خطبة بعنوان: (وجوب إخراج زكاة بهيمة الأنعام) بتاريخ 30-6-1434هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين:{.. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ.. }(النساء: 131).
عباد الله: إن من أركان الإسلام وأسسه العظام “أداءَ الزكاة ” ذلك العمل الجليل الذي قُرن بالصلاة في كثير من مواضع القرآن. وكذلك السنة، وقد أجمع على وجوبها العلماء سلفاً وخلفاً، وأخبر تعالى أن رحمته كُتبت للذين يؤتون الزكاة:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}(الأعراف:156).
وحديثنا اليوم حول زكاة “بهيمة الأنعام”، تلك الزكاة التي يجهل أحكامها ومسائلها بعض المسلمين ممن منَّ الله عليهم بها في مزارعهم وأحواشهم، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بأخذ الزكاة وتحصيلها، وكان يرسل عماله لجبايتها.
وهنا أقف بعض الوقفات حول هذا الموضوع فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: كان صلى الله عليه وسلم يرسل الجباة ويوصيهم بجبايتها بالعدل والرفق وعدم الظلم، وكانت وصيته لمعاذ رضي الله عنه(فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ)(متفق عليه).
ثانياً: يجب على صاحب الأنعام أن يكون صادقاً مبينًا لما عنده، ويحرم عليه الكذب والتدليس لإسقاط ما يجب عليه، فهو مسئول بين يدي الله عن تحصيل أمواله وزكاتها على الوجه المشروع.
ثالثاً: لا يحل لجابي الزكاة أن يحابي أحداً، أو أن يقبل هدية، أو أن يكتم ما يراه حقيقة، وعليه ألا يتهاون في أخذ المستحق، وألا يزيد عليه، فهو موقوف بين يدي الله تعالى ومحاسب عن كل صغير وكبيرة، فإذا خفي الأمر على الناس في الدنيا فهو ثابت ومعلوم ومكتوب، والخصومة مع أرباب الأموال والفقراء بين يدي الله جل وعلا يوم القيامة.
رابعاً: أنواع بهيمة الأنعام التي تجب فيها الزكاة هي (الإبل والبقر والغنم) إذا حال عليها الحول، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ)(رواه ابن ماجة وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (787). وبلغت النصاب المعلوم لها، مع توفر الشروط الأخرى الواجبة فيها، وهي أن تكون سائمة وهي التي ترعى جميع الحول أو أكثره، ولا يتكلف صاحبها الإنفاق عليها، فإذا زال الملك قبل تمام الحول بتلف، أو بيع، أو هبة، ونحو ذلك، أو لم تبلغ نصاباً أو لم تكن سائمة فلا زكاة فيها.
خامساً: إذا قام صاحبها بإعلافها غالب العام فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة فإنها تجب فيها زكاة عروض التجارة، ويخرج من قيمتها ربع العشر .
سادساً: إذا كان صاحب بهيمة الأنعام يقتنيها للنسل والدر، فلا زكاة فيها، إذا لا زكاة إلا في السائمة.
سابعاً: أقل نصاب الإبل خمس، وفيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي بكرة صغيرة تم لها سنة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وهي ما تم لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة، وهي ما تم لها ثلاث سنوات، وفي إحدى وستين جذعة، وهي ما تم لها أربع سنوات، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، ثم تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائتين خمس بنات لبون، أو أربع حقاق.
ثامناً: إذا أراد صاحب الإبل أن يخرج بعيراً بدلاً من الشاة في زكاة إبله إذا لم تبلغ خمساً وعشرين، فقد قال بعض أهل العلم: لا يجزئ فيما دون خمس وعشرين بعير ولو كان كبيراً؛ لحديث أبي بكر رضي الله عنه الذي كتبه قال:(وفيما دونها الغنم في كل خمس شاة)، أي: فيما دون خمس وعشرين، في كل خمس شاة. وقال آخرون: إذا كانت تجزئ بنت المخاض في خمس وعشرين ، فإجزاؤها فيما دون ذلك من باب أولى، والشريعة لا تفرق بين متماثلين والشارع أسقط الإبل فيما دون خمس وعشرين رفقاً بالمالك، فإذا تبرع وأخرج بعيراً فهذا زيادة خير، وهذا هو الصحيح والله أعلم.
تاسعاً: تجب الزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين، ففيها تبيع أو تبيعة، وهو ما تم له سنة ودخل في الثانية، ثم في أربعين مسنة، وهي ما تم له سنتان ودخلت في الثالثة، وفي ستين تبيعان، وفي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة مسنة وتبيعان، وفي مائة وعشرة مسنتان وتبيع، وفي مائة وعشرين ثلاث مسنات، أو أربعة أتبعة، وهكذا في كل ثلاثين بقرة تبيع وفي كل أربعين بقرة مسنة.
عاشراً: تجب زكاة الغنم إذا كانت سائمة ــ أي راعية للمباح جميع السنة أو أكثرها ــ فإذا كانت تبلغ أربعين رأساً ففيها رأس واحد، جذع ضأن أو ثني معز إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة وجب فيها رأسان إلى مائتين، فإذا زادت عن مائتين واحدة ففيها ثلاثة رؤوس، وبعد ذلك ففي كل مائة شاة. أما إن اتخذها صاحبها للبيع والشراء فالواجب زكاة قيمتها ربع العشر لأنها أصبحت من عروض التجارة، وأما إذا كان مالكها اتخذها لحاجته وليس للبيع والشراء فهنا لا زكاة فيها.
أحد عشر: هل تجزئ القيمة في الزكاة أو لا؟ قال بعض أهل العلم، يجوز إخراج القيمة، بأن يبيعها ويخرج ثمنها، وقال بعضهم: لا تجزئ القيمة، ولا بد من إخراج زكاة الغنم من جنسها أي غنماً فتُملَّكُ للفقير، والأحوط بلا شك هو الخروج من خلاف العلماء وأن يحرص المسلم على براءة ذمته بيقين، بأن يخرج الزكاة من عين ماله، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصدِّق إن لم يجد بنت لبون أن يأخذ بنت مخاض ويأخذ معها شاتين إن استيسرتا أو عشرين درهما، فدل على أن القيمة لا يعدل إليها إلا عند تعذر العين المنصوصة، ولا يلزم أن يعطى كل فقير شاة، بل الأمر في ذلك واسع ولله الحمد، فيمكن للمزكي أن يعطي الشاة الواحدة لأكثر من فقير، إذا كان في ذلك مصلحة.
اثنا عشر: هل يجوز للمزكي أن يخرج زكاته ذكوراً إذا كان في النصاب إناثاً، الراجح من كلام أهل العلم أنه لا يجوز، بل يجب أن تخرج الزكاة من وسط إناث سائمته.
ثلاثة عشر: بعض الناس يجمع أمواله الزكوية أو يفرقها من أجل الفرار من الزكاة، أو من أجل نقص الواجب فيها، وهذا لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)(رواه البخاري). فمن جمع المتفرق خشية الصدقة كمن كان له غنم أو إبل أو بقر تبلغ النصاب فضمها إلى غنم أو إبل أو بقر رجل آخر حتى ينقص الواجب عنهما بسبب الخلطة التي لا أساس لها وإنما اختلطا لقصد نقص الواجب عند مجيء عامل الزكاة فهذا لا يجوز؛ ولا يسقط ذلك عنهما الواجب، بل هما آثمان وعليهما بقية الواجب. وأيضاً لو أن رجلاً كان عنده أربعون من الغنم، أو غير ذلك من الإبل أو البقر التي بلغت النصاب، ففرقها حتى لا تجب فيها الزكاة لم تسقط عنه الزكاة، ويكون بذلك آثماً، لأنه تحايل على إسقاط ما أوجبه الله عليه، والقاعدة عند أهل العلم (أن التحايل لإسقاط الزكاة لا يسقطها).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}(النحل: 5 ــ 7).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن من المسائل الهامة أيضاً في زكاة بهيمة الأنعام ما يلي:
أربعة عشر: من كان عنده طيور كالحمام والدجاج والبط والأوز وغيرها فلا تجب فيها الزكاة إذا كانت تربى لاستعمال صاحبها. أما إذا كانت تربى من أجل التجارة فتجب الزكاة في قيمتها إذا مرَّ عليها الحول، وهو ربع العشر .
خمسة عشر: الخيل والحمير إذا لم تكن معدة للتجارة فلا تجب فيها الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)(متفق عليه).
ستة عشر: العين التي يجب إخراجها من بهيمة الأنعام، لا بأس أن يأخذ العامل على زكاتها ما ضربه الوالي من القيمة التي حددها للشاة والبقرة وبنت المخاض وبنت اللبون وغيرهما؛ كأن يقال للعامل خذ شاة أو خمسمائة ريال وهكذا، لأن الواجب الوسط، فلا حرج إن اجتهد ولي الأمر وقدّر القيمة .
سبعة عشر: يجوز للعاملين على جمع الزكاة، وهم جباتها الذين يجبونها من أهلها، وقسّامها الذين يقسمونها في أهلها، وكتّابها ونحوهم، أن يعطوا من الزكاة بقدر عمالتهم فيها إذا كانوا لا يأخذون مرتبات، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، لأنهم يأخذون الزكاة لعملهم لا لحاجتهم، وإن كانوا فقراء، فإنهم يعطون بالعمالة ويعطون بالفقر كذلك ، فيعطون ما يكفيهم لمدة سنة لفقرهم، فإذا أعطيناهم للعمالة فيبقون أغنياء بقدر ما أخذوا من العمالة، فنكمل لهم المئونة لمدة سنة.
ثمانية عشر: يجوز لجابي الزكاة المكلف من قبل ولي الأمر أو نائبه أو الذي يقوم بتوزيعها على مستحقيها أن يأخذ منها ولو كان غنياً قدر ما يعطيه ولي الأمر أو نائبه.
تسعة عشر: من الأخطاء التي يقع فيها بعض ملاك بهيمة الأنعام أنهم يزكونها زكاة السائمة وليست بسائمة، بل هي عروض تجارة، وهذه زكاتها تختلف، وأحياناً تكون لحاجته ويقوم بالإنفاق عليها، وهذه لا زكاة فيها، لكنه يذهب لجباة الزكاة ويزكيها زكاة السائمة ليأخذ مقابل ذلك عمالاً، وهذا تحايل لا يجوز.
وقد جاء في إعلان خروج عوامل جباية زكاة بهيمة الأنعام لهذا العام ما نصه: (اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في بعث جباة الزكاة إلى المكلفين في مكان تواجدهم واقتداء بهدي خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم في جباية زكاة بهيمة الأنعام فقد حرص ولاة الأمر في هذه البلاد ــ وفقهم الله ــ على تطبيق هذه الشعيرة المباركة سنوياً من خلال تجهيز وإخراج عوامل جباية زكاة بهيمة الأنعام التي تجوب مناطق المملكة كافة حيث تقرر خروجهم هذا العام في يوم السبت: 1/7/1434هـ). أسأل الله جل وعلا أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة:30-6-1434هـ