خطبة بعنوان: (مسائل وأحكام في سجود السهو -2-) بتاريخ 26-2-1433هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي رأس الأمر، وعليها يسير عباد الله المتقين.
أيها المؤمنون: تكلمنا في الجمعة السابقة عن سجود السهو، وذكرنا أدلته، وحكمه، والحكمة من مشروعيته، وصفته، واليوم نتكلم إن شاء الله عن بعض المسائل المتعلقة به، أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما نقول ونسمع.
أولاً: الزيادة سهواً في الصلاة تنقسم إلى قسمين: زيادة أفعال، وزيادة أقوال:
فزيادة الأفعال: إما أن تكون من جنس الصلاة في الأركان والواجبات، وإما أن تكون من غير جنس الصلاة: كالمشي والمراوحة بين القدمين، وحك الجلد، وفرقعه الأصابع، ولبس الثوب أو خلعه، وربط الأزرار أو حلها.. وهذه الأفعال ونحوها تبطل الصلاة بها، إذا توافرت فيها أربعة شروط: (1) أن تكون كثيرة، وضابط الكثرة العادة والعرف. (2) وأن تكون من غير جنس الصلاة، (3) وأن تكون لغير ضرورة. (4) وأن يكون الفعل متوالياً)، والصحيح أن الصلاة لا تبطل بالعمل الكثير سهواً، ما لم يغيّر الصلاة عن هيئتها تغييراً بَيِّناً؛ لأن المصلى معذور بنسيانه، فإن كان العمل مغيّراً لهيئة الصلاة، فلا يعذر صاحبه بنسيان، وصلاته باطلة، ويرتفع عنه الإثم لنسيانه.

وأما زيادة الأقوال: فتنقسم إلى قسمين: الأول:(ما لا يبطل عمده الصلاة، ويندرج تحته نوعان: أحدهما: أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله، وثانيهما: أن يأتي بذكر أو دعاء فيها لم يرد الشرع به في الصلاة). الثاني:(ما يبطل عمده الصلاة، ويندرج تحته نوعان: أحدهما: السلام في الصلاة عن نقص عمداً وسهواً، وثانيهما: الكلام في صلب الصلاة)

ثانياً: وإذا ترك المصلي ركناً في الصلاة، فإن كان تكبيرة الإحرام، فلا صلاة له، سواء تركها عمداً أم سهواً؛ لأن صلاته لم تنعقد، وإن ترك ركناً غير تكبيرة الإحرام متعمداً بطلت صلاته، وإن ترك ركناً غير تكبيرة الإحرام سهواً فلا يخلو:
إن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية، لغت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها، وسجد للسهو بعد السلام، وإن لم يصل إلى موضع الركن الذي تركه من الركعة الثانية، وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك، فيأتي به وبما بعده، ويسجد للسهو بعد السلام، وإن ذكر الركن المتروك بعد الصلاة قريباً منها، بأن لم يفصل فاصل طويل، كمن نسى الركوع أو السجود، فإنه يعيد ركعة كاملة مع التشهد الأخير، ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم. ما لم يكن الركن المتروك تشهداً أخيراً أو سلاماً، وذكره بعد الصلاة قريباً منها، فإنه يأتي بالتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم. وإن كان المتروك سلاماً ثم ذكره في الحال، أتى به فقط. ما لم يطل الفصل، ويعرف طول الفصل بالعرف، فإن طال الفصل بطلت الصلاة، ولابد من استئنافها في الحالتين، وإن ذكر بعد الصلاة قريباً منها، أنه ترك ركناً، ولكنه لا يعلم موضعه، فعليه أن يحتاط.

ثالثاً: ومن زاد ركناً في الصلاة، كأن يأتي بذكر مشروع في غير محله سهواً فلا تبطل صلاته، ولا يجب عليه سجود السهو. وإن سلم في الصلاة قبل تمامها: فإن فعله عمداً بطلت صلاته، وإن فعله سهواً ولم يذكر إلا بعد زمن طويل، بطلت الصلاة، وأعادها من جديد، لتعذر بناء الباقي عليها، لفوات الموالاة بين أركانها. وإن ذكر قريباً، ولم يطل الفصل عرفاً، بنى على ما سبق، فيتم صلاته ويسلم، ويسجد للسهو ويسلم.

رابعاً: وإذا زاد المصلي ركناً أو ركعة، عمداً بطلت صلاته، وإن كانت الزيادة سهواً قليله أو كثيرة، سجد بعد السلام، وصلاته صحيحة؛ لقول النبى صلى الله عليه وسلم:(إِذَا زَاَدَ الرجلُ أو نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ)(رواه مسلم).
خامساً: إذا قام المصلي إلى ثالثة في الفجر سهواً: فيجب عليه الجلوس متى ما ذكر بغير تكبير، ويبني صلاته على فعله قبل تلك الزيادة، حتى لا تتغير هيئة الصلاة. فلو علم بالزيادة فيها ولم يجلس، بطلت صلاته لتعمد الزيادة وتركه الواجب عمداً، وبعد الجلوس يتشهد إن لم يكن تشهد ويسلم ويسجد للسهو ويسلم. فإن كان قد تشهد فإنه يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم. وإن كان قد تشهد ولم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي عليه ثم يسلّم، ثم يسجد للسهو ويسلم. فإن لم يعلم بالزيادة إلا بعد فراغه من الصلاة، أتى بالتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو وسلم.

سادساً: وإن قام المصلي إلى ثالثة في صلاة مقصورة سهواً: فهو مخير بين الإتمام وبين الرجوع، فإن أتم لم تبطل صلاته، وإن رجع خوفاً من الزيادة لم تبطل صلاته. ومن رأى من أهل العلم وجوب القصر ألزم الزائد بالرجوع.

سابعاً: وإذا قام الإمام إلى ثالثة أو رابعة في صلاة التراويح: فيجب عليه الجلوس متى ذكر بغير تكبير، فيتشهد إن لم يكن تشهد ويسلم، ويسجد للسهو بعد السلام ويسلم. ثامناً: وإذا قام المصلي إلى ثالثة في نافلة: فعليه أن يرجع، لأنه نوى ركعتين، والنافلة لا تشرع أكثر من ركعتين بسلام واحد إلا في الوتر.

تاسعاً: وإذا سهى المصلي في الوتر: فعليه أن يجلس ويسجد للسهو بعد السلام؛ لأنه نوى أن يوتر بثلاث بسلامين. وكذا لو نوى أن يوتر بواحدة ثم قام إلى ثانية، فالأولى أن يجلس ويسجد للسهو بعد السلام؛ لأنه نوى أن يوتر بواحدة.
عاشراً: ومن شكَّ في ترك ركن أو زيادته: فإن كان الشك بعد السلام، فلا يلتفت إليه. أما إن كان الشك أثناء الصلاة، فلا يخلو من حالتين: الأولى: أن يشك ويمكنه التحري، فيترجح عنده أحد الأمرين: إما الزيادة وإما النقص، ففي هذه الحالة يأخذ بالمترجح، ويسجد للسهو بعد السلام. الثانية: أن يشك ولا يمكنه التحري، فيستوي عنده الأمران، فيأخذ بالأقل ويبني عليه، ويسجد قبل السلام.
أحد عشر: ومن ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته، وإذا تركه ناسياً، فلا يخلو من ثلاثة أمور: أن يذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة، فيأتي به ولا شيء عليه، أو إن يذكره بعد مفارقة محله، قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه فيرجع فيأتي به ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم، أو يذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه فيسقط، ولا يرجع إليه، ويستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم؛ لأن الواجب يسقط بفوات محله سهواً، ويجبره السجود.
اثنا عشر: وأما من زاد واجباً في الصلاة: وذلك بأن يأتي بذكر مشروع في غير محله سهواً، كأن يقول:(سبحان ربي العظيم) في السجود، أو(سبحان ربي الأعلى) في الركوع، فلا يسنّ سجود السهو؛ ما دام جاء بالذكر المشروع في محله، لأن تعمد الذكر المشروع في غير محله غير مبطل.

ثلاثة عشر: ومن شكَّ في ترك واجب أو زيادته: فإن كان بعد السلام، فلا يلتفت إليه. وأما إن كان الشك أثناء الصلاة، فإن كان يمكنه التحري ويترجح عنده أحد الأمرين إما الزيادة، وإما النقص، ففي هذه الحالة يعمل بمقتضى ما ترجح لديه. وإن كان شكه حال فعل الزيادة، فإنه يجب عليه السجود؛ لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها، فوجب عليه السجود لهذا الشك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ*وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}(الأحزاب: 20، 21).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه وجوده وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن هناك مسـائل دقيقة تتعـلق بسجــود السهـو أوجزها فيما يأتي:
1ـ من سها عن تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، ولا يسجد للسهو.
2ـ إذا ابتدأ المأموم الصلاة مع الإمام، وسها الإمام، وجب على المأموم متابعته في سجود السهو، سواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده.
3ـ إذا كان المأموم مسبوقاً وسها الإمام، وجب على المأموم متابعته في سجود السهو، إن كان قبل السلام. وإن سها الإمام بما يوجب السجود بعد السلام فلا يلزم المأموم المسبوق متابعته، لتعذر ذلك؛ بسبب انقطاع المتابعة بسلام الإمام. وإن أدرك المأموم السهو في الصلاة مع الإمام، لزمه السجود بعد إتمام صلاته بعد السلام، وإن سها الإمام قبل أن يدخل المسبوق معه، بحيث لم يدرك المسبوق السهو مع الإمام، لم يلزم المسبوق السجود، ولكنه يتم صلاته ويسلم.
4ـ إذا سها المأموم المسبوق، والإمام لم يسه، فيلزم المأموم أن يتم صلاته ويسجد للسهو قبل السلام، لجبر النقص الحاصل في صلاته بترك واجب.
5ـ إذا تابع المأموم إمامه الذي ترك التشهد الأول سهواً وانتصب قائماً فإنه يسقط عنه لفوات محله، ويجبره السجود.
6ـ المسبوق إذا سلم مع إمامه سهواً: فعليه أن يتم صلاته ويسلم، ويسجد للسهو ويسلم، لمعالجة الخلل بالزيادة الحاصلة في صلاته، سواء أسجد مع الإمام قبل السلام لسهو الإمام أم لا؛ لأن سجود السهو للمسبوق محله بعد سلام الإمام.
7ـ يشرع السجود للسهو في الصلاة النافلة، كمشروعيته في صلاة الفريضة سواء بسواء، عندما يتوفر سببه.
8ـ لا يشرع سجود السهو في كل من:صلاة الجنازة، وسجود التلاوة، وسجود السهو، وسجود الشكر، وحديث النفس، لأنها لا سجود في صلبها.
9ـ إذا تكرر السهو في الصلاة، فيكفي المصلي سجدتان، يجبران كل ما فات.
10ـ إذا سها المصلي فيما يشرع له السجود، فيسجد قبل السلام، في حال النقص والشك الذي يستوي عنده الأمران، ويسجد بعد السلام في حال الزيادة والشك الذي يترجح عنده أحد الأمرين، وكذا لو نسي سجود السهو الذي قبل السلام فإنه يسجد بعد السلام قضاء.
11ـ من نسي سجدتين أو ثلاثاً من صلاة رباعية من ركعتين جهلهما فإنه يأتي بركعتين كاملتين، لاحتمال كون المتروك من ركعتين قبل الرابعة، فإن تيقن أنه نسي السجود من الركعة الرابعة، أو من ركعة قبلها، سجد للرابعة وأتى بعدها بركعة كاملة ثم يتشهد ويسجد للسهو قبل السلام ثم يسلم.
وإن نسي ثلاث سجدات أو أربعاً من ثلاث ركعات من صلاة الظهر وجهلها، وذكر قبل السلام، أتى بثلاث ركعات، لاحتمال كون النسيان حدث في غير الأخيرة، وتصلح له ركعة يبني عليها، ويسجد للسهو قبل السلام.
12ـ من نسي أربع سجدات من أربع ركعات: وذكر وهو في التشهد، فعليه أن يأتى بسجدة تصح له الركعة الرابعة، وتكون هي أولاه، ثم يأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو.

13ـ إذا سلم الإمام عن ركعة واحدة سهواً في صلاة التروايح: فإن فعل ذلك عمداً بطلت صلاته، وإن فعل ذلك سهواً، فنبهه المأموم، فذكر قريباً، فعليه أن يتمّ صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلّم.
14ـ من نسي شيئاً من الأذكار الواجبة في الصلاة: فإن ذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة، أتى به ولا شيء عليه، وإن ذكره بعد مفارقة محله وقبل أن يصل إلى الركن بعده رجع فأتى به، ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم. وإن ذكره بعد مفارقة محله، فإنه لا يرجع إليه، لسقوطه عنه بفوات محله، وعليه أن يكمل صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم. وكذا من ترك تسبيح الركوع والسجود. أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما جهلنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل ما تعلمناه حجة لنا لا علينا. هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56).

اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفقهم لكل خير، ويسره لهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}(البقرة).
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، سحاً طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة:26-2-1433هـ