خطبة بعنوان: (صيام الست من شوال وأحكام القضاء) بتاريخ 2- 10- 1434هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيأيها المسلمون والمسلمات أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فبها النجاة والفوز يوم الدين:{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(البقرة: 281).

عباد الله: لقد أنعم الله تعالى علينا بصيام شهر رمضان وقيامه وتلاوة كتابه وصدقة الفطر وشهود العيد، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان، وها هو قد مضى وانصرم كطيف عابر، فيا ليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المردود فنواسيه ونعزيه. فإن كنَّا قد ودَّعنا رمضان فإن شرف الزمان لا يودع، وما دام في العمر بقية فعلى المسلم أن يستغله فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.
واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أن من ذاق حلاوة الصيام، فالباب مفتوح أمامه لصيام النوافل التي شرعها الله لنا، كالست من شوال، والأيام البيض من كل شهر، والاثنين والخميس، ويوم عرفة، وعاشوراء.

ومن استشعر حلاوة المناجاة مع الله في سجوده وقيامه وصلاته ودعاءه في رمضان فليبادر إلى طاعة ربه في كل وقت وزمان، فربنا جل وعلا قريب منَّا يسمع كلامنا، ويعلم بحالنا وضعفنا.

ومن تعطر فمه بتلاوة القرآن، وتدبر كلام الرحمن، وتأمل معانيه، وختمه في رمضان، واطمأن قلبه بذكر الله فليكن له ورد يومي من ذلك بعد رمضان، فقد قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

أخي الحبيب: يا من قمت لربك فصليت التراويح والقيام وصففت قدميك بين يديه وركعت وسجدت ودعوت استمر على ذلك بعد رمضان، فقيام الليل عبادة جليلة عظيمة أُمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ووعد عليها الأجر الكبير {وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} (الإسراء:79)، وقال صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

ويا من بذلت مالك في وجوه الخير والبر، فزكيت، وتصدقت، وفطَّرت الصائمين، وأعنت المحتاج والمسكين، وتلذذت بالعطاء في رمضان، لا تحرم نفسك من ذلك بعد رمضان ولو بالقليل، واعلم أن ما تنفقه في سبيل الله سيكون لك ذخراً في الدنيا والآخرة، قال تعالى{وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المزمل: 20).

عباد الله: شرع الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بعد صيام رمضان صيام ست من شوال، ووعد من صامها أجراً كبيراً، وثواباً جزيلاً، قال صلى الله عليه وسلم:(مَن صَام رمضان، ثم أَتْبَعَهُ سِتّاً من شوال، كان كصيامِ الدهر)(رواه مسلم). ويجوز صيامها حسب ما يتيسر للمسلم خلال شهر شوال، ولا يلزم التتابع في صيامها.

والأولى في حق المرأة التي عليها قضاءُ أيامٍ من رمضان أن تبادر بقضاء ما عليها أولاً ثم تصوم الست من شوال، لأن ذلك أسرع في براءة ذمتها. ويجوز إفراد يوم الجمعة بالصيام ما دام من الست.
وإذا أصبح المسلم ولم ينو بالليل صيام يوم من الست فيجوز له الصيام من النهار في أي وقت إذا كان لم يأكل أو يشرب، في أصح قولي العلماء.

ومن لم يصم هذه الست فلا حرج عليه، ولكنه حرم نفسه الأجر المترتب على صيامها، وعليه ألا يكون سبباً في منع غيره من صيامها بأن يقول للناس إنها غير مشروعة، فالتطوع أجره عظيم، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:(إن الله تعالى قال:… وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه..)(رواه البخاري).
بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: 1 ـ 3).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات، واعلموا أن المواسم الفاضلة منحة ربانية، فبادروا باستغلالها، واجتهدوا في تحصيل فضلها.
واعلموا بارك الله فيكم: أن من أفطر في رمضان لعذر فعليه أن يبادر بقضاء ما أفطره، وعليه أن يبيت النية من الليل لأنه صيام واجب لا بد له من تبييت النية من الليل كرمضان.

ولا يجوز لمن صام القضاء أن يفطر إلا إذا كان له عذر شرعي يبيح له الفطر في رمضان كالمرض والسفر.
ولا يجوز للرجل أن يأمر زوجته بالفطر في القضاء، بل هو آثم إذا فعل ذلك، ولا يجوز لها أن تطيعه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويجب عليه التوبة، وإعانة زوجته على أداء ما عليها.

ومن كان مريضاً مرضاً لا يرجى الشفاء منه حسب كلام الأطباء ولم يصم رمضان فلا صيام عليه ولا قضاء، وإنما يطعم عن كل يوم مسكيناً، ومن مات قبل أن يفعل ذلك فيجب في حق ورثته أن يطعموا عنه من ماله.

أما إذا كان مرضه يرجى حصول الشفاء منه، فعليه قضاء ما أفطره، فإن لم يتمكن من القضاء بسبب استمرار المرض ومات على ذلك، فلا صيام ولا إطعام عليه، ولا يلزم ورثته أن يصوموا عنه ولا أن يطعموا.
وإذا تمكن من القضاء ولم يفعل، فعلى ورثته أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً.

ومن الظواهر الجميلة في هذه المحافظة اجتماع الأسر أيام العيد للسلام وصلة الرحم، لكن يجب أن تبتعد هذه الاجتماعات عن المفاخرة والمباهاة والإسراف وجميع المحرمات لتكون نافعة مفيدة للصغار والكبار وتحقق المقصود منها.
أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم للعلم والنافع والعمل الصالح، وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 10- 2- 1434هـ