أخذهم بالقرآن وعملهم به قال تعالى: [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ](فاطر الآية32).
فعظموا القرآن واتلوه وتدبروه وتعلموه واعملوا بما فيه وقفوا عند حدوده واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه واحذروا هجره والعدول عنه قال تعالى: [وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً](الفرقان الآية30).
واجتهدوا في الحصول على التجارة الرابحة فالقرآن تجارة وأي تجارة قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ](فاطر الآيتان 29،30).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ (يَقُومُ بِهِ) آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ)(رواه البخاري ومسلم).
وصدق الله العظيم [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً](الإسراء الآية9).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وأشهد أن لا إله إلا الله جعل معجزة النبي الخاتم قرأناً يتلى إلى يوم القيامة [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ](الحجر الآية9)، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من قرأ القرآن وعمل به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فتأملوا معي رحمكم الله قول الله تعالى: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ](الحديد الآية16).
إن حياة القلوب تكون بذكر الله وما نزل من الحق فكما أن حياة الأرض الميتة يكون بالمساء فكذلك حياة القلوب بالقرآن.

قال مالك بن دينار رحمه : (ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض)
فمن أراد حياة قلبه ونور فؤاده وبلوغ السعادة في الدنيا والفوز بالآخرة فعليه أن يسقي قلبه بربيع القلوب وهو القرآن وهو كتاب التربية والتعليم الذي لا يغني عنه غيره مهما كان واضعه فربوا الشباب عليه وغذوهم به واجمعوا بين العلم والعمل ففي ذلك النجاة في الدنيا والآخرة قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه (يا حملة القرآن أو يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالِمُ من عمل بما علم ووافق علُمه عملَه وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملُهم علمَهم وتخالف سريدتُهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى).

عباد الله وهنا نقول هنيئاً لولاة أمرنا العناية بالقرآن تحكيماً وتعليماً وطباعة وتوزيعاً ورعاية للجماعات الخيرية لتحفيظه، وهنيئاً للذين ثنوا أرجلهم لتعلم القرآن وتعليمه إذا حسنت النية وصح المقصد فأولئك عمروا أوقاتهم بالعيش مع القرآن لا يريدون من أحد جزاءً ولا شكوراً، هنيئاً لمن تخرج على يديه حفاظً لكتاب الله أو متعلمون ينشرون العلم ويبثونه في المجتمع، هنيئاً للعاملين في حلقات تحفيظ القرآن والمدرسين في مدارس التحفيظ والعاملات في الدور النسائية لحفظ القرآن والمدرسات في مدارس التحفيظ ذلك أن عملهم يعينهم على تحقيق الخيرية وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)(رواه البخاري). فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

هذا صلوا وسلموا على خير من تعلم القرآن وعلمه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام، اللهم زد بلادنا آمناً واطمئناناً واستقراراً ورغد عيش يا رحمان يا رحيم، اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم يا كريم.

عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. (النحل الآية 90).
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم تابع علينا خيراتك يا كريم،اللهم اطرح البركة فيما أنزلت بمنك وجودك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة : 18-5-1432هـ