خطبة بعنوان: (من أسرار خلق النهار) بتاريخ 5-11-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لمعرفة عدد السنين والحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله لجميع الثقلين بشيراً ونذيراً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران الآية102).
أيها المؤمنون تأملوا في بديع خلق الله وأسرار هذا الكون الفسيح ومن ذلك النهار وأسرار خلقه فهو آية من آيات الله الباهرة قال تعالى [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً](الإسراء الآية12).

النهار جعله الله للبذل والعمل والتضحية وطلب المعاش وهو ميدان للحركة والسعي كل حسب وسعه وطاقته وصدق الله العظيم [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً](الفرقان الآية47).
لقد أحيا سلفنا الصالح الليل بالقيام وعمروا النهار بالصيام وتوجوا بطولاتهم الكثيرة بين الليل والنهار لقد كتبوا على جبين الدهر صفحات مشرقة ملؤها العزة والكرامة والسؤدد فصدق فيهم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

عباد الله الليل والنهار من أعجب آيات الله وقد تكرر ذكرهما في القرآن كثيراً قال تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ](فصلت الآية37)، وقال تعالى: [اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً](غافر الآية61).
فربنا جل وعلا جعل الليل سكناً ولباساً يغشى العالم فتسكن فيه الحركات وتأوي الحيوانات إلى بيوتها والطير إلى أوكارها وتستجم فيه النفوس وتستريح من كد السعي والتعب حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها وتطلعت إلى معايشها وتصرفها جاء فالق الإصباح سبحانه وتعالى بالنهار فمزق تلك الظلمة وكشفها عن العالم فإذا هم مبصرون فانتشر الإنسان والحيوان وتصرف في معاشه ومصالحه وخرجت الطيور من أوكارها وبدأت حياة جديدة وصبح جديد وهكذا دواليك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد امتن الله جل وعلا على عباده بنعمة الليل والنهار ولفت أنظارهم إلى عظمة هذه النعمة وتسخيرها في عبادته سبحانه قال جل وعلا [قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ](القصص الآية71).
وقد خص الله جل وعلا النهار بذكر البصر لأنه محله وفيه سلطان البصر وتصرفه وخص الليل بذكر السمع لأن سلطان السمع يكون وتسمع فيه الحيوانات ما لا تسمع في النهار لأنه وقت هدوء الأصوات وخمود الحركات وقوة سلطان السمع وضعف سلطان البصر والنهار بالعكس فيه قوة سلطان البصر وضعف سلطان السمع.

عباد الله وفي النهار أيام أشرقت بنورها في تاريخ الإسلام الطويل كانت هذه الأيام مفخرة الأجيال وعزة في جبين الدهر فهناك يوم بيعة الرضوان ويوم الهجرة ويوم بدر ويوم حنين ويوم الفتح الأعظم بل إن يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس يتكرر أسبوعياً وقد قال فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة) (رواه مسلم).
وهذا اليوم العظيم فيه ساعة تستجاب فيها الدعوة ومن توضأ في هذا اليوم وأحسن الوضوء وأتى المسجد واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام.
ومن الأيام العظيمة في الإسلام يوم عرفة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صومه يكفر السنة التي قبله والتي بعده وكذلك يوم عاشوراء وصيامه يكفر السنة التي قبله.

ومن الأيام العظيمة في الإسلام يوم الإثنين والخميس هذه الأيام كلها غالية على النفوس ومحبوبة لها وفيها من الغنائم ما يتنافس فيه المتنافسون إنها أيام تدل على عظمة النهار وروعته وثقل الأعمال فيه عندما ترجح موازين أقوام وتخف موازين آخرين.
وصدق الله العظيم: [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً](الإسراء الآية12).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الليل والنهار وجعلهما يتعاقبان في حساب السنين والأعوام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن ما ذكرناه من الأيام الفاضلة أيام يفرح فيها المؤمنون وينتظرون الواحد تلو الآخر فهذه الأيام قريبة من القلوب يؤمل الإنسان أن يفعل فيها خيراً يقربه إلى الله.
وهو في نفس الوقت ينظر بعينه إلى اليوم العظيم الذي أكثر الله من ذكره وسماه يوماً عبوساً قمطريرا هذا اليوم الذي يرجف الفؤاد منه وترتعد الفرائض ويشيب منه الولدان وتضع الحوامل فيه حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى هذا اليوم ليس كأيامنا فطوله خمسون ألف سنة وحره شديد.

هذا اليوم العظيم تعددت أسماؤه وكثرت أوصافه وجاء ذكره كثيراً في كتاب الله سماه الله باليوم الآخر ويوم القيامة ويوم الساعة ويوم البعث ويومِ الخروج ويومِ القارعة ويومِ الفصل ويومِ الدين ويومِ الصافة ويومِ الطامة الكبرى ويومِ الحافة ويومِ الحسرة ويومِ الغاشية ويومِ الخلود ويومِ الحساب ويومِ الواقعة ويومِ الوعيد ويومِ الآزفة ويومِ التلاق ويومِ التناد ويومِ التغابن ويومِ العرض، وهو يومٌ عسير ويومٌ شديد ويومٌ عظيم ويومٌ مشهود ويومٌ عبوس قطمير.
وقال الله جلا وعلا: [وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ](البقرة الآية48)
قال الله جلا وعلا [اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً](النساء الآية87).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.

اللهم وفق هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خيرهم، اللهم ارحمهم فوق الأرض وتحت الأرض، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل الآية90). وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار يا ذا الجلال ولإكرام، اللهم زد هذه البلاد أمنا وطمأنينة وتمسكاً بشرعك يا كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الجمعة : 5-11-1432هـ