خطبة بعنوان: (زكاة الزروع والثمار) بتاريخ 9/ 11/ 1432هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أفاض على عباده من عطاءه وفضله الكثير، فأطعمهم من جوع، وأغناهم من فقر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالعطاء والمنع، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير من لبى أمر ربه وأكرم من أعطى بيده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي من أكرم الوصايا وأعظمها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102).
عباد الله: لقد امتن الله علينا بنعمه الكثيرة، من مال وبنين، وأمنٌ ورخاء، وصحّةٌ ونماء، ويسر لنا الأرزاق، وأفاض علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، وأدر علينا الضروع، وأسمن لنا الأنعام، فله الحمد في الأولى والآخرة.
عباد الله: إن زيادة النّعم تكون فتنة وبلاء، أو امتحاناً واختباراً، قال عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(الأنبياء:35)، فإما أن تكون هذه النعم منحة يستعان بها على طاعة الله، وإما أن تكون نقمة تَجُرّ إلى عقاب الله، فانتبهوا يا أولي الألباب.
لقد ذكر الله تعالى في كتابه أحوال السابقين، ومنهم قوم سبأ الذين أعطاهم من فضله ما يتمناه العباد من الأرزاق ورغد العيش، ولكنهم حادوا عن طريق الجادة فابتلوا بأشد البلاء، وبدّل الله لهم رغد العيش بالضنك والفقر، وبسعة الأرزاق ضيقه وقلته، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ}(سبأ: 15ـ 17).
فعلينا يا عباد الله أن نتعظ بغيرنا ولا نغتر بحلم الله تعالى علينا، وأن نبادر ببذل ما فرض الله علينا من الزكاة، والتطوع بالصدقات، ومن تعامل مع الله بصدق وإخلاص لم ينقص ماله، بل يزيده الله له بركة ونماء.
والنّعم إذا قمنا بشكرها وصرفها فيما يرضي الله كانت لنا منحة، وإن كفَرناها وصرفناها فيما لا يرضي الله كانت محنة وبلاء، قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم: 7).
عباد الله: لقد أمر الله عباده بإخراج الزكاة طيبة بها نفوسهم، جبراً للفقراء والمساكين، وسداً لحاجة المعوزين، وزيادة لترابط المسلمين، وإن من أنواع الزكوات الواجبة التي يجب على المسلمين إخراجها زكاة الزروع والثمار، قال الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأنعام: 141)، وقال صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ) (رواه البخاري ومسلم).
وإن من أنواع الزروع والثمار التي أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة فيها (الحنطة والشعير والزبيب والتمر)، وما عداها فهو محل خلاف، والجمهور على وجوب الزكاة في غير تلك الأنواع مما يشترك معها في العلة وهي الكيل والاقتيات والادخار.
وتجب زكاة الزروع والثمار إذا بلغ النصاب خمسة أوسق فأكثر، ولا تجب فيما دون ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ)(رواه البخاري ومسلم).
ومقدارها إذا سقيت بالأنهار والغيم العشر، وقدره نصف وسق، وفيما سقي بالساقية نصف العشر، وقدره ربع وسق لقوله صلى الله عليه وسلم (فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ)(رواه مسلم)، ووزن النصاب بالكيلو جرام هو ستمائة وخمسة وسبعون كيلا (675)، وهذا الوزن للبر والأرز الثقيل والتمر، أما الشعير والبر فيختلف عنها نظراً لخفته، فيكون وزنه أقل من غيره.
ولا يشترط اعتبار حولان الحول في زكاة الزروع والثمار لأن هذا النوع من أموال الزكاة نماء في نفسه فتخرج منه الزكاة عند كماله لقول الله تعالى { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ..}(الأنعام: 141).
عباد الله: يجب على كل واحد منا أن يتثبت عند إخراج زكاة زرعه وثمره، فبعض الناس يكون عنده أنواع من الثمار منها الجيد، ومنها الرديء فيُخرج من الرديء عن الجيد، وهذا لا يجوز ولا تبرأ به ذمته؛ لأن من يأخذ تلك الزكاة شريك له فيما يخرجه، فلابد من إخراج الزكاة من الأنواع كلها، أو تخرج من الأحسن، لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}(البقرة: 267).
عباد الله: ومن كان عنده نخل في بيته، أو في مزرعته، أو في استراحته، أو في أي مكان آخر يقع تحت ملكه فعليه أن يجمع كل ما عنده، فإذا بلغ نصاباً أخرج زكاته، ويخطأ بعض الناس الذين لا يخرجون زكاة نخيلهم الموجودة في بيوتهم أو استراحاتهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة: 268).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون: وأخْرجوا زكاة أموالكم طيِّبة بها نفوسكم، مُتَحرِّين للعدل وبراءة للذمة.
عباد الله: إذا باع المسلم ما عنده من الزروع والثمار فعليه أن يخرج زكاتها من قيمة ثمره وزرعه إذا باعه، فيُخرج عُشرَ القيمة إن كان ما يزرعه يُسقى بالعيون سيحًا، ويُخرج نصف عشر القيمة إن كان يُسقى بالمكائن.
وقد نصَّ على جواز الإخراج من القيمة الإمام أحمد رحمه الله فقال: (إذا باعَ ثمره أو زرعه وقد بلغ ففي ثَمَنِهِ العشر أو نصفه)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل لا بأس به، مثل: أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه). وهذا فيه عدل وإنصاف وبراءة للذمة ونفع للفقراء.
عباد الله: بعض الناس يظن أنه إذا أخرج صدقة تطوع من زروعه وثماره سقطت عنه الزكاة، وهذا فهم خاطئ فالزكاة واجبة في حق المسلم، أما صدقة التطوع فهي مستحبة، والواجب يقدم على المستحب.
عباد الله: لقد جاء بيان وزارة الداخلية قوياً حول بعض الأحداث الأخيرة التي فيها إثارة للفتنة وإخلال بالأمن، ونحن نؤكد أن مثل هذه الأعمال لا تخدم إلا أعداء الإسلام، وأن هذا البلد المبارك سيحفظه اله بحفظه وتوفيقه، ثم بسواعد أبنائه المخلصين، ونؤكد كذلك أن هذا البلد محسود بما يتمتع به من الأمن والأمان ورغد العيش، نسأل الله أن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:٥٦).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وخليلك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعبث العابثين.
واصرف عنا وعن المسلمين جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير
البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات.
اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صالح أعمالهم، واستجب دعاءهم يا كريم.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان.
اللهم أنج المستضعفين والمظلومين يا جبار السموات والأراضين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة:9/ 11/ 1432هـ