خطبة بعنوان: (تنبيهات وتوجيهات حول سورة الفاتحة) بتاريخ 14-4-1435هـ

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء: 1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب: 70، 71)،
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: لقد أكرم الله جل وعلا أمة الإسلام بأعظم كتاب، ألا وهو القرآن الكريم، فهو كلام الله المنزل على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، وهداية للناس أجمعين، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(إبراهيم:2).
وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(رواه الدارمي).
وفي القرآن سورة من أعظم السور، ألا إنها فاتحة الكتاب، قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}(الحجر: 87).
وروى البخاري وأحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلي رضي الله عنه: (لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد..)، فقال: (الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه).
وسُميت ‏‏بالفاتحة ‏لافتتاح ‏الكتاب ‏العزيز ‏بها، ‏وسميت ‏‏أم ‏الكتاب ‏لأنها ‏جمعت ‏مقاصده ‏الأساسية، ‏وسميت ‏أيضا ‏السبع ‏المثاني‏‏، ‏والشافية‏، ‏والوافية‏، ‏والكافية‏، ‏والأساس‏، ‏والحمد‎ .‎‏
وهي سورة مكية على الصحيح من أقوال أهل العلم، وعدد آياتها سبعة مع البسملة،
وهي السورة الأولى في ترتيب المصحف الشريف، نـزلـت بـعـد سـورة المـدثـر.
وأما مكانتها بين السور فقد قال فيها صلى الله عليه وسلم (ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها. وإنها سبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)(متفق عليه).
فهي تدور حول أصول الدين وفروعه، والعقيدة، والعبادة، والتشريع، والاعتقاد باليوم الآخر، والإيمان بأسماء الله وصفاته الحسنى، وإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء، والتوجه إليه جل وعلا بطلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم، والتضرع إليه بالتثبيت على الإيمان ونهج سبيل الصالحين، وتجنب طريق المغضوب عليهم والضالين، والإخبار عن قصص الأمم السابقين، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء، والتعبد بأمر الله سبحانه ونهيه. ومن تحقق معاني هذه السورة علماً ومعرفة وعملاً وحالاً صارت عبوديته عبودية المخلصين الذين ارتفعت درجاتهم عن عوام المتعبدين.
ومن النصوص الواردة في فضل سورة الفاتحة: ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم ، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك؛ فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة {البقرة}، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته).
وقال صلى الله عليه وسلم:(قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:{الحمد لله رب العالمين}، قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال:{الرحمن الرحيم}، قال: أثنى علي عبدي. فإذا قال:{مالك يوم الدين}، قال مجدني عبدي. وإذا قال:{إياك نعبد وإياك نستعين}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال:{اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ، قال: هذا لعبدي. ولعبدي ما سأل).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:‏(كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت إن سيد الحي سليم وإن ‏ ‏نَفَرنا غُيَّب ‏ ‏فهل منكم ‏ ‏راق ‏ ‏فقام معها ‏ ‏رجل ‏ ‏‏ما كنا ‏نأبنه برقية فرقاه فبرأ فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت ‏ تحسن رقية أو كنت ‏ ترقي قال لا‏ ما رقيت إلا ‏بأم الكتاب ‏قلنا لا تُحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏فلما قدمنا ‏المدينة ‏ذكرناه للنبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم فقال وما كان يدريه أنها‏ ‏رقية ‏اقسموا واضربوا لي بسهم)(رواه البخاري).
عباد الله: وقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة؛ فمن لم يقرأها في صلاته لم تصح، لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)(رواه مسلم).
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم:(مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ..)إلى آخر الحديث (رواه مسلم).
واعلموا بارك الله فيكم أنه لا تصح الصلاة خلف الأمي الذي لا يصحح الفاتحة، ولو كان عالماً. وأيضاً من لا يقيم قراءة الفاتحة فلا يصلي خلفه إلا من هو مثله.
واللحن في الفاتحة الذي لا يحيل المعنى أو اللحن الخفي تصح صلاة صاحبه إماماً أو منفرداً.
عباد الله: لقد انتشر بين كثير من عامة الناس، بل وطلاب وطالبات المدارس والجامعات، أخطاء متعددة عند قراءة الفاتحة، بل تجاوز الأمر إلى حصول هذه الأخطاء من بعض أئمة المساجد ــ هداهم الله ــ، وهذا يدل على التقصير في تعلم أحكامها، وقراءتها القراءة صحيحة.
ومن الحلول للمساهمة في تصحيح التلاوة ذلك البرنامج الذي ستطلقه إدارة التربية والتعليم خلال الأسبوعين القادمين لتصحيح قراءة الفاتحة.
وتضامناً معهم أردت بيان هذه الأخطاء كي يتم التنبهُ لها وتصحيحُها، والأخطاء التالية لا تبطل معها الصلاة، ولكن لابد من العمل على تصحيحها مستقبلاً، ومن ذلك:
* قراءة (الحمدَ) بفتح الدال، والصواب أنها تقرأ (الحمدُ) بضمها.
* قراءة ( رَبُّ ) بضم الباء، والصواب أنها تقرأ بكسر الباء المشددة.
* قراءة (الرحمنِْ) باختلاس كسرة النون أو بضمها، والصواب أنها تقرأ (الرحمنِ) بكسر النون.
* قراءة (يومَ الدِّين) بفتح الميم، والصواب أنها تقرأ (يومِ الدين) بكسر الميم.
* قراءة (نعبِد) بكسر الباء، أو (نعبدو) بإشباع ضمة الدال، والصواب أنها تقرأ (نعبُد) بضم الباء، و(نعبُدُ) بضم الدال بلا إشباع.
* قراءة (ايَّاك)، (وايَّاك)، بتسهيل الهمزة، والصواب أن تقرأ (إيَّاك)، (وإيَّاك) بتحقيق الهمزة.
* قراءة (الذينَ انْعمت) بتسهيل همزة أنعمت، والصواب أن تقرأ (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ) تحقيق همزة أنعمت.
* قراءة (لله)، (العالمين)، (الرحمن)، (مالك)، (إياك)، (الصراط)، بمد حرف الألف في هذه الكلمات حركتين فقط (مد طبيعي).
* قراءة (الظالين)، (المغظوب) بالظاء، والصواب أن تُقرأ (الضَّالين)، (المغْضوب) بالضاد..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}( الأحزاب: 21).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: ومن الأخطاء المشتهرة أيضاً التي تقع في سورة الفاتحة، ويترتب عليها بطلان الصلاة، ما يلي:
* قراءة (إِيَاك) بإزالة الشدة، فيصير معناها (الشمس)، والصواب قراءتها بتشديد الياء.
* قراءة (أَهْدِنا) بهمزة القطع المفتوحة من الإهداء، والصواب قراءتها (اهدنا) بهمزة الوصل.
* قراءة (أَنعمتُ) بضم التاء، فيكون المَنعِمُ هو المخلوق، والصواب قراءتها (أَنْعَمْتَ) بفتح التاء.
* قراءة (الذين نْعمتَ) بحذف الهمزة، وهذا فيه ترك حرف، والصواب قراءتها (الذين أنعمتَ) بإثبات الهمزة.
* قراءة (ويَّاك) بحذف الهمزة، وهذا فيه ترك حرف، والصواب قراءتها (وإيَّاك) بإثبات الهمزة).
* قراءة (قَيرْ) بقلب الغين قافاً، والصواب قراءتها (غَيرِ) بحرف الغين.
* قراءة (المقْضوب ) بقلب الغين قافاً، والصواب قراءتها (المغْضُوبِ) بحرف الغين.
قال العلماء: من ترك حرفاً، أو تشديدةً، أو أبدلَ حركةً فغيرت المعنى بطلت صلاته، وما عدا ذلك فلا يبطلها، ولكن عليه أن يتلوها بإتقان.
ووصيتي لإخواني وأخواتي أن ينتبهوا لتلك الأخطاء التي ذكرناها، وأخص بذلك أئمة المساجد فهم قدوة لمن خلفهم وعن طريقهم يتعلمون القراءة الصحيحة، ولأجل أن تصح صلاتهم وصلاة من خلفهم بإذن الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).

الجمعة:14-4-1435هـ