خطبة بعنوان: (مشاهداتي في حج عام 1432) بتاريخ 22-12-1432هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أكرم المؤمنين بعبادته، ويسر لهم طاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خير من اصطفاه واجتباه على العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى هي خير الزاد {.. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}(البقرة: 197).
عباد الله: لقد أكرم الله عباده بموسم عظيم، ومنسك جليل، وأجر جزيل، لمن قام به على الوجه الذي أراده سبحانه وتعالى من عباده، فنحمد الله جل وعلا على آلاءه ونعمه، وعطائه وكرمه، وجوده وإحسانه، ونسأله سبحانه القبول والرضوان، والعتق من النيران لنا ولجميع إخواننا المسلمين.
ووصيتي لمن حج بيت الله الحرام هذا العام وغيرهم أن يهتموا بمسألة قبول العمل، وذلك باستصغار ما قاموا به في جنب نعم الله تعالى، وتجنب العجب والغرور، والخوف من رد العمل وعدم قبوله، وتقوية جانب الرجاء مع كثرة الدعاء، ولزوم الاستغفار، والإكثار من الأعمال الصالحة، والمداومة عليها.
عباد الله: لقد شاهدت من خلال رحلتي في حج هذا العام مشاهد إيجابية وسلبية، وتلك المشاهد منها ما أفرحني ومنها ما أحزنني.
ومن تلك المشاهد الإيجابية التي رأيتها:
الحرص الشديد من الذين أتوا من البلاد الأعجمية لأداء مناسك الحج على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال حرصهم على تطبيق السنة في سائر المناسك، وهذا يبين مدى محبتهم وشوقهم وتعلقهم بهذا الدين العظيم، وبهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ومنها: رؤيتي لمنظر في غاية الروعة، وهو من أجمل ما رأت عيني، فقد رأيت من يحمل أمه أو أباه على ظهره، ومنهم من يحمل أحدهما على عربة متنقلة يدفعها بيديه مع شدة الزحام، وطول الطريق، وصعوبة بعض الأماكن المرتفعة، ويتنقل بهما بين المناسك، ولا يتضجر، ولا يغضب، بل تراه مبتسماً فرحاً مسروراً، معاناً من الله تعالى، وكيف لا وقد أدى عملاً من أحب الأعمال الصالحة، وهو بر الوالدين، لما سئل صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله، ذكر منها: بر الوالدين، فيا ليت شعري من يقدِّر من شبابنا وبناتنا حق الوالدين العظيم، ويعلم أنهما بابان مفتوحان إلى الجنة، أسأل الله تعالى أن يغفر لوالدينا، وأن يجمعنا بهما في جنات النعيم.
ومن تلك المشاهد أيضاً: كثرة البذل والإنفاق في سبيل الله: فقد رأيت حرص بعض المحسنين ممن فتح الله عليهم بالمال في شراء وجبات غداء وعشاء، ومياه شرب، وعصائر، وغير ذلك مما يدخل السرور على الحجاج وخاصة الفقراء منهم، وهذه المواقف رأيتها في مشاعر الحج ولاسيما في عرفة، ومزدلفة، وهؤلاء بذلوا وأنفقوا من أجل أن ينالوا رحمة الله ورضاه، وصدق الله تعالى:{وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً}(المزمل: 20).
ومن تلك المشاهد أيضاً: ما رأيته من التعاون والتعاضد بين المسلمين في التيسير على بعضهم في الطرقات، ومساعدة الضعفاء، والابتسامات المشرقة الرقراقة التي كانت تخرج من وجوه الحجاج بعضهم لبعض، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم:(مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)(رواه مسلم).
وأما المشاهد السلبية التي رأيتها ورآها بعض الحجاج:
أولاً: شدة الزحام: والتي كان من أسبابها أن كثيراً من الحجاج دخلوا المناسك بغير تصريح، سواء من المشاة أو السيارات، مما تسبب في إعاقة حركة المرور في بعض الأماكن، والتضييق على الحجاج في مناسكهم، والتشويش عليهم من خلال أبواق السيارات والعوادم الخارجة منها.
وأيضاً: حصول بعض المشاكل بين بعض الحجاج بسبب الزحام والتدافع وخاصة أثناء الطواف، والتي نتج عنها بعض التشاحن، وخروج بعض الألفاظ غير اللائقة بالمكان والزمان، والتي كان ينبغي على كل حاج ألا تصدر منه، استجابة لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ..)(البقرة: 197).
عباد الله: وهناك بعض المسائل الفقهية التي وقع فيها بعض الحجاج جهلاً منهم أو تفريطاً، ومن ذلك:
* الخروج من عرفة قبل غروب الشمس .
* النزول قريباً من عرفة وعدم دخولها وعدم التثبت من حدودها.
* ترك الدعاء وإضاعة الوقت في غير فائدة أثناء الوقوف بعرفة.
* الخروج من مزدلفة قبل منتصف الليل.
* صلاة الفجر في مزدلفة قبل الوقت.
* ترك المبادرة إلى الصلاة فور النزول في مزدلفة والانشغال بجمع الحصى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}(الأحزاب:36) . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: ومن المسائل الفقهية التي ينبغي التنبيه عليها:
* ما يتعلق برمي الجمرات: فمن رمي قبل الزوال أخذاً بفتوى علماء معتبرين فلا ينبغي أن يشوش عليه بعد أن فرغ من عبادته.
* التوكيل في الرمي من غير ضرورة لا سيما في حج الفرض.
* من ترك طواف الإفاضة لعذر كشدة الزحام وخوف فوات الرفقة أو كانت المرأة حائضاً فإنه لم يتحلل التحلل الأكبر، ويجب عليه أن يرجع إلى مكة، والأولى أن يحرم بعمرة، ويأتي بها كاملة، ثم يطوف بعدها طواف الإفاضة، فإن جامع أهله ذاكراً عالماً فعليه دم يذبح ويوزع في مكة، وهكذا الحكم بالنسبة للمرأة.
* من ترك طواف الوداع لعذر كشدة الزحام وخوف فوات الرفقة فعليه دم، يذبح ويوزع في مكة على فقراء الحرم، أما المرأة الحائض والنفساء، وأهل مكة، ومن استقر بها من غير أهلها فليس عليهم طواف وداع.
ومما يكثر السؤال عنه هذه الأيام أن بعض الناس يشتري الأضاحي بثمن مؤجل ولا يدفع ثمنها، وتمر السنة والسنتان والثلاث، ولا يدفع الثمن، وهذا أمر عجيب كيف يتقرب إلى الله بهذه العبادة ولا يدفع حقوق الناس.
أسأل الله تعالى أن يتقبل من جميع المسلمين صالح أعمالهم، وأن يتجاوز عن الخلل والتقصير والزلل.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:56). اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وخليلك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعبث العابثين، واصرف عنا وعن المسلمين جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات. اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صالح أعمالهم، واستجب دعاءهم يا كريم. اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان.
اللهم أنج المستضعفين والمظلومين يا جبار السموات والأراضين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.
عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90). فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 22-12-1432هـ