خطبة عيد الفطر المبارك بتاريخ 1- 10- 1433هـ

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى :
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، الله أكبر لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً، الله أكبر أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ، الله أكبر عز جاهه، وعم إحسانه، وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته.

الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، الله أكبر عدد ما خلق وذرأ وبرأ، الله أكبر ما تنسمت الألسن بذكره ، الله أكبر ما سبحته الخلائق من إنسه وجنه وطيره، الله أكبر ما هلله المهللون وحمده الحامدون، وكبره المكبرون، وأثنى عليه الشاكرون، الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما تلى قارئ كتاب ربه فتدبر وتأثر، الله أكبر ما بذل محسن فشكر، وابتلي مبتلى فصبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

الحمد لله رب العالمين، وفق من شاء من خلقه لطاعته فكان سعيهم مشكورًا، وعطاؤهم من المثوبة والأجر موفورًا، أحمده سبحانه وأشكره على عطائه وفضله وجوده وكرمه، أكرمنا بعبادته، وأعاننا على طاعته، وفتح لنا باب التوبة فلم يغلقها في وجه أحد من خلقه، قرب البعيد، وستر القبيح، وحلم على العاصي والعنيد، وشفى المريض، وأعطى المحروم من فضله الجزيل، ينادي في آخر كل ليلة (هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتم بنعمته الصالحات ويجزل بفضله العطيات، فما أكرمه وأعظمه من إله.

وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله صلى وصام وأنفق وقرأ القرآن، اجتهد في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه فكان عبدًا شكورًا، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. أما بعد:
فيأيها المسلمون والمسلمات، أهنئكم بعيد الفطر المبارك وأسأل الله جل وعلا أن يعيده علينا وعليكم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.
عباد الله: مضى شهر رمضان المبارك بخيراته وبركاته ونسماته، ولقد كان ميدانًا للتنافس الشريف، اجتهد فيه أقوام محبون، جعلوا رضا الرحمن فوق أهوائهم، وطاعته فوق رغباتهم، صاموا شهرهم، وأنفقوا من أموالهم، وقاموا بين يدي ربهم تالين للقرآن، دمعت عيونهم وخشعت قلوبهم، يرجون رحمته ويخافون عذابه فخرجوا من هذا الشهر وقد نالوا من ربهم خير الجزاء.
وقصّر آخرون فأضاعوا أعمارهم وأوقاتهم وخسروا أعمالهم، حجبهم الإهمال والكسل والتسويف وطول الأمل، وهؤلاء خرجوا من رمضان محرومين من نيل خير كثير.

وآخرون بين ذلك كانوا قبل رمضان مفرطين، وعن ربهم بعيدون، وفي المعاصي غارقون، وبعد دخول رمضان وفقهم الله لعمل الطاعات والتزود من الخيرات فصاموا وقاموا وأنفقوا وتلوا القرآن، لكنهم إذا انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا، وعلى أعقابهم نكثوا ــ نعوذ بالله من الحور بعد الكور ــ، فأين هؤلاء من دروس الصلاح والطهر والاستقامة والتقى من هذا الشهر الكريم.
فيا خسارة من لم يغفر الله له في رمضان، ويا خسارة من لم يعتق الله رقبته من النار في رمضان، ويا خسارة من حُرم من فيض الكريم المنان.

إن استدامة العبد على النهج المستقيم والمداومة على الطاعة من غير قصر على وقت بعينه أو شهر بخصوصه أو مكان بذاته، من أعظم البراهين على صدق العبد وقبول عمله، ورب العالمين يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله:{وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ} (الحجر:99).

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: العيد موسم بهجة وفرح بعد أداء فريضة الصيام، ومن أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها، ففيه تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر، وعندي جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين. فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا أبا بكر، إنّ لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا)(رواه البخاري، ومسلم).

والمجتمع الصالح السعيد هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو المجتمع في العيد متماسكًا متعاونًا متراحمًا، تخفق القلوب فيه بالحب والود، والبر والصفاء، والتواصل، فأروا ربكم خيرا تسعدوا.
إن العيد في الإسلام غبطة في الدين، وبهجة في الحياة، ومظهر للقوة والإخاء، إنه فرحة بانتصار إرادة المسلم الخيِّرة على أهوائه وشهواته، والرضا بطاعة مولاه وخالقه، وانتظار وعده الكريم بالفردوس والنجاة من النار.

أيها المسلمون: إن بعض الناس في العيد تطغى عليه الفرحة فتستبد بمشاعره ووجدانه إلى درجة أنها تنسيه شكر المنعم والاعتراف بفضله، وتدفعه إلى الزهو بالجديد والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي، وما علم هذا المسكين أن العيد قد يأتي على أناس قد ذُلُّوا من بعد عزٍّ، تهيج في نفوسهم الأشجان وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان، فليسأل نفسه من ابتلي بالمخيلة والتباهي أين ذهب قارون وفرعون وهامان؟. إن العيد فرصة لتهذيب النفس، وتربيتها على الحلم والرفق والتواضع والأخذ بزمامها لما فيه الخير للفرد والمجتمع.

أيها المسلمون: ولا بأس بالتهنئة بالعيد بين المسلمين لما رواه الإمام أحمد عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. (إسناده جيد،وحسن الحافظ إسناده في الفتح (2/517). وهذه التهنئة تزيد الحب والود والتآلف في قلوب الناس.

ويستحب في العيد زيارة الأهل والأقارب وصلة الرحم، لأن في ذلك إدخال السرور عليهم، وهو من تمام الإحسان الذي رغّب فيه المولى جل وعلا، وقد قال: صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)(رواه البُخَارِي ومسلم).
ومن الصلة والإحسان أيضاً الرحمة باليتيم والعطف عليه, قال صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ , وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى , وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً)(رواه البخاري).

ولا حرج على المسلم أن يوسع على أهله في الأكل والشرب والنفقة وخاصة في هذه الأيام المباركة ويكون ذلك من غير سرف، وأحذر أولياء الأمور مما يشتريه أولادهم من الألعاب النارية التي يترتب عليها أخطار جسيمة، وربما تؤذي من يلعب بها فتسبب له عاهة مستديمة ــ عافانا الله وإياكم من ذلك ــ.

ولا حرج في اللهو المباح في أيام العيد: لما رواه أنس رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال عليه الصلاة والسلام:(كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله خيراً منها: يوم الفطر ويوم الأضحى)(رواه أبو داود، والنسائي)، وأخرج الشيخان وأحمد عن عائشة قالت: (إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت).

أيها المسلمون: لقد مرّ خلال هذا العام أحداث عظيمة وفتن شديدة اهتزت لها قلوب المؤمنين، وتصدعت معها قلوب المنافقين، فقد تغيرت موازين كثير من البلدان بعد أن كانت تحت وطئة الظلم، فسلب الملك من أناس، وأعطاه آخرين، مات جبابرة بعد أن ظنوا أن الملك لهم فقط، وعاش ضعفاء حتى رأوا بأعينهم آيات الله في خلقه.

ولدت دول، وسقطت أنظمة مستبدة، وانطفأ نور الباطل في بعض البلاد، واشتد الظلم في أخرى عاشت حسيرة بين القتل والتشريد، وصدق الله العظيم إذ يقول {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}(آل عمران: 140ــ 142).

ففي سوريا إبادةٌ جماعية وحرب طائفية، لا يُستثنى منها النساء، ولا يُرحم الشيوخ والأطفال، قذائف الطائرات والمدافع وراجمات الصواريخ تدك المدن دكاً عنيفاً فتدمر المنازل، وتقتل الأبرياء، وتشتت الأسر، حصارٌ للعديد من المدن السورية وأحياء سكنية في دمشق وريفها، وملايين السوريين المُحاصرين داخل منازلهم يُمنعون الماء والكهرباء والغذاء والدواء. إنه قتلٌ لأنفس بريئة، وتدميرٌ لمساكن مؤهلة، واعتداءٌ على مساجد يذكر فيها اسم الله، آليات حربية، ومدفعيات ثقيلة، وقناصة متسلطون، تخويف وإرهاب، ودماءٌ تنزف، وجثث تتساقط..

فبأي ذنب يُقتل هؤلاء.. إنه وضع مأساوي يتخطى الوصف، فعلى كل قادر في العالم أن يستيقظ ويتحرك لينقذ البقية الباقية من أيدي هؤلاء الطغاة الجبابرة. فعلينا الوقوف مع إخواننا المستضعفين هناك، ومدهم بكل ما يحتاجونه، والإلحاح على الله تعالى أن يفرج عنهم، وأن يعجل بنصرهم. وبهذه المناسبة نزجي شكرنا ودعاءنا لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده ووزير الداخلية ــ حفظهم الله ــ على ما قدموه من دعم لإخواننا في سوريا، وحرصهم على الوقوف بجانبهم بشتى الوسائل والسبل.

وفي بورما لم يعرف التاريخ قتلاً كما حصل للمسلمين هناك؛ عشرة ملايين من المسلمين في بورما ــ ميانمار حاليا ــ من إجمالي عدد سكانها وهم خمسون مليون نسمة، هذه الملايين العشرة يعيشون جحيماً حقيقياً، حيث يتعامل الطغاة العسكريون الذين يحكمون بلادهم معهم وكأنهم وباء لا بد من استئصاله، فما من قرية يعيش فيها مسلمون وإلا ويتم حرقها بمن فيها، أو تدمر فوق رؤوس أهلها، وأما الذين تمكنوا من الهرب في الغابات أو إلى الشواطئ للهروب عبر البحر، فقد قتلوا العديد منهم، ومن استعصى عليهم قتله ولم يتمكن من الهرب، فقد أقاموا لهم تجمعات لا يعرف ما الذي يجري فيها تماما، فلا الهيئات الدولية ولا الجمعيات الخيرية ولا وسائل الإعلام يسمح لها بالاقتراب من هذه التجمعات، وما ظهر حتى الآن أنهم مستعبدون للجيش البورمي؛ كبارا وصغارا، حيث يجبرون على الأعمال الشاقة ودون مقابل، أما المسلمات فعرضهن مشاع للجيش البورمي؛ حيث يتعرضن للاغتصاب في أبشع صوره.. ومليار مسلم يتفرجون على هذا الوضع المأساوي فإلى الله المشتكى.

إن العيد مناسبة لإطلاق الأيدي الخيّرة في مجال الخير حيث تعلو البسمة الشفاه، وتغمر البهجة القلوب، مناسبة لتجديد أواصر الرحم للأقرباء، والود مع الأصدقاء، تتقارب القلوب على المحبة وتجتمع على الألفة وترتفع عن الضغائن.
وصدق الله العظيم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: 71، 72).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم المعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شبيه له ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المفضّل على جميع العباد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السرّ والعلن.. فالفوز كل الفوز في تقواه.

عباد الله: لقد خرج الناس من هذا الشهر الكريم بعد القيام بطاعات كثيرة متنوعة، كالصيام، والقيام، والصدقة، وتلاوة القرآن، والدعاء.. وهم محبون مقبلون حريصون.. وإني أذكرهم بألا يعودوا إلى التقصير، فالذي شرع هذه العبادات في رمضان شرعها أيضاً في غير رمضان، كصيام النوافل، وقيام الليل، والإنفاق في وجوه الخير، فاحرصوا عليها ولا تبخلوا على أنفسكم بالقيام بها، فربُّ رمضان هو ربُّ الشهور كلها.

وأذكر إخواني المسلمين بتعاهد كتاب الله تعالى، فقد رأينا إقبال الناس على قراءة القرآن وتلاوته خلال شهر رمضان، فالقرآن هو مأدبة الله تعالى لا يشبع منها مؤمن، وإن المداومة على قراءته يحصل منها خير كثير، سواء من جانب تحصيل الحسنات، أو زيادة الإيمان، أو خشوع القلب وتأثره.. فلا تحرموا أنفسكم من تعاهده بعد رمضان، وكونوا ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ..)(رواه مسلم).
وأوصيكم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي قالها في آخر حياته قبل أن تفيض روحه الكريمة:( الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(رواه أحمد)، فعليكم بصلاة الجماعة والمحافظة عليها في المساجد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ومما يذكر فيشكر تلك الاجتماعات الأسرية التي تعتبر سمة من سمات التواصل بين أفراد المجتمع، لكن إذا أردنا أن تستمر وأن تكون لها ثمرات نافعة طيبة تعود على الجميع بالخير فعلينا أن نجعل هذه اللقاءات قربة إلى الله تعالى نتقرب بها إليه، وأن يكون هناك تعاون على البر والتقوى، ودلالة على الخير والهدى، وتنافس في الخيرات، ومساهمة في محاربة المخالفات والقضاء عليها، والترفع عن سفاسف الأمور، واحتساب الأجر المترتب على الجلوس في هذه الاجتماعات، والعمل على تقوية وشائج المحبة في الله ودعم أسبابها، والاستفادة من الوقت فيما ينفع، وتنشئة الأطفال على خصال الخير.

عباد الله: إن في مجتمعنا الذي نعيش فيه فقراء ومساكين وأرامل وأيتام وأصحاب حاجات، وهم في مثل هذه الأيام بحاجة إلى يد حانية تلامس على أكتافهم, وتزيل أحزانهم, وتكفكف دموعهم، وخير الناس هم المفرجون عن الكروب، والميسرون على المعسرين، والباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم.. قال صلى الله عليه وسلم:(إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا, أو يقضي عنه دينًا, أو يطعمه من جوع)(رواه البيهقي, وحسنه الألباني في الصحيحة 1494).
وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)(رواه مسلم). إنها سعادة غامرة وفرحة عارمة تلك التي يستشعرها المرء عندما يدخل السرور على الآخرين أو يشارك في إسعادهم وتخفيف آلامهم.

فما أروع هؤلاء الأشخاص ذوو النفوس الطاهرة النقية وهم يسعون إلى إدخال السرور على إخوانهم, والمسارعة إلى نجدتهم , ومداواة مريضهم، وحل مشاكلهم، وقضاء حوائجهم، رغبة بحصول وعد الله لهم من عظيم الأجر والمثوبة عند اللقاء.
وأوصي أخواتي الحاضرات والغائبات بتقوى الله تعالى، وحفظ حدوده، ومراعاة حقوق الزوج والأولاد، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.

وألا تغتر الأخوات بما يوجّه للمرأة في هذا الزمان من شتّى صنوف المغريات لإفسادهنّ باسم الموضة والأزياء، وتلك المحاولات المتتابعة لإخراج المرأة من مكان طهرها وكرامتها وتحذر الأمهات من خروج بناتهن إلى الأسواق متبرجات متطيبات، لئلا يتعرضن لما لا يحمد عقباه.

فاتقوا الله أيها المؤمنون، وابتهجوا بعيدكم، وأتبعوا الحسنة الحسنة؛ وابتعدوا عن المعاصي والذنوب، ومن أحب ربه أطاعه فيما أمر به وابتعد عما نهاه عنه، واستغلوا أيام عمركم فيما يقربكم إلى مرضاته ورحمته، ومن استمر على الخير بعد رمضان فهذا دليل ــ إن شاء الله ــ على قبول الطاعة.

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال الصالحات، وأعاد علينا وعليكم رمضان وعيد الفطر ونحن في صحة وسلام وأمن وأمان، وعز للإسلام والمسلمين.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:56).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات.. وتقبل صيامهم وقيامهم وصالح أعمالهم، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك اللهم أن يغتالوا من تحتهم.
اللهم اجعلنا ممن ختمت له الشهر بالغفران والعتق من النيران، اللهم أعده علينا مرات عديدة ونحن في صحة وعافية وستر يا أكرم الأكرمين.

اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم موتاهم، واكسوا عاريهم، وأطعم جائعهم، وعافي مبتلاهم، واشف مرضاهم.
اللهم عجل بنصرك وفرجك القريب لهم يا أرحم الراحمين.
اللهم انتقم من الطغاة الجبابرة، والمتكبرين الذي حاربوا دينك، وآذوا عبادك المسلمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا متين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شر أشرارهم.
اللهم اصرف عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا واجتماع كلمتنا، وولاة أمرنا وعلمائنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا يا كريم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.. وعيدكم مبارك وتقبل الله منا ومنكم، وأعاد الله علينا وعليكم من بركات العيد، وأعاده الله على أمة الإسلام بالعز والنصر والتمكين، وصلى الله على نبينا محمد.
الجمعة: 1- 10- 1433هـ