خطبة بعنوان: (المخدرات سم قاتل) بتاريخ 25-5-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أباح لعباده الحلال وحرم عليهم الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله أحل الطيبات وحرم الخبائث ومنها المسكرات والمخدرات والمفترات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي دل أمته على كل خير وحذرهم من كل شر، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله وراقبوه، واعملوا بطاعته واحذروا من أليم عقابه، فبتقوى الله تفوزون وتفلحون [فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ](المائدة الآية100).

عباد الله لقد كرم الله بني آدم، وفضلهم على كثير من مخلوقاته، وميزهم بالعقل الذي يدركون به النافع من الضار، والخير من الشر، قال الله تعالى [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً](الإسراء الآية70).
لقد توج الله الإنسان بالعقل، وأحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث، من أي شيء يضر بجسمه أو عقله، وما دام الأمر كذلك فهو مطالب بالحفاظ على هذه النعمة الكبرى، وأن يحسن استخدامها فيما يعود عليه بالخير والنفع ولا يضيعها فيما فيه ضرر دينه ودنياه.
ومن أجل ذلك حرّم الإسلام الخمر وسمّاها (أم الخبائث) لأنها تخامر العقل وتغطيه، فيفقد الإنسان أعز ما يملك، وينحدر إلى درجة أحط من الحيوان بل قد يصل إلى درجة الجنون.

نعم إن الخمر هي الدافع الأساسي لجميع الموبقات، والعامل الأول في سقوط متعاطيها ووقوعه في الهاوية وارتكابه لشتى الجرائم لأن من لا عقل له قد يفعل الأفاعيل.

عباد الله لقد اجتهد الأعداء في تدمير أخلاق شباب المسلمين وفتياتهم وكان من أمضى أسلحتهم سلاح المسكرات والمخدرات.
لقد أمطروا البلاد الإسلامية بسمومهم لخلخلة البناء وتوهينه وتمزيق الوحدة وإيجاد أعضاء في المجتمع مشلولين غير فاعلين.
وقد تحقق لهم الكثير مما أرادوه، فقد وقع فئام من الناس في براثنها وأصبحوا صيداً سهلاً للأعداء يوجهونهم كيفما شاءوا،والمخدرات آفة العصر الحاضر، وهي السم القاتل الذي يعتبره كثير من المتعاطين بداية النهاية.

ولله درّ شيخ الإسلام حيث يقول عن الحشيشة: (إن الحشيشة حرام يحد متناولها كما يحد شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد وأنها تصد عن ذكر الله) انتهى كلامه.
عباد الله لقد تحطمت أسر كثيرة وتفرقت شذر مذر وأصبحت تعيش رعباً وخوفاً بعد أن كانت آمنة مطمئنة؛ كل ذلك بسبب تعاطي الأب المخدرات وإليكم هذه القصة لشاب يروي معاناته ووالدته وإخوانه وأخواته فيقول: كنا نعيش في سعادة وهناء، ترفرف علينا السعادة من كل اتجاه، أنس ومحبة ووفاء، أبوان كريمان وإخوة وأخوات متحابون، لكن فجأة تحولت الحياة إلى كابوس مخيف، وصرنا نعيش رعباً وخوفاً لا نستطيع مقابلة والدنا لأنه أصبح وحشاً كاسراً، وبقيت أُمُنَا المسكينة تتحمل المتاعب والمصاعب حيث سقط أبي في شراك المخدرات، وأصبح مدمناً، وصار يضيع كل ما عنده من المال في هذا الطريق المظلم، وصرنا نعيش على صدقات المحسنين، لقد تغيرت حياتنا رأساً على عقب، بعض من حولنا لا يكاد يصدق لكننا بحكم مُعَايشتُنا لوالدنا عرفنا أن المخدرات هي أساس الضياع فأبونا وعمره يناهز الخمسين وقع في حبائلها بسبب بعض جلسائه، وهنا أصبح الشاب يبكي ويرفع صوته ويلجأ إلى ربه أن يهدي والده ويرده إلى جادة الصواب.

أجل أيها الإخوة إنها حالة كثيرين وبيوت كثيرة وقعت لهم مثل هذه الحادثة، فكم من شخص اعتدى على أقرب الناس إليه، وكم من شخص طلق امرأته، وكم من شخص تفرقت أسرته بسبب ذلك.
إن من فقد عقله لا نفع وراءه بل هو عالة على أهله ومجتمعه؛ إن المتعاطي يقدم على تضييع عقله وإتلافه، وقد يقدم على أسوأ من ذلك فَيُيَتم أطفاله ويرمِّل زوجته عندما يقتل نفسه بهذه المخدرات.

روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فأحبته امرأة غاوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فجاء البيت ودخل معها فكانت كلما دخل باباً أغلقته دونه حتى وصل إلى امرأة وضيئه (حسناء جميلة) جالسه عندها غلام وإناء خمر فقالت له إنها ما دعته لشهادة وإنما دعته ليقع عليها أو يقتل الغلام أو يشرب الخمر فلما رأى أنه لا بد له من أحد هذه الأمور تهاون بالخمر فشربه فسكر ثم زنى بالمرأة وقتل الغلام)، قال: أمير المؤمنين عثمان (فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه)(رواه البيهقي)
وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُون](الآيتان 90، 91).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون وتأملوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام؛ إن على الله عز و جل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال) قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال ( عرق أهل النار أو عصارة أهل النار ) (رواه مسلم).
عباد الله إن البلاد الإسلامية ومنها بلادنا الغالية ــ المملكة العربية السعودية ــ تتعرض لحملة شرسة من أعداء هذه البلاد وذلك بإغراقها بالمخدرات والمنبهات والمفترات التي تفتك بالصحة وتدمر الأفراد والمجتمعات وتضعف الإنتاج وتفقد العقول وتزرع الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة وإن حياة الأمم بحياة أفرادها وقوة الأمم بقوة أفرادها.

والمخدرات من أهم أسباب تدهور الأمم القوية وضعفها وهي السلاح البتار في أيدي الأعداء.
لقد سقط كثير من أبناء الأمة وبخاصة الشباب تحت تأثير تلك السموم البيضاء بصورة مخيفة مفزعة تنذر بالخطر وتهدد كيان الأمة.
إن استعمال تلك المواد يفقد الجسم مناعته والأعضاء عملها والنفس كرامتها ويميت الغيرة والنخوة ويدفع إلى ارتكاب كل محظور من سفك الدماء وهتك الأعراض وسرقة الأموال واستباحة المحرمات والشاهد على ذلك تلك الوقائع الكثيرة في طول البلاد الإسلامية وعرضها.

عباد الله ولقد أثلج صدورنا ما سمعناه في بيان وزارة الداخلية من القبض على تلك السموم والقبض على مروجيها ونسأل الله أن نسمع قريباً مايفرحنا من اتخاذ أحكام الله في مثل هؤلاء.
وهنا نشد على أيدي رجال الأمن البواسل الذين يتابعون هذه السموم ونقول لهم مزيداً من الجهد والبذل والعطاء فأنتم في ميدان من ميادين الجهاد فأخلصوا النية وقووا عزائمكم فأنتم على خير إن شاء الله، زادكم الله توفيقاً وهدى وحفظكم بالإسلام وحفظ الله عليكم عقولكم وأعراضكم وأموالكم ورد الله كيد الأعداء إلى نحورهم.

ولنا وقفة مع أسباب تعطيها والعلاج الحاسم لها إن شاء الهن.

هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين الرسول المجتبى والنبي المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم وفق هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات للخير اللهم خذ بأيديهم لما فيه
خيرهم، اللهم ارحمهم فوق الأرض وتحت الأرض، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات. [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل الآية90). وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار يا ذا الجلال ولإكرام، اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث واطرح فيه البركة يا كريم، اللهم زد هذه البلاد أمنا وطمأنينة وتمسكاً بشرعك يا كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة : 24-5-1432هـ