خطبة بعنوان: (شبابنا ومواطن الفتن) بتاريخ 9-3-1435هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب وقيوم الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بشيراً ونذيراً للعالمين، ورحيماً بالمؤمنين، وهادياً إلى صراطه المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102).

عباد الله: إن شباب الإسلام هم قوة الأمة، وعماد نهضتها، ورأس مالها، وعدة مستقبلها، ومبعث عزتها وكرامتها، وهم ذخرها الثمين وأساسها المتين، فعزهم عزنا، وضعفهم ضعفنا، وخسارتهم خسارتنا.

إنهم صِمام الأمان ــ بعد الله ــ لهذه الأمة من أعدائها, وهم صُنَّاعُ الحضارة والتاريخ, وهم عنوانُ المستقبل, لأنهم يملكون في أيديهم الطاقةَ والقوةَ والحماسة والبذل والعطاء.

إنهم معقِدُ الأمل ـ بعد الله ـ في النهوضِ ببلادنا وأمتنا، والمضي بها إلى الرقيِّ والتقدم متى قمنا بواجبنا تجاههم بالتربيةِ الصحيحةِ على الإيمانِ الصادقِ، والعمل الصالح، والخلق السامي النبيل، وتلك التربية تكون سبباً ــ بعد فضل الله تعالى ـــ في الأخذ بأيديهم إلى العزة والرفعة، وحمايةِ الدينِ والعرض، والاجتهاد في استخراجِ كنوزِ الأرضِ، والاستفادة من مواردِها، وخيراتِها، وإقامة المشروعات المفيدة، والعمل على استرداد المجد والكرامة, والسيادة لبلادهم وأمتهم.

وهذه المرحلة العمرية من عمر الشباب هي أخصب مراحل العمر ففيها يبني الشاب شخصيته، ويجاهد نفسه، ويصلح شأنه، ويسلك طريقه التي توصله إلى أفضل وأعلى المراتب.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على هذه الفئة وخصَّها بمزيد من العناية والرعاية، فخرج بين يديه جيل عظيم تمسكوا بدينهم ونصروه وعزَّرُوه، وأصبحوا مفاتيح خير لمجتمعهم، وشامة نور في تأريخ أمتهم.

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: (مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا”، فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ، وَثَبَتَ الشُّيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ…)(رواه أبو داود، والنسائي، والبيهقي)

وعنه رضي الله عنهما قال: “ما آتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب”، ثم تلا قوله عز وجل:{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}(الأنبياء: 60)، وقال تعالى:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (الكهف: 13).

إن عظمة شبابنا وقيمتهم تظهر في مواطن الفتن وعند حلول النوازل؛ فإذا جاءت النازلة وادلهمت المصيبة نظر الناس إليهم وأصغوا إلى حديثهم بعد علمائهم، فكونوا أيها الشباب حريصين على المنهج العلمي الموافق لفهم سلف الأمة، وإياكم والعجلة المذمومة فإنها مهلكة، وابتعدوا عن كل تصرف يجعلكم موضع شماتة فهي توهن نفوسكم، وتضعف عزائمكم، وقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول:(تَعَوَّذُوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء)(رواه البخاري).

عباد الله: لقد علم أعداء الإسلام أهمية دور الشباب في بناء الأمة؛ فحرصوا حرصاً عظيماً على تبديد هذه الثروة الغالية، وتعطيل طاقتها، وإفساد قوتها وعلى إبعادهم عن دينهم، وإشغالهم بما لا ينفعهم، فأدخلوا إلى عقولهم الأفكار المنحرفة، وزينوا لهم الفتن، وجروهم لمعاداة أهليهم وذويهم وولاة أمورهم، وأعانوهم على الوقوع في شَركِ السفر إلى خارج بلادهم، وأوهموهم أن ذلك من الجهاد في سبيل الله، وكذبوا والله، فإن معرفة مواطن الجهاد لا يتم إلا بعد الرجوع إلى العلماء الربانيين، والصدور عن رأيهم، وبعد ذلك لابد من استئذان الوالدين، وولي الأمر لئلا تختلط الأمور ويقع الناس في الفتن وهم لا يشعرون.

إن العلم الشرعي والفهم الدقيق للواقع، والإحاطة التامة بأحوال البلاد لا غنى عنها في فهم هذا الأمر العظيم؛ فكثيراً ما تختلط الأمور ويأخذ الحماس شباباً فيبالغون ويحملون أنفسهم ما لا طاقة لهم به، وبالتالي ينتج عن ذلك كثير من المفاسد والمصائب العظيمة، ولو فكَّر هؤلاء الشباب في نتائج ما أقدموا عليه لعلموا أن الله جل وعلا لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج، وأنه يريد لهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وهذا دليل على وسطية دين الإسلام العظيم.

لقد نهى الله المسلمين عن القتال أول الإسلام لأنهم غير قادرين، ولأن مفسدته أعظم من مصلحته، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ..}(النساء: 77)، وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه مأمورين بالصبر على أذى المشركين والمنافقين حتى أصبحت لهم قوة وشوكة ومنعة.

إخوة الإيمان: إنّ تصدر بعض الناس ممن لم يُعرفوا في العلم فضلاً عن التضلع فيه لمجالس الفتيا وإصدار الفتاوى المجردة عن الدليل الشرعي أضاع كثيراً من الجهود، وكان سبباً في إغلاق أبواب خير كثيرة، وفتح أبواب شر أكثر.

فعلى كل شاب أن يتريث إذا التبست عليه الأمور، ويرجع إلى أهل العلم المعروفين بالصدق والإخلاص، والحذر الحذر من الأخذ بكل ما يسمع، ومن الفتوى بغير علم لئلا يورد نفسه وغيره موارد الزلل والهلاك، وقد أمرنا الله أن نرجع إلى أهل العلم فيما لا علم لنا به، قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر: 28)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل: 43، 44).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.

عباد الله: إن مما يعتصر له القلب أن بعض شبابنا الطيبين نتيجة لبعدهم عن العلماء الربانيين، وجهلهم بمآلات الأمور، وتغليب عاطفتهم على الشرع أصبحوا ضحية سهلة لأطراف مشبوهة، وأيدٍ خفية تطيح بهم في رحى الصراعات السياسية والأحزاب الضالة باسم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الإسلام مما أوقعهم في كثير من المحاذير الشرعية كمعصية ولي الأمر، والخروج عن طاعته، وعقوق الوالدين، والقتال دون تبصر بحقيقة الحال والمآل، والقتال تحت رايات عميَّة، وربما كان عُرضة لأن يكون أداة هدم لبلاده ومجتمعه لأنهم يجعلونه أداة يتلاعبون به كيفما شاءوا، بل أصبحوا يبيعون بعض الشباب لجهات مشبوهة ليتخلصوا منهم، ونحن نعلم يقيناً أن الجهاد في سبيل الله من أجل الأعمال وأفضل الطاعات، لكنه كغيره من العبادات له شروط وضوابط يجب مراعاتها ومن أهمها الرجوع فيه لأهل العلم الربانيين.

وعلينا جميعاً وخصوصاً الشباب التحصن بالعلم الشرعي على أيدي العلماء الراسخين، وتعظيم السنة، والسير على نهج السلف الصالح، ولزوم جماعة المسلمين، وطاعة مَنْ وَلاَّه الله أمرنا في المنشط والمكره، والعسر واليسر كما أوصانا حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلينا أن نحرص على الاجتماع، وعدم التفرق، فالأمة لا تكون قوية متماسكة إلا باجتماعها في عقيدتها، ومنهجها، وطريقتها، ودعوتها، وأن نحذر من التعصب للأهواء والآراء، وأن نبتعد عن دعاة الشر والضلالة، ممن قلَّ علمه، وقصر فهمه، وساءت نيته.

وأقول لشبابنا: أنتم قدوة للمجتمع، والمجتمع يؤمل عليكم الخير الكثير، فكونوا عند حسن الظن، ودعوا عنكم المرجفين والمتهورين، والزموا غرز علماءكم فهذا خير لكم في العاجل والآجل.

أسأل الله جل وعلا أن يحفظ شبابنا من كل سوء ومكروه، وأن ينير بصائرهم بنور العلم والإيمان.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56).
الجمعة: 9-3-1435هـ